أبعاد آخرى فى قضية العلاج على نفقة الدولة
بقلم: رامى حافظ
تتابع وسائل الاعلام بأهتمام بالغ قضية العلاج على نفقة الدولة والتى أتهم فيها نواب من البرلمان بمجلسيه - 12 نائب من مجلس الشعب و2 من مجلس الشورى - فى خطوة غير معتادة على البرلمان بل وتعد سابقة ، فالأتهام الموجه للنواب هو أستغلال باب العلاج على نفقة الدولة لتحقيق مكاسب شخصية للأشخاصهم قدرت فى بعض الحالات بالملايين .
وتعد هذه القضية سابقة برلمانية فى منتهى الخطورة لعدة حثيات هى :
• من حيث الشكل : تعد الوظيفة الثانية للبرلمان التى ذكرت فى المادة 86 من الدستور " ........... الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية " وبالتالى تخضع الوزارات للمسائلة البرلمانية ، وهو ما يعنى أن عضو السلطة التشريعية هو الذى يحاسب ويتهم عضو السلطة التنفيذية والأخير عليه أن يقدم الأدلة والبراهين على صحة موقفه او وجهة نظره لكن ما حدث فى هذه القضية هو العكس تماماً فالذى وجه الأتهام هو وزير الصحة ( السلطة التنفيذية ) لنواب البرلمان ( السلطة التشريعية ) .
• من حيث المضمون : سعى وزير الصحة دكتور حاتم الجبلى منذ مجيئه للوزارة لتمرير قانون جديد للتأمين الصحى ولكنه قوبل بحالة من الرفض غير مسبوقة حيث تتضامن أكثر من 70 كيان أجتماعى وسياسى وحقوقى ضد أقرار القانون ، فكان رد الفعل قاسياً على الجميع فبدأ بعدم التجديد لأحد قيادات هيئة التأمين الصحى الذى ناطحه الحجة بالحجة وأخرجه من الهيئة ، وأصدر قرارات بحيل مختلفة فقد أصدر آحدها فى أجازة عيد الأم ونجح المجتمع المدنى فى التصدى له بأحكام قضائية وأنتهى به الحال إلى تطبيق قانون التأمين الصحى الجديد على آحدى محافظات القناة – يصرح الوزير الآن بأن التجربة نجحت ويسعى لتوسيعها – وأنتهى به الحال بزيادة رسوم التأمين الصحى للمتنفعين ، فكانت أخر هذه المواجهات هو باب العلاج على نفقة الدولة فهو هنا حقاً يضرب عصفورين بحجر واحد الأول غلق الثغرة التى من الممكن أن يتحايل بها الفقراء على قانون التأمين الصحى الجديد فى حال تطبيقه كما يبشرنا ، أما العصفور الثانى هو التضييق على نواب البرلمان وخاصة الذين وقفوا ضده حيث بذلك أستغل قوة النظام لتعجيز نواب المعارضة فى خدمة أبناء دوائرهم الأنتخابية وكعقاب لهم على مواجهته .
• من حيث عموميتها : بدأت القضية بتصريح أطلقه الوزير فى البرلمان باتهامه لنواب عامة أستغلوا باب العلاج على نفقة الدولة لتحقيق مكاسب شخصية دون أن يقدم دليل واحد وهو الخطأ الذى وقع فيه البرلمان حيث لم يحاسب نوابه الوزير على تصريحاته التى أطلاقها دون دليل ولو على الأقل سياسياً داخل البرلمان ، وأنساق الأعضاء فى الفخ الذى نصبه لهم الوزير وذلك بمحاولات نفيهم أرتكاب الجريمة ، وبعدما شوه الاعلام صورتهم انتبهوا للمطالبة بأسماء النواب المتورطين فى ذلك ، ولعبت الأغلبية فى البرلمان دور خطير فى عدم الكشف عن أى ملابسات فى القضية أثناء أنعقاد المجلس ولكن ظلت القضية مفتوحة وتثار فى غيابه ، بالرغم من تورط بعض رموز البرلمان فى القضيى فى آحدى مراحلها ومنهم رئيس مجلس الشعب الدكتور سرور وكذلك رئيس لجنة الخطة والموازنة – رجل الاعمال – السيد احمد عز فقد تم غلق هذه الملفات ، وهنا يجدر بنا ملاحظة ألحاح رئيس المجلس على متابعة الاجراءات القانونية فى تلك القضية بالرغم من وجود ملفات مسكوت عنها على سبيل المثال الطعون الانتخابية وقضايا الرشوة التى فتحت فى محاكم دول أجنبية .
• من حيث خصوصيتها : بمجرد الإشارة فى بعض الصحف وخاصة المستقلة التى لعبت دور مهم فى هذه القضية لبعض النواب والتى بدأت بأكثر من 30 نائب وظل العدد يقل ويزيد حسب المعلومات التى تسرب للصحف وأنتهى بالعدد 14 نائب ، أنشغل كل نائب بتبرئة نفسه بغض النظر عن الصورة العامة للسطلة التشريعية التى أنهارت الثقة فيها لدى المواطنين الذين لجؤ لرصيف البرلمان لحمايتهم وللحصول على حقوقهم ، وذهب بعض النواب لأستعراض مرة بالتصريحات وآخرى بالحركات الاعلامية لنفى التهم الموجهة لهم ، ويعلم المراقبين للبرلمان وخاصة الصحفيين أن بعض نواب المجلس قد قاموا بتسوية ملفاتهم حتى لا تفتح أمام النائب العام .
وبتحليل هذه الحيثيات الأربع نجد أن القضية لها أبعاد آخرى غير عملية المحاسبة ومكافحة الفساد وتعزيز الشفافية داخل المؤسسات واعتقد ان اهم تلك الأبعاد هى :
1) البعد الإعلامى :
أستخدم الاعلام وخاصة الصحف المستقلة بشكل يؤكد وبكل قوة أن هناك من يتعمد ترسيخ صورة مشوهة للبرلمان كسلطة وكأعضاء حيث أفردت آحدى الصحف قرار النائب العام باتهام النواب فى مانشيت بعرض الصفحة الاولى كاملة ، وهو ما يؤكد ان النظام متورط وذلك بتسريبه بعض المعلومات فى هذه القضية بشكل واضح وأستخدم الإعلام فى ذلك وقد مارست وسائل الإعلام وخاصة الصحف المستقلة دورها منقوصاً بطرح المعلومة فقط متغافلة قرائن آخرى غاية فى الأهمية أهمها :
- ان الوزير لم يقدم دليل واحد فى تصريحه الأول على اتهام أحد نواب البرلمان .
- وجود قرائن آخرى تسير على نفس المستوى تتعلق ببعض النواب الذين تحركوا لغلق ملفاتهم فى هذه القضية وكانت لهذه التحركات دلائل ومعلومات متوفرة .
- الدور الذى لعبه أحد النواب ضد زملائه فى البرلمان فى التشهير بهم .
- تغافل غريب لدور الموظفين فى وزراة الصحة والمؤسسات الصحية الآخرى فى هذه القضية .
2) البعد السياسى :
نجح النظام فى أستخدام القضية فى عملية الحرق السياسى والتظاهر بأنه يقف للتجاوزات مستغلاً التوقيت قبل الأنتخابات فى أبراز التصريحات والتحركات الفعالة لوقف عمليات مخالفة القانون متناسياً أن نواب القروض والنقوط وسميحة والتجنيد وآخيراً المتورطين فى جرائم مخجلة هم نواب من الحزب الوطنى ، ويلعب النظام على ذاكرة البسطاء وكل نائب فى دائرته مستغلاً نسبة الأمية وأشغال النخبة فى عدة مسائل فرعية لها علاقة بالقضية أبرزها :
- أشغال رموز المعارضة فى تسوية الملف العلاج على نفقة الدولة بعيداً عن أستغلال فرصة الأنتخابات لنزول إلى الشارع حيث أن المتهمين من المعارضة 8 نواب – 6 أخوان و2 من الوفد – أبرز الكتل السياسية فى الأنتخابات القادمة .
- تكسير عملية الثقة التى بنيت فى عمر البرلمان الحالى والتى أستطاع الحصول عليها لأستراداد الحقوق والمطالبة بها بحيث يترسخ الرأى القائل أن النواب هم رجال النظام معارضة وحكومة .
- تشويه هذا البرلمان وبشكل متعمد وخاصة أنه تم تشكيله فى ظل أنزه أنتخابات حدثت فى تاريخ الرئيس الحالى وبعد ضغط دولى قوى – أمريكى – لمرورها بنزاهة وهو ما انتج عنه كتلة نيابية معارضة لا يستهان بها .
3) البعد الشعبى :
أنه البعد الأهم فى هذه القضية فكما رأينا من مواطنين واعضاء نقابات ومؤسسات حكومية وغير حكومية قد أستعادت الثقة فى البرلمان وأعضائه ، وتغيرت الصورة النمطية للبرلمانى التى توقفت عند تقديم الخدمات أو التوصيات على بعض الأمور الشخصية إلى المطالبة بأمور حيوية أهمها محاسبة المؤسسات والجهات التى تقصر فى أداء عملها ، وهو أمر فى غاية الأهمية أن يعى المواطن أن الشق الثانى من وظيفة البرلمان هو محاسبة الحكومة على أدائها وكذلك المؤسسات العامة ، فكان لابد من تحطيم هذه الصورة وذلك بأظهار البرلمان ككل بأنه متهم ، والعجيب أن الذى يتبنى المحاسبة هم رموز الحزب الحاكم تحت نظرة سياسية أقل ما يقال عنها أنها ساذجة أنهم يسعون لتحسين صورة الحزب أمام الراى العام وقبيل الأنتخابات ، وتناسوا أو تغافلوا انهم متورطين فى القضية وأن سبب تدهور الخدمات وخاصة الأساسية هو الحزب الحاكم الذى يقود البلاد ، وهو ما يعنى أن المتهمين أمام المواطن البسيط هم نواب المعارضة والذى يوجه الاتهام ويدافع عن مصالح المواطن هم رموز الحزب الحاكم المسئولين سياسياً وقانونياً عن حال هذا الوطن .
4) البعد القانونى :
أعتقد أن القضية ستنتهى بالبراءة لجميع النواب بدون استثناء ويرجع ذلك لأن القضية أنهت الدور الذى من المفترض أن تلعبه حيث شوهت الصورة للنواب والبرلمان وأفقدت المواطن الثقة فى السلطة التشريعية ، وبالتالى فلا داعى فى الأستمرار فى قضية لا طائل أو فائدة منها ولكن القضية تضغط على نقطة فى غاية الأهمية هى تصدر النائب العام المشهد تحت مظلة توجيه الأتهام للنواب حتى ولو كان هذا السبب هو الحفاظ على المال العام أو المصلحة العامة ومواجهة الفساد .
فالخطورة ترجع ألى أن القضية تكون لها أبعاد سياسية بمعنى أدق مكيدة سياسية ضد نواب البرلمان وتصفية حسابات وبالتالى مثل هذه القضية لابد أن توضع فى حجمها الطبيعى وتكون أجراءاتها أمام الجميع وخاصة الراى العام وبكل شفافية أو غلق الملف تماماً لحين الفصل فيه ، وبالتالى فالقضية تستلزم تدخل النائب العام فى تقنين قواعد جديدة للتعامل مع مثل هذه القضايا لما تمثله من خطورة وذلك لسببين :
- التأثير على ثقة المواطنين فى المؤسسات .
- عدم التقين تماماً من ان القضية خالية من التأثير السياسى على مجرياتها ، وهو أمر متوقع فى السياسة أن تمارس مثل هذه الممارسات وخاصة قبيل الأنتخابات .
خاتمة ...
أعتقد أن النائب العام عليه الدور الأكبر فى أستعادة زمام الأمور وذلك فى عودة الثقة للمواطن للمؤسسات القومية وخاصة السلطة التشريعية ، كذلك حماية النظام الدستورى القائم على الفصل بين السلطات وذلك بحماية السلطة التشريعية من سيطرة السلطة التنفيذية ، بالأضافة لحماية التعددية الحزبية من الأنهيار والتشكيك فى التجربة الديمقراطية وتدمير عملية الثقة فيها وخاصة أن جميع المهتمين بالشأن العام يؤكدون على حقيقة واحد رغم أختلافهم أن هناك تحول ديمقراطى يجرى على أرض مصر حتى لو كان هذا التحول توقف عند مرحلة رفع سقف النقد للجميع .
أتوقع براءة الجميع .
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :