إرهابي في المحكمة الإلهية
بقلم: ميخائيل بشرى
بينما أفكّر فى كثيرين قُتلوا فى عمليات إرهابية وتفجيرات انتحارية، تخيَّلت ذلك "الإرهابي" أمام العدالة الإلهية.. تصوّرتها محكمة، ولكنها بلا دفاع، فالمتهم وحده يمكنه أن يدافع عن نفسه إن استطاع!!
- (الإرهابي ينظر حوله مرتاعًا من هول الموقف): من أتى بى إلى هنا؟
- الله (القاضى العادل): اليوم يوم الحساب.. والكل سيقف هنا ليحاسب عن أعماله خيرًا كانت أو شرًا.
- ولكنهم قالوا لي إنى سأذهب مباشرةً إلى النعيم الذى فيه سأقيم، ولن أقف أمامك أيها الجبار، بل مباشرةً إلى الحور والأربعة أنهار.. وسوف تكون أيامي كلها عيد، مثلي مثل أى شهيد!!
- شهيد..!! كيف؟!! هل قُتلتَ لتمسكك بالدين، أم دفاعاً عن الغلابى والمساكين؟!
- لقد رأيت أن أتخلص من بعض أعدائك، فضحيت بنفسي كما أمرني أحبائك. ألم تأمر بذلك؟
- كلا..
- كيف؟ لفد سمعت أن الجهاد هو الفريضة الغائبة، وأن قتل أعداء الدين واجب على كل المؤمنين..
- ألم تسمع إنى قد خلقت الإنسان حرًا يعتقد فيما يعتقد؟.. يؤمن أو يكفر؟ .. ألا تؤمن إنى أنا الديان؟ لماذا تميتهم أنت؟ هل قتلتهم دفاعًا عن نفسك؟
- لا.. بل دفاعًا عنك.. عن دينك!
- ومن أخبرك إنى فى حاجة إلى دفاعك عني؟؟؟
- صمت...
- ألم أميّزك عن باقي المخلوقات بالعقل؟
- نعم، ونعمَ ما أعطيتنى.
- كيف وأنت لم تستخدمه؟
- لقد استخدمته على قدر استطاعتي فى التخطيط لنصرة دينك وإهلاك أعدائك.
- لا تقل لنصرة دينك، فديني أنا كفيل بنصرته.. لقد استخدمته حسبما صوّر لك الشيطان.. ألم تفكِّر إنى أنا الذى أميت وأحيي؟ ألم تعلم إنى إن كنت أريد إهلاكهم لفعلت بهم كما فعلت سابقًا بسدوم وعمورة اللتين أحرقتهما بالنار والكبريت، أو بالشعب القديم الذى أهلكته بالطوفان؟!! ألا تعلم إن من بين من قتلتهم آباء وأمهات تركوا أبنائهم ثكلى، شُرِّدوا بعد ذلك فى الشوارع، وقاموا بكل فعل مشين، وأنت مسئول عن أفعالهم هذه؟؟؟؟
- صمت..
- وأين تعتقد سيذهب أولئك الذين قتلتهم؟
- إلى جهنم وبئس المصير؛ فهم كفار.. أعداءك وأعداء دينك.
- وهل تظن إنى خلقتهم لهذا العذاب الذى حكمت به عليهم؟ لقد قمت بعمل الشيطان ببراعة فائقة، ووفَّرت عليه كثيرًا من الجهد والعناء.. ألم تفكّر أن أحدًا منهم ربما كان يهتدي إلى الايمان المستقيم فى آخر لحظات حياته؟
- صمت..
- تكلّم إن كان لديك عذر..
- يارب، لقد ربّاني أبي على كراهية المختلف عني، وهو يؤكد لي ليل نهار أن ذلك دفاع عن "دين الله". ورُبِّيت على نفس الفكر أيضًا فى المدرسة، فترسَّخت هذه المبادئ فى ذهني، ونشأتُ عليها وأنا لا أدري.. "قالها وهو لا يعرف أن "لا أدري" تلك ليست فى القاموس السماوي، وليست فى خطة الله تجاه البشر الذى خصهم بالعقل".
- ما معنى "لا تدري"؟ ألا تعرف القراءة؟
- أعرفها جيدًا.. بل قد حُزت درجة عالية فى العلم.
- حسنًا.. فلماذا إذن لم تقرأ إلا في الكتب التى تدعم أفكارك؟ لماذا لم تقرأ كتبًا أخرى وتقارن بالعقل الذى منحته لك؟ لماذا عندما قرأت عن خطأ أفكارك فى يوم (...)- على غير رغبة منك، حيث كنت تظن ذلك صدفة بينما أنا الذى كنت أدبِّر ذلك- لم تبحث ولم تدقق؟
- لقد عرفت إنى كنت على خطأ، فهل من فرصة للتوبة؟
- للأسف.. طلبَتُك هذه جاءت متأخرة جدًا.. فالتوبة ليست إلا على الأرض، والأرض الآن قد زالت.. الآن إعلان الحكم فقط على ما سبق وقمت به من أفعال.. هل نسيت؟
- ولأنه كان يعرف يقينًا عدم إمكانية التوبة، وأنه قد طرح السؤال من شدة الرعب والهَوَل الذى رأى أنه سيلحق به؛ صمت عن الكلام وصرخ باكيًا.
- الله لملائكته: خذوه، اطرحوه فى الظلمة الخارجية حيث العذاب والنار التى لا تُطفأ، جزاء ما فعل بعبيدي، وأفسد في خلقي.
- لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا..
لقد صدر الحكم من المحكمة الإلهية، ولن يكون هناك طعن فيه أو استئناف.. ترى هل كان الحكم ظالمًا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :