قرية مصرية تتحدى البطالة بالذهب الأسود
الاطارات المستعملة التي تسمى مخلفات أطلق أهل قرية مصرية عليها أسم "الذهب الأسود" واعتبرها المسؤولون في القاهرة مشكلة، تقام المؤتمرات، لبحث طرق التخلص منها.
: بمحطة صغيرة، على أحد الطرق الزراعية بمصر، تعلن عن وجودها قرية كفر ميت الحارون، التابعة لمحافظة الغربية،والتي تبعد نحو70 كيلو متر شمال العاصمة المصرية القاهرة، في هذه القرية تختلف معاني الكلمات وتكتسب معاني جديدة،تحمل دلالات مختلفة بمقدار 180 درجة عنها خارج تلك القرية، فالإطارات المستعملة التي تسمى مخلفات أطلق أهل هذه القرية عليها أسم "الذهب الأسود"، أعتبرها المسؤولون في القاهرة مشكلة، تقام المؤتمرات، لبحث طرق التخلص منها. وقد سافر أبناء القرية إلى كل مكان، للبحث عنها وشرائها من أجل جمعها وإرسالها إلى قريتهم لإعادة تصنيعها من جديد.
وتعتبر كفر ميت الحارون بلدة لها قصة، كان لابد من معرفة نقطة البداية من عرّاب القرية الحاج عزيز موسي شيخ الحرفيين في القرية، يقول: توارثنا المهنة عن أجدادنا الذين كانوا يعملون بصناعة النعال بشارع محمد علي بالقاهرة حتى أوائل الستينيات من القرن الماضي.. حيث سافر بعض أبناء القرية إلى هذا الشارع في قلب القاهرة ليبدءوا أول عملية إعادة تدوير للكاوتش المستعمل، لكنه اقتصر نطاقه وقتها على أعمال بسيطة كاستخدام قطع من الإطارات المستعملة لإصلاح الأحذية وتركيب نعال لها.
ثم عاد بعض أهل ميت الحارون بعد سنوات من الغربة إلى قريتهم، حيث طوروا الاستفادة من الإطارات المستعملة ليستخرجوا منها شرائح مطاطية ويصنعوا "المقاطف" أو "القفف" التي تستخدم في العمليات الزراعية، وأقيمت العديد من الورش التي تقوم بهذا العمل.
ويصف موسي حال العمل بهذه المهنة في البداية فيقول: انها كانت قاصرة على فئة محددة وذلك لانها كانت تحتاج مجهود عضلي شاق ولهذا كان يسمي العاملين بها قديما الاشقياء، ويضيف أن هذا الوضع لم يستمر طويلا حيث ادخل ابناء القرية عليها تطوير بابتكار آلة يدوية تدار بتروس تسمي الونش لاستخراج شرائح الكاوتش من الإطارات المستعملة.
أغلب أهل القرية أصبح يعمل بهذه المهنة، بجانب الرزاعة، وهو ما يوضحه محمد عبدالمنعم، صاحب ورشة، قائلا : العمل بهذه المهنة لا يحتاج أستثمار كبير، مجرد ورشة صغيرة، يمكن أن يوفرها أي شخص على قطعة من أرضه،وبعض الأدوات الصغيرة،ويضيف عبدالمنعم،يتم إحضار الإطارات القديم بطرق متعددة، إما بجمعها بواسطة عمال من القرية، يجمعهوا من القري والمراكز المجاورة أو من ورش تصليح الإطارات مباشرة وتشمل كل أنواعه، الصغير والكبير منها، والخاصة بالجرارات واللوادر، كما يتم جمعها من الشركات بعد دخول المزدات التي تقيمها للتخلص من هذه الإطارات خاصة شركات النقل.
يتعدد انتاج القرية من الإطارات المستعملة، ليشمل قائمة طويلة من المنتجات المفيدة بداية بالمقاطف التي كانت تنتج منذ البداية ليشمل بعد ذلك منتجات مختلفة مثل "الطاقية السلك"، والتي تستخدم "لتجبير" الإطارات، لسد أي ثقوب في الإطارات حتى يتم استخدامها مرة أخرى، والتي إبتكرها عبده عبدالرحمن صاحب أحد الورش بالقرية،ويري عبدالرحمن أن المجال مفتوح لصناعة الكثير والكثير من الإطارات مثل صنع سيور عريضة من الإطارات القديمة للطائرات، والتي تستخدم لقوتها ومتانتها في حمل الحقائب بالمطارات، كما يستخرج من هذه الإطارات ايضا سيور للجرارات التي تستخدم لحرث الارض ويضيف عبدالرحمن أن اخر ماتم انتاجه كان عمل ماسورة كاوتش لماكينات ري الاراضي، إلى جانب التيل المستخدم في صناعة الأنتريهات وأسلاك الصلب المستخدمة في الخرسانة. وهناك ما يسمي بـ بودرة الكاوتش الناتجة عن عمليات الفرم، والذي يتم تصديره إلى تركيا وبلجيكا لإعادة تصنيعه.
قرية كفر ميت الحارون جعلت واقعها مختلف تماما عن الواقع الذي تعيشه مصر حيث لا يوجد بالقرية أي نسبة بطالة كما يؤكد أهلها، وجعل أهالي البلاد المجاورة لها، يطلقوا عليها،أسم احد دول الخليج الغنية، نتيجة ثروتها من البترول الذي يطلق عليه الذهب الأسود، ولكنه يختلف عن ذهب ميت الحارون الأسود الذي صنعه أبناء القرية بايديهم وعقولهم.
الدكتور أشرف المغربي أستاذ علوم البيئة بجامعة القاهرة يشيد بتجربة قرية ميت الحارون قائلا: الفائدة كانت مزدوجة في هذه التجربة حيث استفاد أهالي القرية مادياً من هذه التجربة وكذلك استفادت الدولة كلها من تدوير هذه الإطارات،ويؤكد المغربي على أن استفادة الدولة اكبر حيث تمثل الإطارات المستخدمة والتالفة أكبر خطر على الإنسان،و هو مايفسره بأن الإطارات مكونة من نحو20 مادة كيميائية، منها المطاط الطبيعي والصناعي والكربون وأصباغ البولي استر والنايلون والكبريت والأسلاك وغيرها وهنا تكمن المشكلة في وجود الكبريت الذي يعطي التماسك للسائل قبل الصب، ويصعب معه أعادة تفكيك أو تحلل الإطارات،وبالتالي لا تتحلل إلا بعد مئات السنين.
فإذا ما تعرضت لمادة صمغية تفرزها معادن سامة تلوث المياه الجوفية، كما أن حرقها يطلق مواد ملوثة للهواء ضارة بالإنسان والحيوان والنبات، فضلا عن أن الاحتفاظ بها يساعد على تكوين تجمعات من الحشرات والكائنات الضارة وهي مشكلة تتزايد مع تزايد حجم الإطارات المستعملة والتي بلغت نحو7 ـ9 ملايين اطار تمثل مشكلة للدولة في التخلص منها.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :