اشكر.. تبتسم لك الحياة!!
بقلم منير بشاى
في يوم الشكر Thanksgiving Day السنوي الذي يوافق الخميس الأخير من شهر نوفمبر من كل عام، يحتفل الأمريكيون بعيد قومي هام، حيث يجتمع الأهل والأصحاب معًا على مائدة الطعام التي تشتمل عادة على الديك الرومي والبطاطة والكرمبري. وفي التقليد الأمريكي، وقبل الأكل، يروى كل واحد على المائدة اختبارًا حدث له فى العام السابق يستحق من أجله أن يشكر الله أو يشكر الآخرين.
يرجع هذا التقليد إلى ما قبل (٤۰۰) عام عند وصول الرواد الأوائل من أوربا إلى الساحل الأمريكى. كانت الرحلة طويلة وشاقة أدت إلى موت الكثيرين منهم. كما أن حياتهم فى الأرض الجديدة، عندما وصلوا لها، لم تكن سهلة فى البداية، وكان عليهم أن يصارعوا عوامل الجو القاسية، ويتأقلموا مع طبيعة الحياة الصعبة غير المألوفة. وكانت هناك أيضًا الصراعات مع سكان البلد الأصليين. وعندما هدأت الأمور واستقروا جلسوا مع سكان البلد الأصليين على المائدة يأكلون معًا الديك الرومي، ويقدِّموا الشكر لله.
ولكن مع مرور الزمن، فقد هذا التقليد مغزاه الأصلي عند الكثيرين، ونسى الناس جانب الشكر، وأصبح ما تبقَّى من هذه المناسبة هو التمتع بالطعام والعطلة وصحبة الناس.
وإذا كان من الصعب عند الكثيرين من البشر حتى مجرد تخصيص يوم فى السنة للشكر، فإن هذا ناتج عن طغيان نمط جديد من السلوك لا يرضى بما عنده ولا يرى سببًا للشكر. فكما أن هناك من الطبائع البشرية من يتسم بالسماحة والبشاشة والرضى والقبول، هناك أيضًا من يغلب عليهم السخط والغضب والتذمر والرفض. وباختصار هو الفارق بين الشخصية الشاكرة والشخصية الجاحدة، وهو أيضًا الفارق بين الشخصية الإيجابية والشخصية السلبية؛ فالشخصية الشاكرة الإيجابية تنظر إلى نصف الكوب الملآن، أما الجاحدة السلبية فتركِّز على النصف الفارغ. وبناءً على هذا، تُبنى المواقف بين الناس، ويظهر لنا المتفائل والمتشائم، من يقبل على الحياة بابتسامة ومن يرفضها وينقم عليها، بل وربما يلعن اليوم الذى وُلد فيه.
والشكر والجحود أساسًا قرار شخصي ينبع من الداخل وليس دائمًا نتيجة ظروف تأتى من الخارج وتفرض نفسها علينا.
قرأت مرة عن رجل شيخ كان عليه أن يترك بيته الذى عاش فيه كل عمره ليذهب وبعيش فى بيت للمسنين. وبينما هو فى الطريق إلى غرفته، كانت المضيفة تشرح له كل شئ فى المبنى، وكان الرجل يرد بالرضا والقبول. وعندما أشارت له إلى الغرفة شكرها وقال لها: أنا أعرف أننى سأحبها وسأسعد بالعيش فيها. وهنا سألته المضيفة باستغراب: كيف عرفت هذا وأنت لم ترها بعد؟ فكان رد الرجل: ياسيدتى رضائي وقبولي هو قرار شخصس أنا الذى أتخذه ولا يتوقف على ما أراه. لقد قرَّرت أن أقبل الوضع، وأن يكون لى نظرة إيجابية بخصوصه وليس العكس. فنحن الذين نقرِّر كيف نجعل أنفسنا سعداء أو تعساء.
وللذين لا يرون فى الحياة شيئًا يستحق الشكر ودائما يشكون ويتذمرون، دعني أذكر بعض الدروس التى تعلمتها فى ظروف شخصية خاصة. كان هذا أثناء وعكة صحية جزت فيها منذ عدة سنوات أدت بي إلى المستشفى، وبعدها إلى مركز العلاج الطبيعى، وتسبَّبت في فقداني المقدرة على تحريك ذراعي وساقي الأيمن لبعض الوقت. وخلال فترة المعاناة، ومن خلال اختباري الشخصي واختبارات من رأيتهم حولي من المرضى، استطعت أن أقدِّر الأشياء التى نتمتع بها ونعتبرها عادية إلى أن يأتى اليوم ونفقدها.
أشياء كثيرة نعملها آلاف المرات فى كل يوم بطريقة تلقائية دون تفكير. نمسك بالملعقة ونغرف الطعام.. ونرفع الملعقة ونوجهها إلى الفم.. نحرك أرجلنا ونخطوا فى اتجاه ما نريد فنصل دون أن نحيد هنا أو هناك.. نمسك بالقلم ونحرك أصابعنا لنخط بعض الكلمات على الورق.
وعندما نعمل هذا لا نظن أننا حققنا إنجازًا كبيرًا، ولا نعتقد أن هذا شيىء يستحق أن نعيره التفاتًا. ولكن بالنسبة لآلاف الناس، فإن مجرد إمكانية عمل مثل هذه الأمور البسيطة يعتبر حلمًا يتمنون تحقيقه، ولو استطاعوا لدفعوا ثمنًا لذلك كل ما يملكون.
وكأصحاء، قد ننظر إلى المعوقين حولنا، بينما يجرونهم على الكراسي المتحركة أو وهم يمشون على عكازات ولا نعيرهم التفاتًا. وربما نرثى لهم، وأحيانًا قد نتضجر من وجودهم عندما يسببون لنا بعض المتاعب. وقد نحسدهم عندما يُعطى لهم بعض الامتيازات الخاصة! ولكن كل هذا لا يقارن بنعمة الصحة التى نتمتع بها.
وقد يكون من أسباب عزوف البعض عن الشكر، إنهم يقارنون أنفسهم بمن هم أفضل منهم، وبالتالى يحسدونهم ويتضايقون ويتذمرون. ولكن عِوضًا عن ذلك، إذا نظرنا إلى من ليس لديهم ما عندنا سنرتاح ونكف عن الشكوى، بل إذا عرفنا جوانبًا أخرى خفية فى حياة من كنا نحسدهم، وأدركنا أن حياتهم لا تخلو من المآسي، ربما توقفنا عن حسدنا لهم.
وبالنسبة لمن يعتقدون إنهم أقل حظًا في الحياة من غيرهم، هذه بعض الإحصائيات تستحق التأمل. إن كان عندك طعامًا فى ثلاجتك وملابسًا فوق جسمك، وسقفًا فوق رأسك، فأنت أغنى من ثلاثة أرباع سكان العالم. إن كنت تستطيع أن تذهب إلى الكنيسة وتتعبد دون خوف أو تهديد، فأنت أحسن حالاً من نصف سكان العالم. إن كنت لم تختبر ويلات الحرب أو وحدة السجن أو مرارة التعذيب، فأنت أحسن حالاً من (20) مليون إنسان فى العالم ممن بعيشون بصفة دائمة تحت هذه الظروف. وإن كان فى إمكانك قراءة هذا المقال، فأنت أسعد حالاً من (2) مليار من سكان العالم الذين لا يقرأون ولا يكتبون.
فى المرة القادمة تحاول أن تأكل فتملأ الملعقة بالطعام وتتجه بها ناحية فمك فتصيب الهدف من أول محاولة، بدلاً من أن يذهب الطعام إلى أنفك أو عينك، قف لحظة وقدِّم الشكر لله؛ فهناك من الناس من لا يستطيع حتى مجرد عمل مثل هذا الشئ البسيط.
وعندما تتعود الشكر سيضفي الشكر لمحياك نعمة وجمالاً، ويصبح شكرك عدوى تنتقل إلى الآخرين فيفعلوا المثل. والسعادة التى تقدِّمها لهم سيردونها بالتالى إليك، وتصير الحياة أكثر بهجة ومتعة، حتى وإن لم تكن تخلو من الآلام.. بل إن آلام الحياة ستكون أقل مرارةً إذا تقبلناها بالشكر.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :