الحب بهدلة
بقلم: سحر غريب
تعيدني الذاكرة كل عيد حب إلي جاري القديم الذي كان يسكن بجوار منزلنا، فبعد عشر سنوات جواز، وبعد أن التهبت أحبال زوجته الصوتية من محايلته لكي يشتري لها هدية عيد حب أو حتي عيد ميلاد، فوجئت به يوم عيد الحب يدخل مصعد العمارة وجاكتة بدلته منفوخة نفخة غير طبيعية، جعلتني أتسائل في حيرة عن نوعية الغذاء الذي تناوله السيد الجار المُحترم. فيبدو أن الغذاء كان ثقيلاً علي معدته، وتسبب في انتفاخها علي غير المُعتاد.. وفي أثناء تأملاتي الغذائية المهلبية رن موبايله فجأة، وفتح الجاكتة ليخرجه ويرد، فإذا بها زوجته تعاتبه علي التأخير، وإذا بالانتفاخ يظهر ويبان وعليه الأمان، فإذا هو انتفاخًا زهريًا سببه بوكيه ورد محندق صغير، فيه وردة واحدة يتيمة مُحاطة بغابة صغيرة من الأعشاب الخضراء. وكانت هذه هي هديته الغالية للسيدة حرمه المصون في عيد الحب.
وبعد نظرة حسد مني علي بختنا الهباب، والحب الذي غاب؛ بدأت علامات الدهشة والعبط تظهر علي ملامحي. فزوج جارتي هذا لا يعلم بأن زوجته كانت قد اشتكت منه لطوب الأرض؛ لأنه دائمًا يستثنيها من قائمة اهتماماته، فكانت تعتب عليه بيننا، بخله الشديد معها، رغم إنها لم تنسه يومًا، لا في عيد ميلاد ولا عيد زواج ولا حتي عيد طهور، فكانت قمصانه بضع من كرمها عليه وتفكيرها فيه، وكانت بدله السينييه هي شحنات عاطفية أغدقتها عليه في مناسبات مختلفة.
وفي اليوم الوحيد الذي قرّر أن يعطيها هديته الثمينة، أعطاها إياها سرًا، وكأن حب الرجل لزوجته عار يجب أن يحتاط منه ويخفيه، حتي لا يُقال عليه "رجل خيخة" أو معدوم الرجولة، تلك الرجولة التي أصبحت في مجتمعنا، ملتصقة بقلة الأدب والسخافة.. فمشاعر الرجل وكرمه تجاه زوجته، غالبًا ما يُطلق عليه ميوعة وليونة غير مطلوبة في الرجل.
وفي يوم الحب كل عام، والذي يكون يومان في السنة وليس يومًا واحدًا، زيادة في الإلحاح علي أهمية وجود الحب؛ تتذكر كل زوجة- تعيسة كانت أم سعيدة- عيد الحب الذي يهل مع أيام مخطوبة عندما يكون الزوجان علي الشط الآخر من عش الزوجية، والزوجة مازالت في عداد الجميلات وليست زوجة خنشورة، لم يعد يهتم زوجها برغباتها ولا بمشاعرها، ولا يلتفت للأسباب التي قد تجعلها تستشيط غضبًا. فيكون عيد الحب بالنسبة للخاطب يومًا لا يُترك فريسة للظروف والأنواء، فالتجهيز له يكون من أولويات حياته، فتشعر معها المرأة بأن طينة خطيبها ممزوجة بحب، وغالباً ما تحسد المرأة نفسها علي أيام السعادة القادمة التي ستحياها مع حبيبها الولهان. ومن كثرة اهتمامه بهذا اليوم، يشتري الرجل هديته قبلها بأسبوع حتي لا تُنسيه مشاغل العمل حق عيد الحب عليه.
وتتزامن خلافات الرجل مع والد الفتاة مع هذا اليوم؛ بسبب رفض الوالد لخروجهما معًا. ويخبره والد العروس دومًا بأن غدًا لناظره قريب، وعن قريب ستصبح زوجة له، وساعتها لن يحرمه من صحبتها في عيد الحب.
أما وقد أصبحت المرأة زوجة، فها هي تري زوجها- مجنونها القديم- يشتري وردًا لزميلاته ومديراته في العمل، وفي نفس الوقت يبخل أن يشتري لها حزمة فجل توحد ربنا، وترسل لها رسالة حب صادقة أو حتي كاذبة "كله محصل بعضه"!! ولكنه لا ينسي أن يصدح بالأغنية خالدة الذكر "كان يوم أسود ماطلعتلوش شمس".
عزيزي القاريء، عندما تجد الحب لا تتركه، أمسكه من قفاه وأحبسه داخلك، ولا تحاول أن تغضبه. فذهابه بلا عودة هو بداية نهاية قلبك، وهو بداية لربط حياتك بساقية ليس فيها ماءًا يروي ظمأ قلبك لتلك المشاعر الجميلة. لا تنسي أن تقتنص لحظاته الثمينة، فهو الآن معك وغدًا ستبحث عنه ولن تجد منه إلا رحيق لذكريات عابرة.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :