المرأة ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية
بقلم : راندا الحمامصي
"إن حقائق الأشياء قد ظهرت في هذا القرن المنير والحقيقة يجب أن تظهر.
من ضمن هذه الحقائق مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة –
مساواة في الحقوق والامتيازات
في كل ما يتعلق بالبشرية."
(حضرة عبدالبهاء)
من الأمور المتفق عليها عامة أن وسائل الإعلام المذاعة، وخاصة المرئية، تلعب دوراً بارزاً في تكوين أفكارنا حول ما يشكّل سلوكاً مقبولاً اجتماعياً. فالمذياع والتلفاز لهما حضور دائم في بيئتنا، وكلاهما يعكس ويشكّل نظرتنا الجماعية إلى الحقيقة. ولأن قوة التلفاز والمذياع ذات تأثير على القيم الاجتماعية، فإن عامة الناس لديها اهتمام ورغبة دائمة في كيفية الاستفادة من الموجات الصوتية. لدينا سبب عظيم يدفعنا إلى القلق حول التأثير السلبي للعنف والعدوان والمادية والممارسات الجنسية غير المشروعة والفسوق والاعتياد على مشاهدة المعاناة التي تواجه البشرية عبر وسائل الإعلام. وفي الوقت نفسه فإن الإمكانات الكامنة في وسائل الإعلام الإيجابية كمؤثر نسبي غير مستغل إلى حد كبير للمساعدة في إحداث تغيير اجتماعي وتعزيز تقدم المرأة.
إن مجموعة القوانين المتعلقة بالتلفاز والمذياع، في العديد من الدول، تعتبر الموجات الصوتية مورداً محدوداً يُحفظ كأمانة عامة من أجل منفعة الناس جميعهم. وبناء عليه، فإن قوانين الإذاعة غالباً ما تتضمن عبارات فضفاضة، حيث تنص في عبارات عامة حميد الأغراض التي من أجلها أنشأت وسائل الإعلام. لقد مُنح الإعلاميون امتياز استخدام الترددات المحدودة المتاحة أمامهم شريطة أن تخدم الصالح العام عبر استخدام هذه البرامج في التعليم الثقافي والتقدم الاجتماعي، وليس فقط لأغراض الاستغلال التجاري.
هذه التصريحات بالنوايا، مهما كانت بعيدة عن الحقائق الواقعية التي تقدمها وسائل الإذاعة والإعلام، ولكنها تقدم أسساً قانونية لتقوم بطلب أن تكون البرامج، والإعلانات، وإذاعة الأخبار متوافقة مع معايير اهتمام العامة، وترويج الثقافة والتعليم والرخاء الاجتماعي. يمكن تفسير هذه المعايير العامة بسهولة على أنه يجب الانتباه إلى دور المرأة الذي تغير وما زال في طور التغير، والى المساهمات التي قدمتها المرأة وما زالت تقدمها في مجالات عديدة، وإلى العوائق التي تواجه النساء في المنزل، وفي البيئات الاجتماعية، وفي محيط العمل.
تنتقي هذه الوثيقة وسائل قانونية نافعة من قوانين الإذاعة المتبعة في عدة دول - وتتضمن القوانين التشريعية، والدستورية، وتلك التي تتعلق بالقضايا - وتقترح التفسيرات الممكنة. كما تذكر باختصار خططاً قانونية إضافية، وتشير إلى هياكل تنفيذ العمل. وأخيراً، تقترح الكيفية الإيجابية للحصول على إذاعة نموذجية.
بعض القوانين الإذاعية المتبعة في بلدان العالم
يوجد نوعان من القوانين الإذاعية التي تساعد على تعزيز مكانة المرأة، وهما: الممنوعات التي تحدد ما لا يجب عرضه، والالتزامات الإيجابية تجاه ما يجب عرضه. هذان النوعان من المتطلبات يوفران الفرص لقراءات خلاقة في القوانين، ولاقتراحات مبدعة للإعلاميين. بعض الأمثلة على المحرمات الممكنة تتضمن الإذاعات التي تروج للعنف (العنف في الأسرة مثلاً)، وعدم الاحتشام أو الفسوق. أما الالتزامات الإيجابية فغالباً ما تتضمن عرض برامج الأطفال والتأكد على التنوع في الأخبار والبرامج الترفيهية. هذه القوانين تحتوي على مواد تشريعية نافعة، سواء تم التعبير عنها بمصطلحات عامة أو خاصة، ويمكن على أساسها تقديم الاقتراحات للإعلاميين أو وضع الخطط لهم. فيما يلي عدة أمثلة.
يتطلب القانون الألماني من البرامج " أن تحترم كرامة الإنسان... وأن تعزز الوحدة والاتحاد."(1) يمكن الاستفادة من هذه المتطلبات لطلب البرامج التي تحترم كرامة المرأة، وتباين القيم ووجهات النظر بين النساء والرجال، ووحدة الحياة العائلية، بالإضافة إلى مساواة أكبر في المسؤوليات المتعلقة بمشاركة العمل واتخاذ القرارات.
في إيطاليا ينبغي التدقيق في الإذاعات وفقاًَ لمبدأي "الموضوعية والشمولية."(2) بالإضافة إلى ذلك، يجب على حاملي التصريح "تخصيص عشرين بالمائة من إجمالي الوقت الإذاعي الأسبوعي للأخبار المحلية والبرامج غير التجارية التي تثير اهتمام المجتمع المحلي."(3) إن معيار كل من الموضوعية والشمولية يدعم الطلب لعرض أكثر إيجابية لمكانة المرأة، ولبث نشاطات النساء المحلية في نشرات الأخبار.
تشترط جنوب أفريقيا أن تلعب محطتها الإذاعية العامة "دوراً بارزاً" في القضاء على التمييز العنصري والجنسي.(4) كما تشترط أيضاً أسلوب تعامل إيجابي، بالإصرار على أن تعرض خدمات "ذات جودة واحدة لجميع جمهور المستمعين."(5) هذه المتطلبات الواضحة بعيدة المدى توفر أساساً كافياً لاشتراط الحساسية، فيما يتعلق بنوع الجنس، أثناء البث الإذاعي، وفي البرامج التي تفي باحتياجات المرأة. وفي الدول التي تمتلك محطة إذاعية عامة قوية، قد يرغب المحامون بالتركيز على تلك المحطة، لأنها قد تكون قادرة على التأثير على مذيعين آخرين.
إن الهدف من قانون الاذاعة، في كوريا الجنوبية، هو "بذل قصارى الجهد من أجل… تطور الثقافة القومية، و... تحسين الصالح العام."(6) كما أن على الإعلاميين مسؤولية إضافية تتمثل في "احترام كرامة البشر وقدرهم"، و"احترام المشاعر الأخلاقية والعاطفية لدى المواطنين."(7) و"اللجنة الإذاعية" مسؤولة عن ضمان "الهداية الصحيحة للأطفال والشباب... وصفاء الحياة الأسرية... وآداب عامة الناس وقيمهم."(8) ويمكن إثبات أن تحسين الواقع الاجتماعي يعتمد بشدة على تقدم المرأة، وعلى احترام مشاعر المواطنين، وفي مجال حقوق الإنسان فإنه يتطلب نبذ الأفكار المتكررة التي تحط من شأن الإنسان ومقامه. ينتج عن هداية الأطفال والشباب وصفاء الحياة الأسرية، توفر أسس عقلانية لمحو التصرفات العدوانية من الموجات الإذاعية واستبدالها بنماذج إيجابية للعدالة، واستخدام المنطق بدلاً من العنف من طرف البالغين.
وفي تايوان، "سوف يكون الهدف من البرامج الترفيهية تعزيز الثقافة الصينية وكذلك الأخلاق"...(9) يجب ألا يكون البث "ضاراً بصحة الأطفال العقلية والبدنية..."(10) إن المطلوب من البرامج التعليمية والثقافية "تعزيز التعليم الاجتماعي… وتنمية ذكاء الأطفال وقدراتهم."(11) يمكن الإشارة إلى هذه المعايير السامية لحماية الأطفال وتعليمهم في أي طلب بأن تعرض وسائل الإعلام المسموعة والمرئية نماذج إيجابية عن المرأة للفتيات والصبيان.
جاء في دستور الاتحاد السوفييتي السابق: "ستشكّل... وسائل الاتصالات... ثروة كافة الناس."(12) وبالتالي، فإن تنمية قدرات النساء، يتطلب من وسائل الإذاعة أن تكون أحد هذه الموارد المساهمة للتأثير في هذا الهدف. وبما أن صلاحية دستور الاتحاد السوفييتي وإمكانية تطبيقه للأعضاء السابقين في الاتحاد أصبحت غير واضحة، فإن هذا القانون تم تضمينه كمثال لكيفية الاستفادة من مفهوم عام جداً من خلال تفسيره وتأويله.
إن تعريف "الصالح العام" في قانون الولايات المتحدة يتطلب من الإعلاميين أن "يقوموا بالاستفادة التامة والأكثر فاعلية"(13) من وسائل الإذاعة، ويجب على لجنة خاصة "أن تقوم بدراسة استخدامات جديدة... وتوفير الأغراض التجريبية... وتشجيع الاستخدام الأكبر والأكثر فاعلية... من أجل الصالح العام".(14) إن تعزيز دور المرأة، وخلق انطباعات ذهنية أكثر إيجابية، والإبلاغ عن التحديات التي تواجه المرأة والإنجازات التي تحققها، تجعل وسائل الإذاعة أكثر فاعلية وتأثيراً. إن الإشارة إلى الاستخدامات التجريبية تدعم الدراسة التعاونية لاستخدامات جديدة تعود بالنفع على المرأة.
إن القصد من هذه الأمثلة هو الإشارة إلى وجود أسس مناسبة في أغلب قوانين البث الإذاعي لمعظم الدول، والتي على أساسها يتم طلب البرامج التي ستحث على تبني قيم اجتماعية إيجابية لكل من البنين والبنات، وسيحسّن الطريقة التي يتم فيها بيان مكانة المرأة.
هناك أسباب أخرى للمطالبة بإذاعة مسؤولة نجدها في طلبات تصاريح الإعلاميين المكتوبة، والتي غالباً ما تكون وثائق عامة. وربما قام الإعلامي هنا بتحديد هدفه عند تعبئة البيانات للحصول على الإذن للإعلام وتعهد بتنفيذ معايير معينة، غالباً ما تكون تكراراً للغة المثالية التي كتبت فيها القوانين نفسها. ويمكن أن تشير عروض البرامج إلى اللغة التي كتب بها الطلب بأنها "تصريح نوايا" من طرف الإعلاميّ – أي ما لديه ليقدمه وتعهده للجمهور.
توجد في العديد من المحافل إمكانية تقديم طلب إذاعة مسؤولة. أحدها اجتماع مع الإعلاميين. والثاني اجتماع مع الهيئة المنظمة. والثالث إجراءات تجديد التصريح. وتتيح الطرق الثلاث فرصاً للتحدث بوضوح عن مستويات وتوقعات إيجابية. غالباً ما يرحّب المنظمون لإدارة أعمال الإذاعة والإعلام بهذه المساهمة في عملية تجديد التصريح لأنه عندما يتم منح التصريح لأول مرة، قد لا يكون هناك أسس لتحدّي الطلب على أساسها. ولكن، عندما تمرّ فترة على عمل المحطة يمكن للمستمعين والمشاهدين تسجيل الشكاوي على أساس الأداء الفعلي لصاحب التصريح.(15)
مجموعة استشارية لوسائل البث
تحتاج وسائل الإذاعة لكي تكون مؤثرة في إحداث تغييرات إيجابية من أجل المرأة، إلى هيئة استشارية لإجراء المشاورات ثم اتخاذ القرارات بشأن الخطط والمشاريع، وبشأن تفسيرات القانون المبتكرة. إن إشراك النساء والرجال سيساعد على تطوير وجهة نظر أوسع مدى. إن اللجان الحكومية، كتلك التي المختصة بالمرأة والأطفال والشباب والتعليم وكبار السن والخدمات الاجتماعية والتنمية الاجتماعية أو الثقافية، قد تمتلك مواداً – إحصائيات، دراسات أو خطط عمل إرشادية – تدعم مطالب وسائل الإعلام. إن تقديراً مؤثراً واستثماراً فاعلاً لتلك المواد سيشجع دعم هذه الوكالات، أو قد يؤدي إلى مشاركة في المشاريع القائمة. قد تقوم مجموعات خاصة كذلك بتقديم مثل هذه الموارد.
بعد أن تم تحديد الشركاء والموارد، تحتاج اللجنة إلى تقدير تعهداتها وقدراتها ودراسة المشاريع التي تتناسب مع مواردها. تشمل بعض المشاريع البسيطة إعلانات فورية، وطلب وترتيب إجراء المقابلات، وتوفير الموسيقى، والمسرحيات، أو رواية القصص حول مواضيع مناسبة. إن برامج الإذاعة قصيرة وإعدادها أبسط من الناحية التقنية بالمقارنة مع برامج التلفاز. وكلما زادت خبرة المجموعة، يمكنها تولي مشاريع أكبر. إن المذيعين أكثر تقبلاً لعرض البرامج التي تكون مصاحبة على الأقل بتزويد جزئي للموارد عن طريق اللجنة المطالبة.
ومما ييسر عملية التخطيط إعلان الهدف بوضوح وإيجابية ودقة. فإذا كان الهدف الرئيس للمجموعة هو إزالة المواد المسيئة، يمكن بسهولة استبدال هذه البرامج بمجموعة أخرى من البرامج المسيئة، ولن يتم إحراز النتيجة المطلوبة. إن الاقتراحات لأنواع جديدة من البرامج، أو لإضافات جديدة لتلك البرامج القديمة، ستقابل بالنجاح على الأغلب وستعزز علاقات العمل المستقبلية مع المذيعين. يجب على المجموعات الاستشارية لوسائل الإذاعة والإعلام أن تصبح موارد إيجابية للمذيعين، إلى أقصى حد ممكن .
بإمكان المجموعات الاستشارية أن تصبح موارد إثراء لأفكار واضعي البرامج من المذيعين في منطقتهم، وذلك عندما يعكسون صورة عن تنوعهم الثقافي وتباينهم في الاهتمامات. وفي أثناء بحثهم عن طرق تحسين مكانة النساء في وسائل الإعلام، قد يرغبون في استكشاف مدى واسع من الفرص، من بينها، وليس على وجه الحصر، المساهمات التي تساهم بها المرأة والتحديات التي تواجهها في المنزل، وفي مجتمعها المحلي، وفي محيط العمل.
رؤية مشتركة
تحتاج المجموعة الاستشارية لوسائل الإعلام إلى تطوير رؤية مشتركة واسعة من أجل أن يكون عملها موحداً وإيجابياً ومؤثراً ومستداماً. وحيث أننا لا نملك أنموذجاً لمدنيّة يطبق فيها مبدأ مساواة النساء والرجال بشكل كامل، فإن مهمة "تصوّر المستقبل" تحتاج إلى خيال وجهد دائم ومبتكر. إن القيام بتصور رؤية معينة لمجتمع يتميز بتوازن عادل ومنسجم بين المرأة والرجل، سيساعد المجموعة أيضاً في إظهار هذا المبدأ أثناء قيامها بوظيفتها. وعلى المدى البعيد، فإن الرؤية المشتركة لن تساعد في دوام المجموعة من خلال نموها وتعلّمها وما يتبع ذلك من نجاح أو فشل فحسب، بل سيُعدّ كذلك مصدراً غير محدود لأفكار تتعلق بالإعلام.
إن المشاركة الكاملة من جانب كل من المرأة والرجل في جميع المداولات الجماعية، يجب تنميتها بكل اجتهاد. وينبغي أن تتميز المشاورات الجماعية بالاحترام تجاه كل عضو من أعضاء المجموعة، والرغبة في اكتشاف الحقيقة، مهما كان المصدر. بالإضافة إلى القدرة على إبداء وجهة النظر الخاصة بوضوح وبصراحة وبما يكون متوازناً مع القدرة على تقبل آفكار الآخرين. يجب على أعضاء المجموعة أن يدركوا بأنهم – مثل غيرهم من أفراد المجتمع – قد يحملون عن غير قصد بعض المعتقدات السلبية عن المرأة والرجل، أو التقطوا عادات قد يكون لها أثر سلبي محبط على المشورة. ولكن عندما تبدأ المجموعة بتطوير وحدة نشطة حول الرؤية المشتركة، ستكون حرة في إدراك القدرات العالية للبشر، واكتشاف المدى الذي يمكن لتلك القدرات أن تعكسه في مجال ما تقدّمه وسائل البث.
إن النواة الأساسية لرؤية مشتركة هي الاعتقاد الأساسي بأن المرأة مساوية للرجل؛ وأنها تستحق المساواة في الحقوق والفرص للتقدم؛ وبأن رقي المجتمع في هذا الوقت يعتمد على مشاركتها الكاملة؛ وأن أي نقص في إنجازاتها يرجع إلى عدم توفر الفرص والتعليم، وليس بسبب صفات متأصلة؛ وأنها إذا أعطيت فرص متساوية فسوف تثبت قدراتها لتكون مساوية لقدرات الرجل؛ وأنه عندما تعطى كامل الصلاحية سوف تكون قوة فعالة من أجل السلام.
إن مسؤولية وسائل الإذاعة لا تكمن في إظهار علامات اليأس فحسب، ولكن بوادر الأمل أيضاً. بتذكير المذيعين بالتزامهم القانوني في خدمة الصالح العام، وتثقيف المجتمع والعمل على ازدهاره. بإمكان جماعات المواطنين الاستفادة من طاقات وسائل الإعلام من أجل النهوض بالمرأة ورفاه الأسرة البشرية والمجتمع ككل.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :