الوصف والتشخيص
بقلم: حمدي الحناوي
هل نريد تشخيص الحالة المصرية، أم نريد أن نتوقف عند وصفها؟ بالوصف نرسم صورة لما نراه، وقد لا نرى كل الحقائق. أما بالتشخيص فنتقدم خطوة أبعد لأنه محاولة للفهم وتمهيد للعلاج، ودافع إلى التفكير فيما نراه، والتحقق من الأسباب والعوامل التى تصنعه. وهنا قد نكتشف فجوات فيما أدركنا اعتمادا على مجرد الرؤية.
اعتدنا مثلاً أن نقول هنا اضطهاد، وصفًا لحالة نشعر فيها بالظلم وعدم تكافؤ الفرص، لكن هذا الشعور لا يكفى لتشخيص الحالة تمهيدًا لعلاجها. وعندما نحاول أن نفهم كيف يحدث الاضطهاد، سوف نكتشف جوانب أخرى لم نكن نراها بوضوح. الاضطهاد تمارسه الدولة أو تتواطأ لتمريره، لكن الدولة هنا تبدو بريئة، تضع حراسة فى المواقع المهددة، قد لا تستطيع أن تتصدى لهجوم مخطط ومباغت، غير أنها شهادة بأن الدولة ليست طرفًا فى العدوان.
من الصعب إثبات التواطؤ، لكن الدولة هنا مدانة، لا باضطهاد الأقباط بل باضطهاد كل المصريين، فقد فرضت قانون الطوارئ لتحارب الإرهاب، ومع ذلك ظلت عاجزة عن إيقافه، وظللنا نعيش حالة الطوارئ. هذا جانب نراه الآن بوضوح، لكنه لا يكفى لاستكمال التشخيص، ولكى يكتمل يتعين توسيع دائرة البحث.
بالتدقيق، يمكن التحقق من أن الاضطهاد ينبع من داخل المجتمع، مع التحفظ بأنه يصيب المسلمين والأقباط على السواء. نحن المسلمين متهمون بأننا خرجنا عن الإسلام، وأقل ما يديننا أننا سمحنا يومًا لنسائنا بخلع الحجاب، وكأننا سمحنا بممارسة الفاحشة. والاتهام هنا ليس للمرأة فقط بل للرجل أيضًا، وعليه أن يثبت براءته بقهر المرأة وتأديبها بالضرب وبغيره، باعتبارها مصدر الفتنة.
صحبت ذلك سيول من الفتاوى تتناول كل أمور حياتنا، ويزعم أصحابها أنها أوامر الله. هذه محاولات لإعداد المجتمع لتقبل دولة دينية، ثمة من يدعو لإقامتها ويؤسس مقوماتها. وهذا لا يمثل تهديدًا لحرية الأقباط وحدهم، بل يهدد حرية المسلمين أيضًا. والتيارات الإسلامية المستنيرة تقاوم هذه الدعوة، وشهداء تلك المقاومة معروفون. لا ننسى الشيخ "الذهبى" و"فرج فودة"، ولا ننسى المحاولة الفاشلة لاغتيال "نجيب محفوظ"، ولا الاغتيال المعنوى لـ"نصر أبو زيد".
المقاومة تدرك أن الدولة الدينية تعيدنا إلى الوراء آلاف السنين، إلى زمن لم يكن العلم فيه قد تبلور، ولا القومية. ولم يكن فيه بالتالى علم ولا قانون، وكان الحكم الأجنبى يمكن تبريره باسم الدين. وهذا يضع أيدينا على جوهر القضية، وهو أنها ليست تحرير الأقباط وحدهم بل تحرير المسلمين أيضًا، وخاصة من تجمدت عقولهم وتشوه تفكيرهم وصاروا بالتدليس جاهزين للتحول إلى أدوات للقتل، يتصورنه جهادًا فى سبيل الله.
هذه القضية لا تُحل بالمناقشة، ولا بالمقالات المكتوبة. المقالات قد تقنع بعض القراء، لكن عشرات الملايين لا يقرأون. وقد لا يكون القانون كافيًا، فهو يطبَّق على فاعل محدد، وحين يكون هناك من يحرِّض الرعاع على القتل، فيجب أن نقدم للعدالة ذلك المحرّض بشخصه. وإذا عجزنا عن تقديمه، فسيعجز القاضى بدوره عن تحديد المتهم ومعاقبته.
نعرف جميعًا أن الحض على الكراهية والتحريض على القتل يختلطان بدعاوى سياسية تلبس ثياب الدين، وحين تنفجر الكراهية يكون ذلك وسط حشد كبير يخفى شخص الفاعل ويوزع دم القتلى بين كل أفراد ذلك الحشد. عند هذه النقطة أعود إلى مطالبة الأفراد قبل أن أطالب الدولة. يجب أن نحمل المسئولية على عاتقنا، ولا ندفع الدولة للتحول إلى سلطة نازية تقبض على ألف برئ كى لا يفلت واحد من الفاعلين الحقيقيين. ماذا يجب علينا إذن وبالتحديد؟ سؤال صعب لكنه هو السؤال.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :