- الإدمان مرض العصر لكثرة الضغوط النفسية وانهيار القيم الدينية والأخلاقية
- "فاضل سليمان": فرض الله الجهاد لندافع به عن الكنائس والمعابد التي يُذكر فيها اسم الله
- الوحدة الوطنية نعم أم لا؟.. كتاب لإيقاظ العقل وتنشيط الضمير
- آه يا بلدي وألف آه
- وقفة احتجاجية بالشموع والشارات السوداء. وأديب: الغضب القبطي يتفاقم
ما يولعوا
بقلم: ميرفت عياد
كنت اجلس في هدوء أطالع أحد المواضيع على الأنترنت ..وفجأة دوى بالخارج صوت منكر شديد الارتفاع لأحد الأفراح التي تقام في الشارع .. ذكرني ذلك الصوت بصوت الحمار الذي يجر عربة الفول التي تمر بشارعنا يوميًا في السادسة صباحًا والذي يعقبه صياح بائع الفول ( فول ... قشطه يا بليلة ) .. و هو لا يعبأ بإيقاظ الناس في تلك الساعة المبكرة على صياحه .. و نهيق الحمار.. ولكن العتاب ليس على الحمار .
و لكن في الحقيقة ذلك الصوت كان أشد إنكارًا من صوت الحمار .. فقد كانت تصحبه حشرجة آلات موسيقية تخرج من سماعة ضخمة تحتضر.. كأنها رجل عجوز يعيش على أنفاس التعميرة .. على حد تعبير استأذنا العظيم توفيق الحكيم .. الذي ذكره في قصته " العوالم" .
ووجدتني أترحم على ذلك الزمن الذي دارت فيه أحداث قصة العوالم ..ذلك الزمن الذي لم أعاصره .. ولكنني قرأت عنه الكثير ..ذلك الزمن الذي كانت تصور فيه القاهرة بباريس الشرق .. وكانت تعج بالناس والفنون و العلوم من جميع الجنسيات .. و يصور سكانها كأنهم سكان اليوتوبيا "المدينة الفاضلة " من حيث السماحة ..و كرم الأخلاق .. فالجميع يلتزم بقواعد الأخلاق و الذوق ..و الجيرة.. الجميع يعيش في تناغم و امتزاج .. المصري و اليوناني و الايطالي و الأرمني و الفرنسي.. لم تكن هناك أعراق و ديانات.. كان الجميع مصريون حتى أولئك الأجانب الذين يعيشون في مصر.. و يخرجون مع المصريون في المظاهرات التي تندد بالاحتلال.. صائحين " عاشت مصر حرة مستقل" .. و عندما كانوا يسألون عن ذلك كانوا يقولون بفخر نحن أيضًا مصريين .
و هنا يحضرني سؤال حزين ماذا أعطت مصر لهؤلاء الذين ينكرون جنسياتهم الأصلية و ينتسبون لمصر ؟ وماذا أخذت من أولئك الذين يلقون بأنفسهم في البحر هربًا منها في هجرة عشوائية إلى المجهول .
هنا اسمع احد القراء يصيح بى قائلا " " أنتي ها تقلبيها لنا غم ليه.. ما كنا بنتكلم عن الزمن الجميل.. فعلاً كان ذلك الزمن جميلاً.. لم يكن هناك تمييز بين مصري وأجبني حتى كلمة يا خواجة كانت تلفظ على سبيل الود و المداعبة لا على سبيل الفصل و التمييز .. فقد كانت هناك ثقافة قبول الآخر ..و مراعاته.. كان الجميع يشتركون في الأفراح و الأحزان .. في السراء و الضراء ..
كما أن مفردات اللغة العامية الدارجة بين الناس كانت كلمات نهارك سعيد .. و لا مؤاخذة.. و يا رب يا ساتر.. تعبر عن مجتمع مهذب يعتنق الحياء و الاحترام .. ذلك المجتمع الذي اعتنق الآن السوقية و الإباحية.. والتي تظهر في مفردات اللغة الجديدة مثل: " احلق له .. و نفض له .. و سك عليه .. " وظهر ذلك الانهيار في مرآة الفن فبعد فيلم الأطلال .. و نهر الحب..واذكريني، سادت أفلام العشوائيات و راجت أفلام البلطجة والإباحية .
ماذا حدث لنا لماذا انقلبنا هكذا رأسًا على عقب؟ لماذا أصبحنا نعيش في زمن المسخ على حد تعبير الفنان"عادل أمام"في فيلم"عمارة يعقوبيان"؟ اعتقد أن السر يكمن في كلمة" الآخر " فنحن لم نعد نرى الآخرين.. لا نرى سوى أنفسنا .. كل شخص يشعر أنه يعيش منفردًا في منزله ..و عمارته.. و شارعه.. و دولته .. بل و العالم كله .. فأعطينا لأنفسنا كل الحقوق على الآخرين ..و نفينا عن أنفسنا كل الواجبات نحو الآخرين .. و على حد التعبير الدارج " ما يولعوا " .
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :