النضال السياسي وآلة الزمن
بقلم: ميخائيل حليم
تقابلت مع"عالم يدعي أنه تمكن من اختراع جهاز يتحكم في تغير البعد الزمني، مثل الأجهزة الشهيرة التي تأتي في السينما، المعروفة بآلة الزمن وهذا الجهاز في إمكانه نقل شخص، من الزمن الحالي إلى زمن المستقبل في نفس الموقع الجغرافي بفرق زمني لا يتعدى المائة عام على الأكثر، ثم يرجع الشخص المنقول زمنيًا إلى زمنه الأصلي قبل انتهاء اليوم .
فسألته: هل في إمكاني تجربة هذا الجهاز على نفسي؟ فأجاب للتو: نعم يمكنك تجربته أن أردت في أي وقت تشاء. ولا أخفي عليكم أن سبب طرحي هذا التساؤل، هو إنني غير مصدق لهذا الأمر وأخشى أن يكون ضمن إطار الدجل الشائع في هذه الأيام، ولكن إجابته السريعة والتأكيدية توحي بثقته المطلقة في الجهاز، وانه واثق من تحقيق وظائفه التي سبق وعرضها.
فقررت خوض التجربة لأشاهد "مصر" وما تطورت إليه قبل انقضاء مائة عام، وللتو وجدت لساني ينطق، ويقول من فضلك ابدأ إجراءتك العلمية لإعداد الجهاز الآن، وبالفعل استجاب لطلبي وبدأ خطوات إعداد الجهاز، وطلب منى أن استلقي على ظهري على ما أشبة بأريكة، وبدأ في توصيل أسلاك من الجهاز لتثبت بكلبسات على رأسي، ثم وجدت نفسي واقف في حي مزدحم جدًا بالمارة، والشوارع ممتلئة بالسيارات وحولي أبراج عالية، وفخمه جدًا، وشعرت أنني تائه في بلدي لا اعرف ماذا أفعل أو ما علي أن أفعل؟.
فوجدت شابًا في مقتبل الثلاثين من عمره، يمر بجواري فأسرعت وسألته من فضلك ما اسم هذا المكان؟ فأجاب نحن في "مصر الجديدة" وأكمل قائلاً هل تريد أن أدلك للذهاب إلى مكان ما؟
فأجبته على الفور: نعم هل من الممكن أن تدلني على مكان قصر شهير.. أنا اعتقد انه قريب من هنا ؟ فقال أتقصد القصر الملكي الذي يقطنه ملك مصر .
دهشتني الإجابة! ولكنى حاولت ألا أُظهر ما يجول في خاطري، حتى لا ينكشف أمري، وحاولت تفسير ذلك على أنه ربما آلة الزمن أخطأت التقدير وأعادتني إلى زمن الماضي، في عهد ما قبل الثورة ولكنى سرعان ما رفضت هذا الاحتمال لتواجدي في هذا المكان المزدحم المحاط بالأبراج العالية التي تتفق مع التطور والتقدم الذي يواكب الزمن.
لم يعد أمامي إلى أن اقبل الأمر الواقع كما هو عليه، أن"مصر"أصبحت مملكة ويحكمها ملك، وأعد ذهني لتقبل أي مفاجئات أخرى ربما أجدهم قلبوا الأهرامات لتكون رأسها إلى أسفل وقاعدتها إلى الأعلى .
ثم عدت بالحديث إلى الشاب الودود وشكرته، وأكملت مسيرتي حيث ما زلت لا اعلم إلى أين اذهب .
وأثناء سيرى وأنا أتلفت هنا وهناك، لاستكشف كل المستجدات وفجاه وقعت عيني على لافتة تعد مفاجئة من العيار الثقيل، لأن اللافتة مكتوب عليها اسم أحد الأحزاب السياسية المعارضة المعروفة لي، وكيف يكون لهذه الأحزاب دور سياسي في ظل النظام الملكي، أم إنها تحولت إلى متاحف للاحتفاظ بتاريخها السياسي.
ولم أتردد كثيرًا عن الدخول إلى مقر الحزب وعندما اتجهت إلى الباب المؤدى إلى المقر، وجدت أعضاء الحزب وكان أغلبهم من الشباب يحملون اللافتات الاعتراضية المناهضة للحزب الملكي الحاكم، ويحملون صورًا للملك مكتوب عليها "ارحل مش عايزينك"، وكانوا يهتفون بحماس ولكنني لم أنتبه إلى هتافاتهم لانشغالي بصورة الملك لشكلها المألوف، لدى لوجود شبه كبير بينه وبين احد الحكام السابقين.
وصوتهم المرتفع جذب انتباهي من جديد لأسمع هتافاتهم التي كانت أشهرها، المطالبة بتحديد كوتة برلمانية لأحزاب المعارضة ليكون لهم تمثيل برلماني حيث أن الدورة السابقة كان بها أكثر من 75% حزب ملكي، والباقون غير حزبيين ونددوا بعدة قضايا أخرى تدل على فشل سياسي واقتصادي بشكل عام .
وفى وسط كل هذه الضوضاء والضجيج الذي في إمكانه أن يقيم الموتى، التقطت أذاني همسات مخرج كلف بتصوير المظاهرة، وهو يتحدث بجواري بصوت منخفض إلى زميله المصور، ليؤكد عليه أن الديوان الملكي طلب منه تصوير المظاهرة كاملة، وتسجيل كل حرف جاء فيها ليعرف العالم أن "مصر" مملكة ديمقراطية .
ثم لا أتذكر ماذا حدث بعد ذلك، ولكن آخر ما أتذكره هو سماعي لعبارات "مصر مملكة " و"حزب ملكي حاكم" و"ديمقراطية للبيع" فصحوت من نومي مغتمًا ويائسًا، وأدركت إنني كنت أحلم حلمًا أو ربما رأيت كابوسًا !!
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :