أوباما.. لماذا أنت مسيحى؟!!!
بقلم: القس أيمن لويس
السؤال الذى طرحه أحد الصحفيين للرئيس "أوباما" أثناء ظهوره مؤخرًا خارجًا وعائلته من الكنيسة، عقب حضورهم صلاة أحد الآحاد، على خلفية ما تردَّد فى الآونه الأخيرة بكثرة من التشكيك فى مدى ولاءه وانتماءه للايمان المسيحي، وإن كان لا يهم الشعب الغربي والأمريكي مقدار ولاء الشخص لدينه، باعتبار أنها من المسائل الشخصية بحسب ثقافة التحضر، بقدر ما يهمهم صدق الشخص وابتعاده عن المكر واللف والدوران وعدم الشفافية؛ فهذه بالنسبة لهم من الكبائر، فمنطقهم أنت حر فيما تفعل وما تعتنق، ولك كامل الحرية والاختيار إن كنت تريد أن تذهب الجنة أو النار (بحسب التعبير الدارج)، بشرط ألا تؤذى حريتك أحدًا ولا تضلل أحدًا. وهذه من ثمار الثقافة المسيحية التى نشأت عليها هذه الحضارات.. الصدق والمصارحة، عملاً بقول السيد المسيح: "ليكن كلامكم نعم نعم لا لا".
إن السؤال على هذا النحو له معانٍ ومعانٍ! ويختلف عن السؤال.. هل أنت مسيحي؟.. الذى استهلك من كثرة طرحه من غالبية الشعب الأمريكي. فما كان من هذا الصحفى إلا اللجوء للحرفية المهنية لطرح السؤال بهذا الشكل. واسمح لى عزيزي القارىء أن أترك لك الفرصة للتفكير والبحث معي عما يريد أن يرمي إليه الصحفي من السؤال بهذا الشكل؟! فهل كان يريد أن يقول له مثلاً "أشوف أمورك أستعجب؟" أم أراد أن يقول "إن تصريحاتك السابقة غير مقنعة؟"، أم أراد فعلاً أن يعرف الدوافع والأسباب التى جعلته يقول أنه مسيحي؟.. المهم أجاب الرئيس "أوباما"، ولست أعلم إن كانت أجابته كافية شافية للصحفي وللآخرين أم لا؟
السؤال فى غاية الأهمية لكل مسيحي، بل يجب أن يُحدِث حالة من الاستنفار لدى المسيحيين. ولابد أن يكون لدى كل مسيحي إجابة واضحة موثَّقة بشاهد أو قرينة من كلمة الله بالوحي المقدس، حتى لا نَدعى بأسباب وهمية غير موجودة فى الواقع نتاج عواطف الانتماء غير الناضج، عندما يمتحنها غير المسيحيين يكتشفون أنها مجرد خيالات مرضية كاذبة نرددها ونكررها كالببغوات التى تم تدريبها وبرمجتها بعملية غسيل مخ دون فهم أو ادراك؛ فنصير أضحوكة كقوم ضحك من جهلهم الأمم.
كما أن السؤال، الذى يدور حوله المقال، يعتبر ساذجًا، ومن الغباء طرحه بمقاييس مجتمعنا؛ لأن معظم- إن لم يكن كل الإعلاميين- يرددون عبر وسائل الإعلام فى معرض حديثهم عن تغيير المعتقد الديني عبارة "ليس لأحد دخل فى عقيدته، فالمسلم وجد نفسه مسلمًا والمسيحي كذالك!". وبهذا تكون القاعدة أن الدين وراثة وليس قناعة شخصية، وليس لأحد الحق فى البحث والدراسة لفحص معتقده، هل يتوافق مع قنعاته أم لا؟! بل إن مجرد المحاولة هى مخاطرة محوفة بالخطر، فالدين أتباع ومسلَّمات وتبوهات، لا يجوز الاقتراب بالسؤال أو الاجتهاد أو التفكير، حتى وإن قالوا إن الدين سمح بالتدبر ليس صحيحًا، هى من الأكلاشهات التى يتم ترديدها دون ممارستها. وللأسف، هذا هو العرف السائد المعمول به فى مجتمعاتنا، وأى خروج، فتهم الازدراء موجودة، والتطاول، والتجريح، وهذا أقل ما يمكن حدوثه.
فى الحقيقة، نحن معشر المسيحيين لم نعرف الدين هكذا عداوة وخصام، حرب وجهاد، تكفير وتنفير، شتم وسباب وسكب اللعنات، إنه ليس انتماء لأمة بل لله! عرفناه رسالة عن الله، ولله رسالة حب وسلام وخير للإنسان وللإنسانية، رسالة شخصية تهتم بالفرد وخلاصه، رسالة مصالحة للإنسان مع الله ومع نفسه؛ ليكون إنسانًا صحيحًا معافًا يفيد المجتمع، أداة بناء وليس معول هدم.
إننا نعرف أن الايمان ليس وراثة، فمكتوب لدينا "النفس التى تخطئ هى تموت. الابن لا يحمل من إثم الأب، والأب لا يحمل من إثم الابن. بر البار عليه يكون، وشر الشرير عليه يكون" (حزقيال20:18). فمسؤلية الوالدين تربية الأبناء فى مخافة الله بحسب الايمان الذى يتبعونه. ولكن طالما وصل الإنسان إلى سن الإدراك، فيكون من المفترَض أن يبحث ويفتِّش حتى يكون ايمانه بالاختيار وليس بالإجبار. وفوق كل هذا، يأمرنا السيد المسيح أن نفتش الكتب، وبخاصة غير المسيحية، لعلنا نجد فيها حياة. إنها ثقافة الحرية، والثقة فى الحق "وتعرفون الحق والحق يحرركم، فإن حرَّركم الابن فبالحقيقة تصيرون أحرارًا" (يو36،32:8). هكذا سلك الآباء القديسون، ونحن على مثالهم "فاحصين الكتب كل يوم: هل هذه الأمور هكذا؟"(أع11:17). ومن هذه الثقافة كان حديث الأنبا "بيشوي"، وسؤاله الذى أغضب الإخوة المسلمين، وماتزال ردود الأفعال الغاضبة مستمرة، وطالت كل ما هو مقدَّس وغالٍ من الوحى للسيد المسيح للرموز الدينية!! بل ومن قبل ما يتكلم الأنبا "بيشوي"!! ولست أعلم متى ينشغل الإخوة المسلمون بالرد على الأسئلة التى يسألها الآخرون حتى الخبيث منها، بالعلم والمنطق، عوضًا عن شحذ كل الطاقات للثورات والمشاحنات؟ ومن اللافت للنظر، الاهتمام الإعلامي الكبير بإبراز اعتذارات قداسة البابا "شنودة" للتهدئة الشكلية، دون الاهتمام بالتشجيع على مواجهة الفكر بالفكر، والعلم والبحث، وهى رسالة الإعلام الأساسية!
وحسنًا ما تقوم به الجهات المسئولة من تدابير، مثل غلق الفضائيات التى تبث روح الفتنة والعداوة. ولكنها مجرد خطوة على طريق طويل، مسافته أكثر من خمسين سنة، مع الوضع فى الحسبان أن الحوار الديني لن يتوقف؛ فالإسلام دين دعوة والمسيحية تبشيرية، وأى منهما لن يتنازل عن معتقداته. لذا لابد من نشر ثقافة الحوار الفكرى السلمي، وأن الاختلاف فى الرأي والدين لا يفسد للود وللحب قضية.
أخيرًا، أناشد القراء الأعزاء من شركائي فى الايمان المسيحي الغيورين، المشاركة بالكتابة على الموقع بعد قراءة المقال، ليس لطلب تقييم المقال، ولكن للإجابة على السؤال الهام.. لماذا أنت مسيحي؟ هل نستطيع أن نقدِّم 31302 إجابة هى عدد آيات كتابنا المقدس؟ وإن لم يتسع الموقع لقبول هذا الكم من الإجابات، فعلى أقل تقدير أن نقدم (1189) إجابة هى عدد إصحاحات الكتاب؟
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :