الأقباط متحدون | "أم دعاء"
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٨:٣٥ | السبت ٢ اكتوبر ٢٠١٠ | ٢٢ توت ١٧٢٧ ش | العدد ٢١٦٣ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

"أم دعاء"

السبت ٢ اكتوبر ٢٠١٠ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: سحر غريب
 عندما رأيتها لأول مرة لم يرتاح  لها قلبي؛ فهي سيدة يتجسد على وجهها غضب لا تعلم مصدره، كئيبة بلا داعي، لم تعرف كيف تتعامل مع البشر العاديين، كلماتها وعيد وكأنها سجَّانة على بوابة سجن، تهديداتها فجَّة، تلقيها على مسامعنا بثقة العالمة ببواطن قدراتها الكبيرة، كنا نهابها ونخاف أن نقلق راحتها، ونطلب منها تأدية واجبها الذي تأخذ عليه راتبها الشهري، وكان البعض "يغمزها" بالنقود، ليس طمعـًا في خدماتها، ولكن درءًا لشرها.

 "أم دعاء".. ليست وزيرة وليست بالقطع سجَّانة، ولكنها مجرد عاملة في أحد المستشفيات العسكرية التي كانت أمي -رحمها الله- تُعالج فيه؛ كانت "أم دعاء" مثار غضب المرضى وذويهم، فكانت تدعي عليهم بالموت، وترفض تغيير الملاءات وتنظيف الحجرات، ورغم أن صوتها كان عاليـًاً متبجحـًا، إلا أأأأأأ   نها لم تكف يومـًا عن الصراخ والوعيد والتهديد، وكأن صوتها العالي لم يكن يُسمع.

 "أم دعاء".. هي سفاحة آدمية تتفنن في زيادة مُعاناة المرضى، وعنما تأكدتُ أن أمي -رحمها الله- قد ذهبت إلى مكانٍ أفضل وغادرت الدنيا بمَن عليها، توجهت إلى إدارة المستشفى، وتقدمت بالشكوى؛  ليس انتقامـًا لأمي.. بل شفقة على بقية المرضى الذين يتعاملون مع "أم دعاء"، والذين يخافون على مرضاهم من بطشها، فيؤثرون الصمت الرهيب.

 وفي اليوم التالي الذي ذهبنا فيه لتسلم جثمان أمي، وجدت "أم دعاء" جديدة بورقة بيضاء، تريد مني أن أتنازل عن الشكوى، ولكني رفضت؛ فبكت "أم دعاء" التي أبكت الكثيرين من المرضى، وأخذت تستعطفني حتى أعفو عنها وتنكر ما رأته عيناي.

 وحكاية "أم دعاء" هي حكاية عادية قد تتكرر مع عدد كبير من المرضى، ولكن ما حدث بعد ذلك هو ما يجعل من الفساد أمرًا منطقيـًا نستحقه كشعب؛ فعدد كبير من أهلي ومن أهالي بعض المرضى الذين هزتهم دموعها الكاذبة، أخذوا يطالبونني بسماح "أم دعاء" رحمةً ونورًا على روح أمي، لم يفكروا في رحمة بقية المرضى وأخذوا يرددون بأن "المسامح كريم"؛ فقلت إن المسامح في هذه الحالة وشبيهاتها ليس كريمـًا، بل هو شيطان رجيم لئيم، يرى الغلط ويصمت ويسامح، فيتجرأ المجرم أكثر، ويتخيل أنه فوق القانون، وأن مجرد دمعتان كفيلتان بنسيان جميع جرائمه.

 لم أتنازل عن شكواي، ولكنني أصبحت أعيش بلقب "امرأة مُتحجرة القلب"، لم تلين لدموع "أم دعاء"، ولكنني أنام وضميري مستريح؛ فـ"أم دعاء" وشبيهاتها في ذلك المشفى تعرفن الآن أن للصبر حدود، وأن العقاب قادم على يد واحد أو واحدة لا تهزها دموع التماسيح الآثمة.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تقييم الموضوع :