الأقباط متحدون | هل "مصر" فرعونية أم عربية؟ (3)
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٤:٤٤ | الخميس ٢١ اكتوبر ٢٠١٠ | ١١ بابة ١٧٢٧ ش | العدد ٢١٨٢ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

هل "مصر" فرعونية أم عربية؟ (3)

الخميس ٢١ اكتوبر ٢٠١٠ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: لطيف شاكر
تاريخ "مصر" هو تاريخ الحضارة الإنسانية, حيث أبدع الإنسان المصري وقدم حضارة عريقة سبقت حضارات شعوب العالم؛ حضارة رائدة في ابتكاراتها وعمائرها وفنونها، حيث أذهلت العالم والعلماء بفكرها وعلمها، فهي حضارة متصلة الحلقات تفاعل معها الإنسان المصري وتركت في عقله ووجدانه بصمتها، لقد كانت "مصــر" أول دولة في العالم القديم عرفت مبادئ الكتابة وابتدعت الحروف والعلامات الهيروغليفية، وكان المصريون القدماء حريصين على تدوين وتسجيل تاريخهم والأحداث التي صنعوها وعاشوها، وبهذه الخطوة  الحضارية العظيمـة انتقلت "مصـر" من عصور ما قبل  التاريخ وأصبحت أول دولة في العالم لها تاريخ مكتوب ولها نظم ثابتة، ولذلك اعتبرت بكافة المعايير أمـًا للحضارات الإنسانية.

وقد واجه الباحثون في علم الحضارات وتاريخها أن الحضارة الفرعونية اختلفت عن جميع حضارات البشرية في أنها لم تخضع لسُنة النشوء والارتقاء، بل ظهرت متكاملة ومتطورة في جميع عناصر مقوماتها، وكلما تغلغل الباحثون في الأعماق السحيقة للوصول إلى جذور المعرفة تكشف لهم مفاجأة بدايتها من القمة، وتوازن جميع عناصر مقومات تكوينها من علوم الفلك والطب والكيمياء والهندسة والزراعة والفنون والآداب، وفي مقدمتها العقيدة التي شملت أسرار الوجود والإيمان بالإله الخالق، ووضعت تشاريع حياة المجتمع فمهدت طريق الحضارة المتعددة الأبعاد وحددت معالمه.

ذلك الطريق الذي سارت فيه مقتفية آثار أقدام "مصر" شعوب آخرى، وشعوب الشرق القديم ثم "اليونان" مقتفية أثر المصري، وجميع تلك الحضارات رأت النور بعد أن رفعت "مصر" شعلة الحضارة بآلاف السنين، ومن "اليونان" أخذت "أوروبا" الكثير من معالم الحضارة التي يعيشها العالم الآن.

وقد يقول قائل: "ماذا أعطت مصر"؟ وماذا قال عنها الباحثون في تاريخ الحضارات؟؟

يقول "هنري بريستد": إن عطاء "مصر" للحضارة والإنسانية دائم ومتجدد، وينهض دليلاً على عبقرية أصيلة ووجدان مرهق لشعب وادي النيل، وهي عبقرية لم تنقطع.

وقال "إمري": إن عظمة "مصر" تتجلى في تاريخ حضارتها ومدنيتها التي استمرت خمسة آلاف سنة، عاشتها أمة عظيمة موحدة ثابتة منظمة، كانت دائمـًا تخطو الارتقاء والتقدم.

وقال "سونيرون": الإنسان المصري لم يعرف العقم في حياته، عرف العطاء منذ أن رفع شعلة الحضارة؛ فالمصري صنع الحضارة لا في "مصر" وحدها، بل في العالم أجمع, ويقول إن "مصر" الفرعونية فجرت أول ثورة صناعية، جمعت بين العقيدة والمعرفة، أو بين الدين والعلوم منذ فجر التاريخ، وتشابكت جذورهما دون انفصال، لذا أطلقوا على العلوم اسم "المعرفة المقدسة", ونسبوا كل شيئ إلى الخالق، وكانوا أول مَن آمن بوجوده؛ فارتبطت المعرفة وعلومها بالسماء فنبتت جذورها في المعابد، وأصبحت ضمن مقدساتها.

لم تخضع لمبدأ التجارب والخضوع لسنة النشوء والتطور، بل خرجت إلى النور متكاملة، يعززها البحث العلمي فنسبوها إلى المعبود  "تحوت".

والديانة المصرية القديمة -رغم وثنيتها وعدم خلوها من الأساطير- إلا أنها آمنت بالخلود والقيامة من الأموات, كما اشتركت مع الأساطير بضرورة الثواب والعقاب، وأعتقدت أن البشر يحوون قبسـًا إلهيـًا, ويمكنهم أن يصبحوا آلهة حال مماتهم, فيما عدا الملك الذي يؤله أثناء حياته.

وفي الديانة المصرية نجد ما يدعي قرين الإنسان المنظور، وأطلقوا عليه كلمة "الكا"، أما "البا" فهي القرين غير المنظور للجسد الإنساني، وهي أعظم من مجرد الجسد (الروح), حتى أن الألهة أيضـًا كان لها "الكا"، وهو المنظر الخارجي، وكانوا يعتقدون أن (الكا) لا تترك الجسد حتى بعد موته، والمعادل لـ(الكا) في المسيحية "الملاك الحارس"، وفي الإسلام "عفريت الميت".

كان الشيئ الطيب عند المصريين هو العمل الذي يحبه وتقره الألهة، كما أن الإنسان مسئول عن أعماله, وبسبب اعتقادهم في حياة أخرى, فقد آمنوا بثواب في الآخرة على خير لم ينالوا جزاءه في الأرض.

ولقد افترضوا أن الموتى يبدون اهتمامـًا بالأحياء, بل أنهم بعد موتهم يصيرون أقوياء بما فيه الكفاية لمساعدتهم، واعتبر المصريون أن الشمس والنيل مصدران للحياة, ولكن الأعظم من هذا فان الغروب والشروق عندهم كانا يشيران إلى الحياة التي ستمنح للإنسان بعد الموت, والجفاف ثم الفيضان يشيران إلى بعث الحياة والخضرة, ولهذا برعوا في تحنيط الأجساد, بل ووضعوا أحيانـًا تمثالاً حجريـًا للرأس خوفـًا من تحليل جسد الميت.

لقد كانت الديانة المصرية في عصورها المبكرة يطلق عليها "فيتشه"، وهو اصطلاح يرمز إلى عبادة الرموز المادية, والتي يعتقد أن بها قوة خفية يتم التحدث معها, ويصلي إليها وتقدم القرابين له.

وتميزت الحضارة المصرية بأنها الحضارة الوحيدة المكتوبة على جدران المعابد والمقابر والمسلات، حتى أطلقوا عليها الحضارة الجدارية؛ أي المكتوبة على الجدران.

وعبقرية المصري تجعله يطور لغته الكتابية مع عدم تغيير النطق، لتواكب كل العصور وتساير طبيعة كل عصر، ولتستوعب كل اختراعات ومستجدات العصر؛ فتطورت من الهيروغليفية حتى المصرية الحديثة التي نتكلمها الآن، مرورًا بالديموطيقية والقبطية التي استخدمت الحروف اليونانية لغة الفلسفات الهيلينية العظيمة بدلاً من الصور الجميلة بالهيروغليفية التي تحتاج إلى الوقت لكتابتها.

ويقول "السيد محمد البدري" في هذا الصدد: إنها فقط صورة الكتابة التي تغيرت وليس اللغة ذاتها كما يدعي كثيرون؛ فبساطة وسهولة الحرف اليوناني في الكتابة بدلاً من صور الطيور والحيوانات الجميلة في اللغة الفرعونية، جعلت التدوين أسهل و أكثر كفاءة.

ويستطر سيادته قائلاً: كان من الطبيعي أن يفضل العرب استخدام لغتهم للتفاهم، بدلاً من استخدام المترجمين تجنبـًا للغش وعدم الأمانة في أصحاب البلد!!

فالخليفة "المأمون" -زمن العباسيين- عندما أتي لـ"مصر" لمحاربة أهلها، وضمانـًا لإيراد الخراج، كان معه مستشاره الخاص "علي بن الرضوان"، الذى قيل إنه طبيب وعالم لغويات، فقام بدور المترجم مما يدل على أن اللغة العربية لم تكن لغة محكية عند أهل البلاد حتى ذلك العصر، رغم أن تعريب الدواوين لصالح العرب وتسهيلاً لحصرهم حجم الثروة بدلاً من القبطية، في البداية قام "عبد الملك بن مروان" الأموي تعريب الدواوين؛ أي بمنع اللغة القبطية من كتابة السجلات المصرية.

هنا تتأكد نظرتنا السابقة؛ فكان أول استخدام للغة العربية أيضـًا في صالح النهب وليس الدعوة للإسلام، بعد تعريب الدواوين ازدادت محنة الناس، فقرر مع تولي مَن بعده الحكم أن يجمع خراج عامين مقدمـًا، فاشتد الكرب على المصريين، فطاردهم الجنود و العربان و أجبروهم على الزراعة بالقوة.

لكن أمر اللغة لم يكن فقط لصالح الثروة، بل امتد ليفرض نفسه على مسائل أخرى كثيرة؛ منها الصلاة بالعربية وليس بلغة أخرى، حتى أن الأقباط اضطروا إلى اتخاذ اللغة العربية لقراءة التراتيل، خاصة بعد أن أمر "الحاكم بأمر الله" بمنع استخدام اللغة القبطية في الحياة اليومية، وقيل أنه قطع لسان مَن يتحدث بها، ومع ذلك ظل كثيرون يتعلمون في المدارس القبطية ليدرسوا الطب والرياضة والفلك، الذي هو موروث فرعوني بجدارة، و تخلوا عن لغة العرب الوافدة.

فكلما انتشرت اللغة العربية بمحتواها الثقافي العربي، كلما قلت أعداد تلك المدارس وزادت الأمية وانتشر الجهل وتآكلت العلوم في المجتمع المصري، الأمر الذي وصل إلى حد أنه لم يبق بـ"مصر" مَن يعرف القراءة والكتابة للغة العربية ذاتها، ليس سوى ما يقرب من الخمسين شخصـًا؛ حسب ما جاء في رسالة القنصل الروسي في "مصر" للقيصر عندما تولى "محمد علي" السلطة في "مصر".

فالغازي.. أو ما يسمى بالفاتح، كان يريد أن يحاط علمـًا بكل ما يجري على الأرض وفي البلاد، ضمانـًا لأمور كثيرة أولها عدم إفلات الثروة منه، وضمان تسمع ما يقال عنه كحاكم، ومعرفة ما يجري من مؤامرات ضده كأجنبي على أرض الوطن.

سبب آخر جعل بعض من أهل البلاد يتبنون اللغة العربية كلغة تخاطب، كونهم وعبر آلاف السنين كانوا هم الموظفون في إدارات الدولة منذ عهد الفراعنة، والقائمين على شئون الإدارة فيها، وللاحتفاظ بوظائفهم اضطروا للتحدث بلغة الغزاة ضمانـًا لاستمرار أرجلهم على أرض وطنهم بدلاً من اقتلاعها، وهو ما يثبت أن اللغة عند المصريين ليست بذات القيمة بقدر الثبات على الأرض والتمسك بالوطن، حتى ولو كان محتلاً من الأجانب، فاللغة عند المصري أداة وليست هدفـًا، وسيلة وليست قدسـًا من أقداسه.

فليس غريبـًا إذن أن تنهار اللغة العربية حاليـًا لصالح لغات أخرى، بل يتخوف البعض من انقراضها لعدم إمكانها من دخول العصر الحديث بكل معارفه وأدواته، ولا يهب أحد لإنقاذها، وقديما كان التحول اللغوي مرده إلى سياسة الأجنبي المحتل، أما الآن فالعولمة والتحولات المعرفية باتت خطرًا، ليس فقط على الثقافات ذات اللغات الميتة، إما على كل حامل للغة لم تعد تفي بحاجة العصر من خيرات مدنية وأمن اجتماعي وإمكانية الدخول إلى العصر الحديث, والكلام هنا للسيد "محمد البدري".

هكذا كانت "مصر" يا سادة مهد الحضارات ومهبط الأديان والعقائد، ومصدر العلوم، وأيضـًا حاضنة للحضارات الإغريقية والرومانية والبيزنطية، وحاوية للحضارة القبطيــة المسيحية, واحتوت أخيرًا  الحضارة الإسلامية، لقد اتسم شعب "مصــر" على طول التاريخ بالحب والتسامح والود والكرم الذي تميز بـه هذا الشعب، وهكـذا دائمـًا  كان وسيكون شعب "مصر" مصري قبل الأديان، ومصري في ظل الإيمان، ومصري إلى آخر الزمان.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :