(2) العلاقة بين الأحياء والأموات "مقابر ترير نموذجًا"
بقلم : د.ماجد عزت إسرائيل
ــ مدينة"ترير"الألمانية رؤية تاريخية
تقع مدينة"ترير"جنــوب غـرب ألمانيا، على نهر الموزيل، أحد روافد نهر الراين ، ضمن مقاطعة""راينلاند- بفـــالز"التي عاصمتها مدينة "مـــاينز"؛ وبالتحديد تبعد نحو ما يقرب من 150 كيلومترًا جنوب غربي فرانكفورت، ويبلغ عـدد سكّانها طبقًا لإحصاء عام 2006م نحو( 103.518) نسمه.
وترجع تسميتها بهذا الاسم طبقًا لما ورد في الأسطورة المحلية التي دوّنت عام (1105) في كتاب "أعمال التريفيريين"(باللاتينية:Gesta Treverorum)، فقد بناها Trebeta "تريبيتا"، الابن الأكبر للملك الآشوري"نينوس"وأمّه كانت ملكة كلدانيّة، تزّوج الملك الآشوري نينوس من سميراميس بعد وفاة زوجته الأولى، وبعد ممات الملك نينوس حاولت سميراميس بكل الطرق أن تتزوج من"تريبيتا"، ابن زوجها، فرفض"تريبيتا"ذلك وقرر الهروب إلى خارج المملكة مع أصحابه وخدمه، وكما تروي قصص التاريخ أبحر عبر البحر الأبيض المتوسط؛ ليبحث عن مكانٍ آمن، بعدها قطع أرضًا قاحلة وبعدها طرقًا جبليّة وعرة إلى أن وصل إلى وادٍ هادئ محاط بالهضاب والجداول والغابات، بعد أن سحر بجمال الطبيعة، قرر أن يبني مدينةً له مع رفاقه على ضفة نهر( Mosel) أحد فروع نهر الراين، وكان ذلك حوالي عام 2000 قبل الميلاد.
وهناك بعض المؤرخين ينسبون تشيد مدينة"ترير"للرومان، ما بين عامي(16 ق.م) و(15 ق.م)، ويعللون ذلك على كثرة الآثار الرومانية، ونذكر منها المدرج والمسابح والبورتانيجرا الشهيرة (البوابة الشمالية المحصنة)، و أديرتها مثل دير سانت سيمون وكنائسها المتعددة منها القديس"بطرس"، وسانت بولين الباروكية، ويوجد بها ثوبًا للسيد المسيح، وأواني وسلاسل حديدية وتيجان وصولجانات ومخطوطات وميامر للقديسين، يرجع تاريخها للقرون الأولى الميلادية ؛وتعتبر هذه المدينة الساحرة قبلة السياح من جميع أنحاء العالم، وخصوصًا أولئك الذين يهتمون بتراث الحضارة الرومانية القديمة.
ومدينة"ترير"(Trier) تتميز بموقعها في طرق المواصلات الدولية، فهي ملتقى للسكك الحديدية بين الشمال والجنوب، وتشتهر بأسواقها الجاذبة ذات السلع المتنوعة، التي نذكر منها السلع الجلدية والمنتجات الفولاذية والأنسجة.
ــ مقابر مدينة"ترير"
كانت الصلوات في مدينة"ترير"نموذج للعلاقة بين الأحياء بالأموات، فالمتوفى يستطيع الحفاظ على علاقته بالحي والبقاء في المجتمع من خلال صلوات الكهنة لأروح الموتى، فمع حلول الذكرى السنوية يأتي أهله أو أحبه أو تلاميذه لإقامة صلاة القداس على روحه الطاهرة، كما خصص جزء في قراءات القداس الإلهي لذكر القديسين منهم، وهو ما يعرف في قداس الكنيسة القبطية بصلاة المجمع.
وللحفاظ على التواصل ما بين الأحياء والأموات خصصت كاتدرائية مدينة"ترير"، خلف حائطها في الجانب الأيمن جزءً تقدر مساحته بنحو ألفى متر مربع كمقابر، يحيط بها مساكن رهبانها، وهى مقابر للرهبان والقديسين منهم، ويكاد لا يوجد فاصل ما بين المقابر ومكان الصلاة، لدرجة أن نوافذ وأبواب هذه الكاتدرائية مفتوح على مقابرها.
كما أن باباوات العصور الوسطى شجعوا على استمرار العلاقة بين الأحياء والأموات، بتشجيع الشعب للصلاة على الأموات، عن طريق تخصيصهم صناديق يتم من خلال وضع ورقة عليها اسم المتوفى وتاريخه في داخل الصندوق، من أجل أقامة الصلوات وإنارة الشموع لأحبائهم من الباباوات والرهبان.
على أية حال، لم تكن الرابطة الروحية وحدها هي المسئولة عن هذا الطقس، بل كانت روابط الدم أيضًا تشجع على إقامة تلك الصلوات، وهناك العديد من الباباوات والرهبان من يعون حقيقة أنهم سيموتون يومًا ما، وسيحتاجون إلى تراتيل لراحة نفوسهم.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :