الأقباط متحدون | اهمية دراسة الفلسفة والثقافة عموما عند آباء الكنيسة الأولون
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٦:٥٤ | السبت ١٤ نوفمبر ٢٠١٥ | ٤ هاتور ١٧٣٢ ش | العدد ٣٧٤٦ السنة التاسعه
الأرشيف
شريط الأخبار

اهمية دراسة الفلسفة والثقافة عموما عند آباء الكنيسة الأولون

السبت ١٤ نوفمبر ٢٠١٥ - ٤٣: ٠٦ م +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

اعداد /ماجد كامل 
مع ظهور الديانة المسيحية كانت الفلسفة اليونانية منتشرة ومتوغلة في العالم كله ؛ فأهتم آباء الكنيسة الأولون بدراسة الفلسفة وفهمها  واستيعابها حتي يستطيعوا مواجهة العصر . وفي هذا المقال سوف نتتبع بعض كتابات الآباء الأولون الذين طالبوا بدراسة وتدريس الفلسفة ؛ نذكر منهم :- 
 
اولا : القديس يوستينوس الفيلسوف والشهيد :- (؟ -165 تقريبا)
وهو من الاباء المدافعين من القرن الثاني الميلادي وهو يعتبر اول كاتب كنسي حاول التوفيق بين المسيحية والفلسفة اليونانية اذ كان يعتبر ان الفلسفة بمثابة اعداد العالم الوثني لقبول المسيحية. ولقد كان القديس يوستينوس حريصا علي ارتداد زي الفلاسفة اليونانيين كل ايام حياته . ولقد كتب القديس يوستينوس في كتاب شهير له بعنوان "الحوار مع تريفون" )  ولقد صدرت له ترجمة عربية عن دار باناريون خلال عام 2012 )  عن أهمية دراسة الفلسفة فقال (الفلسفة من اثمن الهبات الالهية التي رسم بها الله ان يقود الانسان اليه ) وفي الدفاعين الذين كتبهما القديس يوستينوس للدفاع عن المسيحية استخدم كثير من المصطلحات اليونانية ولكن بعد اضفاء المعني المسيحي عليها . وهو ما يعرف بعملية "تعميد المعرفة" ( Christianization of the Knowledge) ولقد كتب عن الكلمة "اللوغوس قد ارشد ليس فقط انبياء العهد القديم بل حتي فلاسفة الوثنيين . (ان كل المباديء الحسنة والقوانين العادلة التي علم بها الفلاسفة كان المصدر والمرسل اليها هو اللوغوس ومما لا شك فيه ان هذه المباديء ناقصة وغير كاملة والمسيحي وحده هو الذي يملك هذه المعرفة الكاملة التي تأتي بطريقة مباشرة من اللوغوس الذي اظهر نفسه لهم فلا معرفة كاملة اذن ولا ادراك تام للمباديء السامية الا في المسيح ) كما كتب القديس يوستينوس دفاعين للرد علي الفلاسفة الوثنيين بجانب كتابه السابق ذكره . وفي كل هذه الكتابات استخدم الادلة الكتابية والفلسفية والعقلية لاثبات معقولية الديانة المسيحية واعتمادها علي العقل وتقديم اوجه الشيه بين المسيحية والفلسفة اليونانية لكي يبرهن ان المسيحية وحدها هو الفلسفة  الكاملة . ومن النصوص الجميلة التي يثبت فيها أهمية دراسة الفلسفة يقول ( في الحقيقة أن الفلسفة خير عظيم جدا ؛ وثمين في عيني الله ؛هي وحدها تقودنا إليه وتوحدنا به ؛وأولئك الذين يجتهدون في الفلسفة هم رجال مكرسون . 
فعلي كل إنسان إذن أن يدرس الفلسفة ؛ وينظر إلي هذا العمل باعتبار  أنه أعظم الأعمال وأثمنها ؛وكل ما تبقي يبقي في المرتبة الثانية أو الثالثة ؛ الفلسفة هي علم الذات ومعرفة الحق ؛والسعادة هي ثمن هذا العلم وهذه الحكمة )....
 
ثانيا :القديس كليمندس السكندري ( 140- 216 م تقريبا ).
القديس كليمندس هو ربيب مدرسة الاسكندرية اللاهوتية .هذه المدرسة كانت هي البوتقة التي تمت فيها عملية المصالحة بين الايمان والفلسفة . ولقد تميزت مدرسة الاسكندرية اللاهوتية بالطابع الموسوعي Encyclopedic او الشمولية في الدراسة البحث .ففي السنة الاولي يدرس الطالب الطب والفلك والعلوم . وفي السنة الثانية يدرس الطالب الفلسفة بفروعها المختلفة  . وفي السنة الثالثة يدرس الطالب اللاهوت وبهذا يتحقق له كمال المعرفة الانسانية . وفي هذا الجو وفي هذا المناخ نشأ القديس كليمندس وتعلم . وله كتاب شهير بعنوان "المتفرقات Stromata " كتب فيه يقول ( التراث الثقافي الموروث عن الاغريق ومع الفلسفة ذاتها جاءنا نحن البشر من الله ليس من خلال اتجاه محدد بل فاض علي عقولنا كما تفيض الامطار وتهطل علي التربة الخصبة)  وبعد ان يستعرض القديس كليمندس جميع المدارس الفلسفية كتب عنها ( وكل ما قيل من تلك الفلسفات وفيه حكمة ويعلم البر . تلك هي الفلسفة التوفيقية التي تجمع بين كل هذه الخلاصات الفكرية والفلسفات ) وفي فصل اخر بعنوان "المعارف الانسانية ضرورية لفهم الكتاب المقدس كتب قائلا( من ادعوه عالما بحق ذلك الذي يسخر كل الاشياء لدعم الحق واظهاره . ومن خلال علوم كالهندسة والموسيقي والنحو والموسيقي والفلسفة منتخبا منها ما هو ذو فائدة يسعي لحماية الايمان والدفاع عن العقيدة ضد كل من يهاجمها) وفي فصل اخر بعنوان "في كل الفلسفات هناك بذرة كامنة للحق "كتب قائلا (عندما نستعرض تلك العقائد والنظريات التي تعتنقها تلك المدارس الفلسفية سوف نجد فيها بعض الحق وليست كلها بعيدة عن الصواب ) ولقد صدرت ترجمة عربية لكتاب المتفرقات عن هيئة فيلوباترون في ثلاثة اجزاء . وللقديس كليمندس عبارات واقوال مأثورة اصبحت انشودة تتغني بها الاجيال جيلا بعد جيل مثل (كثرة المعرفة سوف تمنح من يملكها حياة ) و (الانسان المسيحي يلتهب شوقا نحو المعرفة ) و (لا معرفة بدون ايمان ؛ ولا ايمان بدون معرفة ) واخيرا نذكر (الجهل اشد اثما من الخطية )  ومن مدرسة الاسكندرية ايضا ومن تلاميذ القديس كليمندس نذكر  العلامة اوريجانوس ( 185- 254  م تقريبا ) الذي حدثنا عن دور العقل في حياة المؤمن في عبارة رائعة قال فيها ( كما أن العين بطبيعتها تطلب النور والبصر ؛ والجسد برغباته الطبيعية يطلب الطعام والشراب ؛ هكذا العقل له رغبته الطبيعية ان بعرف حق الله ويبحث في علل الاشياء ؛هذه الرغبة التي هي من عند الله )وعن اهمية الثقافة قال اوريجانوس ( الثقافة ليست شرا ؛بل بالحقيقة هي طريق الفضيلة .... انها لا تعوق معرفة الله ؛ لذا يلزم توبيخ أولئك المسيحين الذين يجدون راحتهم في جهلهم ) وفي رسالة بعثها العلامة أوريجينوس إلي أحد تلاميذه قال له فيها ( أطلب إليك أن تنهل من الفلسفة اليونانية لأن مثل هذه الأمور بمقدروها أن تكون بمثابة دراسات تمهيدية للمسيحية ؛ومن الهندسة والفلك بعض المعلومات يمكن أن تكون نافعة لشرح الكتب المقدسة . حتي أن ما يقوله أبناء الفلاسفة عن الهندسة والموسيقي وقواعد اللغة والبلاغة والفلك بأنها من أدوات الفلسفة وفي خدمتها ؛يمكننا نحن أن نقول نفس الشيء عن الفلسفة أنها في خدمة المسيحية ) .كما قال العلامة أوريجينوس ايضا "كل حكمة هي من الله "ولقد وصف القديس غريغوريوس صانع العجائب منهج أوريجانوس في التعليم بقوله ( كان يقتطف من كل فلسفة ما هونافع ومفيد وقدمه لنا ؛ أما ما هو خطأ فرذله .... نصحنا ألا نعطي ولاءنا لأي فيلسوف معين حتي وإن كان قد نال إعجابا عالميا ككامل في الحكمة ؛إنما يلزمنا أن نلتصق بالله وحده وبأنبيائه )  . ولقد شبه العلامة أوريجينوس الفلسفة اليونانية بالذهب الذي أخذه العبرانيون من بيوت المصريين ؛ثم أعادوا صهره مرة أخري ليصنعوا منه أدوات الهيكل ؛هكذا الفلسفة نأخذ منها الفكر والمنطق ونعيد صياغتها مرة أخري بما يتفق مع عقيدتنا المسيحية . ومن تلاميذ القديس كليمندس ايضا نذكر  القديس ديونسيوس السكندري البطريرك الرابع عشر من بطاركة كنيسة الاسكندرية . وهو اصلا كان طبيبا وثنيا عنده ولع كبير بالعلم والثقافة ؛واشتري ذات يوم مجموعة من رسائل معلمنا القديس بولس الرسول . فلما قرأها اعجب بها غاية الاعجاب حتي انه قرر ان يصير مسيحيا .ودرس في مدرسة الاسكندرية وتدرج في الدراسة حتي صار مديرا للمدرسة . وذات يوم كتب الي احد اصدقائه قائلا (ترددت في البداية في مطالعة كتب المبتدعين ؛وكان الباعث علي ترددي ما قاله لي احد الكهنة من ان قراءتي لتلك الكتب قد تشوش افكاري وتدخل الشك الي قلبي . ولكنني رأيت في احدي الليالي رؤيا شجعتني علي القراءة اذ سمعت صوتا يقول لي :- "اقرأ كل ما يقع تحت عينيك فأنت قادر ان تميز وان تتمسك بما هو حسن . واذكر ان القراءة كانت هي السبب المباشر في اعتناقك المسيحية " فأطعت الرؤيا ) والقديس اثناسيوس السكندري البطريرك العشرين من بطاركة كنيسة الاسكندرية حيث كتب في مقدمة كتاب "تجسد الكلمة " (لكي نفهم كيف تجسد الله لابد ان نبدأ  اولا بدراسة الانسان والكون ) فدراسة الانسان تقودنا الي دراسة العلوم الانسانية . ودراسة الكون تقودنا الي دراسة العلوم الطبيعية . 
 
ثالثا :-  القديس باسيليوس الكبير ( 329- 379 ) والآباء الكبادوكويون بصفة عامة:"
القديس باسيليوس الكبير هو اسقف قيصرية الكبادوك وواضع القداس الباسيلي الذي نصلي به في كنيستنا . وله كتاب شهير يعنوان "رسالة الي الشباب" يحثهم فيها علي ضرورة استيعاب ثقافة العصر وعلومه وادابه وفنونه ورياضته  . "ولقد صدرت له ترجمة عربية تحت عنوان "الشباب وروح العصر " ضمن سلسلة "الثقافة – الايمان – المجتمع" الصادرة عن اسقفية الشباب" . كما صدرت له ترجمة أخري مع مقدمة تاريخية وتحقيق للنص عن دار نشر باناريون ؛ وقام بالترجمة والتحقيق الدكتور سامح فاروق حنين ".وفي هذا الكتاب توجد بعض النصوص الرائعة التي يحض فيها علي القراءة في الفلسفة والآداب فقال  ( علينا ان نستعد مسبقا بالاستماع الي المعلمين من خارج المسيحية ؛ فاذا افترضنا وجود صلة قرابة يين علوم الدنيا وعلوم الدين فاننا سنستفيد كثيرا بمعرفتنا بهذه الصلة ؛ وفي حالة عدم وجود هذه الصلة فسوف نتعلم بالمقارنة ان الفارق شاسع بينهما وهذا بدوره يجعلنا نثبت في الافضل ونتمسك به) ثم يذكر القديس باسيليوس عن كتب فلاسفة اليونان (قبل كل شيء يجب ان نفحص كل كتاب من كتبهم ولنعمل جهدنا لكي يناسب غايتنا في الحياة واعني الفضيلة التي هي الاساس الذي بني عليه الحياة الاخري . ولقد مدح هذه الحياة الاخري الكثير من الفلاسفة والشعراء لذلك يجب ان نحرص علي مطالعة هذه الاقوال لان الفائدة منها ليست قليلة ) . ويقول أيضا ( ونحن إذا أبتغينا الحكمة والإعتدال فلنجد في آثر كل شيء يجد صداه في الحق الذي يسكن فينا ؛ولنترك جانبا الأمور الأخري . وكما نتحاشي الأشواك حينما نقطف الورد هكذا في الأخذ من أقوال الكتاب والخطباء والشعراء ؛فلنحصد منها ما يفيد ؛ولنحترس من الأفكار الضارة ) 
ثم يعطي نموذجا لكلامه من اشعار هوميروس "وهو اكبر شعراء اليونان وله ملحمتين شهيرتين بعنوان "الالياذة و"الاوديسة " (ولقد سمعت شخصيا من انسان ان شعر هوميروس ليس الا مدحا في الفضيلة – ماعدا بعض الاستثناءات – وهذا يظهر جليا من  قصة الاوديسة ) . ويختتم القديس باسيليوس هذا الفصل بهذه العبارة الجميلة (وبما ان الكثير من اقوال وفعال هؤلاء البارزين لا تزال محفوظة بين ايدينا في الكتب او باقية في ذاكرتنا .فلا يجب ان يفوتنا فرصة الاستفادة منها ) . وفي الفصل الثاني من الرسالة يقدم القديس باسيليوس نماذج وامثلة عملية لفضائل بعض الفلاسفة والملوك اليونانيين مثل ( سقراط الذي تسامح  مع شخص اعتدي عليه بالضرب دون ان يرد اعتداء باعتداء وكيف يتطابق هذا الموقف مع قول السيد المسيح له المجد "من لطمك علي خدك الايمن فحول له الاخر ايضا مت 5 :39 " والاسكندر الاكبر المقدوني الذي عف عن النظر الي ابنتي داريوس ملك الفرس بعد اسرهما واعتبر انه من العار علي رجل غلب الرجال ان يترك نفسه يغلب من النساء وكيف يتطابق مع قول السيد المسيح له المجد (كل من ينظر الي امراة ليشتهيها فقد زني بها في قلبه "مت 5 :28 " وللعلم فأن رسالة القديس باسيليوس الكبير هذه قد اعتمد عليها كثيرا فلاسفة الحركة الانسانية Humanism في عصر النهضة لاثبات اهمية احياء التراث الاغريقي القديم ؛ ومن الاباء الكبادوكيون الذي اهتموا باهمية الثقافة الانسانية نذكر القديس غريغوريوس الثيولوغوس ( 329- 390 م )  "وهو واضع القداس الغريغوري الذي تصلي به كنيستنا القبطية حيث قال (نحن نأخذ من الثقافة الوثنية ما هو الحق ؛اما ما يقود الي الوقوع في حبائل الشيطان  والغواية ؛وينتهي بنا الي الجحيم ؛فاننا نرفضه ) ويضيف ايضا (ان كل ماعندهم حتي ما فيه من الضلال نافع لتقوانا حيث يجعلنا نفرق يين الخير والشر ؛ومن ضعفهم نقوي تعاليمنا ) وبمنتهي التفتح قال القديس غريغوريوس (من الحماقة ان ندين المعرفة التي عند غيرنا ؛لأن غيرنا سوف يفعل معنا الشيء نفسه). وأيضا من أشهر آباء الكنيسة الللاتينية القديس أغسطينوس ( 354- 430 ) يقول ( الذين يسمون فلاسفة  حقا و كلامهم مطابقا لإيماننا  ؛ وجب أن نأخذ منهم كما يؤخذ الشيئ من غاصبه ) ولقد وصف القديس اغسطينوس معلمه القديس أمبروسيوس ( 339- 397 م ) أنه كان قارئا غير عادي ؛ حتي أن مكتبته الشخصية تعتبر حاليا ثاني مكتبة في ايطاليا بعد مكتبة الفاتيكان ؛ وتعرف بالمكتبة الأمبروسيية تخليدا لذكراه . 




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تقييم الموضوع :