السودان... هته هته
بقلم :د.رأفت فهيم جندي
اسم "مصر" اتى من مصرايم ابن حام، واسم "النوبة" يعنى "الذهب" فى اللغة المصرية القديمة، ومنطقة جنوب النوبة كانت تسمى "بلاد كوش" نسبة لأبن حام. وكان لهذه البلاد ممالك وحضارة قديمة منذ ايام الفراعنة. ولكن أسم"بلاد السودان" يعنى "بلاد السود" كما اطلق عليها العرب. وانتهت مملكة النوبة المسيحية على يد الظاهر بيبرس الذى حولها إلى خرائب وحول كل كنائسها لجوامع، ثم أتى الأتراك وغزوا الشمال السودانى وعزلوا كل الحكام المسيحيين. وبعدها ضم "محمد على" شمال السودان لمصر وتبعه خلفائه وعاملوا الأفارقة بكل بطش وجبروت ولكنهم هزموا عند محاولاتهم غزو الحبشة. ولقد تدفق العرب المسلمون لشمال السودان وبدأت اللغة العربية تسود مع اختلاطها باللغات الأفريقية هناك فخرجت اللكنة السودانية، وايضا استعان محمد على بالأقباط فى أدارة امور البلاد لأمانتهم ونزاهتهم وكان منهم التجار ايضا.
امتدت الهيمنة المصرية ثم البريطانية حتى جنوب السودان الذى كان مملكة "لادو" وتتكون من قبائل اكبرها الدنكة والنوير والشلك. بعد استقلال السودان عانى الجنوبيون من اضطهاد الشماليين لهم اساسا بسبب عنصرهم الذى جعل منهم فقط مركزا لأصطياد العبيد وندر ادخال الجنوبيين فى المحافل السياسية ولم يحصل جنوب السودان على اى مشروعات او مدارس او مستشفيات لتحسين احوالهم الأقتصادية والأجتماعية.
بدأت حركات تمرد جنوب السودان ضد حكم الشمال من منتصف القرن الماضى وصار بعدها قتال دموى وتم عقد مؤتمر صلح مع حكومة جعفر النميرى فى 1972، ثم عاد النميرى ونقضه فى 1983، بل واراد تطبيق الشريعة الأسلامية عليهم ايضا بالرغم من قلة عدد المسلمين فى الجنوب فزاد الموقف اشتعالا. وفى ظل هذا الإتجاه الاسلامى فى الشمال تلقى اقباط السودان عام 1989 اشارات واضحة وصريحة بالرحيل عن السودان عوضا عن الفتك بهم، كما تسببت هذه الحرب فى وقف انشاء "قناة جونجلى" فى جنوب السودان لتحويل كمية كبيرة من مياه النيل الأبيض المفقودة لشمال السودان ومصر.
قاد "جون قرنق" قوات الجنوب فى قتالا دمويا ضد الحكومات السودانية، ُقتل فيه حوالى 2 مليون شخص حتى أبرم معاهدة سلام جديدة فى عام 2005 بها اتحاد فيدرالى مع الشمال، وصار "قرنق" بعدها رئيسا للجنوب، ثم قتل فى حادث طائرة غامض بعد 6 اشهر من المعاهدة. ويعتبر "قرنق" الذي خاض حربا استمرت 22 عاما ضد الحكومات السودانية المتعاقبة هو الزعيم التاريخي للحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان، وكان قبلها قد تلقى تعليما عالى المستوى فى الجامعات الأمريكية.
نصت معاهدة السلام عام 2005 على إجراء إستفتاء لتحديد مصير جنوب السودان، وتشير كل التطلعات على أن الغالبية العظمى ستصوت بالأستقلال فى هذا الاستفتاء الذى سيكون يوم 9 يناير 2011، وسيعود اسم "كوش" للظهور مرة آخرى ليكون بدلا من جنوب السودان.
بدأت البشائر على وجود بترول فى جنوب السودان وفى المناطق التى بين الشمال والجنوب ولكن مازال الجنوبيون يعانون من الفقر المدقع، فيأكل البعض منهم الحشرات والبعض الآخر اوراق الشجر. والرغبة فى هذا الأستقلال ليس منبعها دينيا ولكنها نابعة من عنصر افريقى مضطهد من العنصر العربى ويؤيده ايضا الأفارقة من مسلمو الجنوب.
المشاكل التى سيواجهها الجنوب بعد انفصاله هو الخلافات القبلية والشخصية، وأيضا لزوم وجود حكومة قوية لاستتباب الأمن الداخلى، وكذلك تأمين الحدود الخارجية، هذا بالأضافة إلى بداية تحديث الدولة التى ليس بعاصمتها "جوبا" غير طريق واحد صغير ممهد.
هل سيكون مصير جنوب السوادن هو نفس مصير اريتريا التى تعانى من سوء حكم ديكتاتورى دموى بعد انفصالها عن اثيوبيا؟
هل بعدها سينفصل أقليم دارفور فى غرب السودان؟ هذا الذى اصدرت بسببه المحكمة الجنائية الدولية أمرا بالقبض علي البشير لمحاكمته على قتل 250 الف شخص منه.
اللغة الرسمية فى جنوب السودان هى الأنجليزية بينما يتحدث الناس لغتهم القبلية، والذى ينطق من الجنوبيين اللغة العربية لا يستطيع نطق حرف ال"حاء" ويقولها "ها" ويبدو أن السودان سيصير بعد هذا بلغة الجنوبيين "هته هته".
رئيس تحرير جريدة الأهرام الجديد الكندى
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :