فن الحياة السعيدة
بقلم القمص: أفرايم الأورشليمي
لأننا لن نعيش سوى حياة واحدة، علينا أن نعمل جاهدين أن نكون سعداء ونسعد مَن حولنا فيها، وسعادتنا في هذه الحياة وإن تأثرت بالظروف المحيطة بالتأكيد، لكنها تعتمد على توجهنا العقلي وأفكارنا التي تقود مشاعرنا وتصرفاتنا، وهذا يشكل سلوكنا وعاداتنا، وأخيرًا من مجموع هذه تكون حياتنا.
إن ما نناله من سعادة في الحياة يتوقف على مدى ما نوطن عليه أنفسنا؛ أن نكون سعداء، إن الظروف مهما قست علينا وحتى إن عاش أحد في سجن الحياة مكبلاً بقيود كثيرة، فلن تسلبه حريته في اتخاذ موقف ذهني إيجابي تجاه الحياة.
هناك سجينان حـُكم عليهما بعشرة سنوات في السجن؛ أحدهما كان ينظر للسماء، وفي ظلمة الليل ينظر ويعاين الله وملكوته داخل قلبه، ويصلي فيزداد قوة ورجاءًا، والآخر ينظر للظلمة والظلم ويحزن ويكتئب، وفي آخر المدة خرجا وأحدهما تبدو عليه سمات الشباب والقوة والأمل، والآخر خرج إلى القبر بلا رجاء أو خلاص .
إن الإنسان كائن مَن كان، رجلاً أو إمرأة، كبيرًا أم صغيرًا، هو تاج الخليقة وسيدها، خلقه الله ليكون مبدعـًا وخلاقـًا ومثمرًا، وأراد له الحياة السعيدة الفاضلة، والسعيدة على الأرض وفي الأبدية، ولهذا قال لنا الرب "يسوع المسيح": "لأن ها ملكوت الله داخلكم" (لو17: 21)، وما هو الملكوت الذي يريده الله لنا؟ إنه حياة المحبة والفرح والسلام، "لأن ليس ملكوت الله أكلاً و شربـًا، بل هو بر وسلام وفرح في الروح القدس" (رو14: 17).
إن الله يحبنا ويهب لنا كل شيئ بغنى للتمتع، ومن فرط محبته خلقنا ويرعانا ويقودنا في موكب نصرته، ويفتقدنا بروحه القدوس، وهو يريدنا أن نبادله هذه المحبة، وعندما سأل أحدهم "السيد المسيح" له المجد عن أعظم الوصايا أجابه: "تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل كل قدرتك، ومن كل فكرك، وقريبك مثل نفسك" (لو27:10)، (مت 30:12).
إننا عندما ندخل في دائرة المحبة الإلهية، ندخل في دائرة الحياة السعيدة والأبدية من الآن، وعلينا أن نجاهد للنمو في العشرة لله، وإذ ترى نعمة الله أمانتنا فإنها تغمرنا بثمار "الروح القدوس"، وتهبنا الحكمة والقدرة لنحب الله والآخرين وأنفسنا محبة حقيقية، تنتفي معها أمراض النفس والروح، ونحيا نشيد الفرح عبر دروب الحياة مسبحين مَن أحبنا الإيمان.
حياة السلام والسعادة
إن سر سعادة الإنسان هو ثقته بالله الراعي الصالح والمخلص الأمين، الذي يريد لنا حياة أفضل، بل ملء الحياة، وجعل فينا الروح التي تشتاق إليه وتسعد به، وكلمنا فنمونا في الثقة والإيمان بالله؛ "نعلم أن كل الأشياء تعمل معـًا للخير للذين يحبون الله، الذين هم مدعوون حسب قصده" (رو8: 28)، ولأن إلهنا يعمل الصالح لنا فنثق فيه ونحيا في سلام وانسجام مع أنفسنا، وعرفنا وعملنا إرادة الله الكامله الصالحة المرضية.
إن الإيمان بالله ومحبته ورعايته وقيادته لنفوسنا والأحداث والعالم، وسط ظروف الحياة المختلفة، ووسط أمواجها المتلاطمة، تمنحنا الثقة في الإبحار بنجاح والبلوغ إلى ميناء الأبدية، حتى وسط المحن، لأن لنا أب وربان وقائد يرعانا ويرحمنا، وهو قادر أن يقود سفينة حياتنا في موكب نصرته، لنصبح منتصرين ويعظم انتصارنا بمَن أحبنا.
سر السعادة
أن نثق في الله الآب الضابط الكل، وأن نشبع بـ"المسيح" المحرر والقائد والمخلص، ونمتلئ بالروح المعزي ينبوع الفرح والسلام، ذاك يفجر فينا ينابيع الماء الحي المشبع، لكي لا نرتوي نحن فقط، بل نشبع ونروي كل مَن يتلامس معنا، ونعزي كل مَن هم في ضيقة وتجربة بالتعزية التي لنا من الله.
هذا ما فعله الرب مع السامرية، التي كانت تبحث عن السعادة والشبع من آبار العالم وشهواته، ولكنها عندما تقابلت بالحقيقة مع مخلص العالم، تركت هذه الشهوات وخبـَّرت الآخرين بالشبع والارتواء الحقيقي في الرب المشبع، وهذا ما وعدنا به السيد الرب: "مَن آمن بي كما قال الكتاب، تجري من بطنه أنهار ماء حي" (يو7: 38).
إن "الروح القدس" بثماره ومواهبه يعطي الإنسان سعادة وسط الضيق، وتعزية وسط الأحزان، وقناعة مع الفقر، وحرارة في الصلاة، وقوة في الضعف، ورجاءًا لا ينقطع، وفرحـًا أبديـًا لا ينطق به ومجيد.
نتضرع إذن من أجل أنفسنا والآخرين، أن يملأ "الروح القدس" حياتنا بثماره ونعمته، ذلك الروح الناري الذي قبله آباؤنا القديسون؛ فاستناروا وأناروا المسكونة بتعاليمهم وسيرتهم.
الحياة رسالة
نحن إذن نحيا على الأرض ولنا هدف ورسالة سامية، نحن سفراء للسماء على الأرض، وأُعطينا وزنات نتاجر بها ونربح الملكوت، ولنا مهمة وعلينا ان نجول نصنع خيرًا، فحياتنا أمانه وعلينا أن نكون أمناء في القليل، علينا أن نتعلم من كلمة الله المتجسد الرب "يسوع المسيح"، الذي عاش وديعـًا متواضعـًا، وطلب منا أن نتعلم منه الوداعة وتواضع القلب، قدم توبة على أخطاء يومك قبل نومك، وادعِ الآخرين لحياة التوبة بالقدوة الحسنة والكلمة الطيبة، وبالمحبة العديمة الرياء، واصبر على نفسك والآخرين ملتمسـًا لهم الأعذار، عش في حدود يومك في مخافة الله، ولا تندم على ما فات ومضى، ولا تهتم بالغد وتضطرب من أجله، بل ضعه في يد الله وهو يقودك، لا تفكر في السعادة البعيدة المنال والأهداف التي في حكم المستحيل، بل وطد عزمك على السعادة بما هو متاح لديك.
امنح الآخرين سعادة بالكلمة الطيبة والابتسامة الصادقة والعمل الصالح، وستنال من هذه السعادة نصيبك الأكبر؛ فالسعادة كالقبلة لا تشعر بها إن لم تتبادلها مع سواك، نـَمِ قدراتك الذهنية واكتسب معرفة جديدة، ونـَمِ روحياتك وعِشرتك بالله والتصق بوسائط النعمة والتمتع بالحديث مع الله، اهتم بصحتك الجسدية لكي يحمل الجسد روحك الوثابة، وفي كل شيئ تعلم أن تشكر الله، لا تنم وفي قلبك كراهية أو حقد على أي أحد، بل اطلب من الله الغفران لذاتك، ومن أجل أن تنال هذا الغفران، اغفر أنت لمَن أخطأ إليك، وصلِ من أجله، وهذا يملأ قلبك بالسلام وراحة البال، اقنع واسعد في حياتك بما لا يمكنك تغييره في حياتك، واعمل بصبر وآناة على تغيير ما يمكنك إصلاحه وتغييره، واكتسب عادات جديدة تدخل السعادة إلى قلبك، ولا تحمل نفسك فوق طاقتها، بل اقبل نفسك والآخرين كما هم، وليس كما تريد لذلك؛"اقبلوا بعضكم بعضـًا كما أن المسيح أيضـًا قبلنا لمجد الله". (رو7: 15).
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :