إذا دعتك قدرتك إلى ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك
بقلم : حنا حنا المحامي
لم تكن أحداث كنيسة العذراء والملاك بالطالبيه مفاحئه. إنها أحد حوادث التسلسل الذى ساد فى مصر ضد الاقباط, وإن كان لكل حادث ملابساته وظروفه وأسبابه الحقيقيه أو غير الحقيقيه وإن كانت جميعها تفتقر إلى الشرعيه او المشروعيه.
ولنأخذ الحدث الاخير مثالا. مواطنون مصريون يدينون بأى دين لو قلنا إنه دين سماوى فهذا أمر يخص الاقباط. وإن قلنا إن غالبية المواطنين مسلمين, فهذه حقيقه إخرى. ولكن هناك دستور يحكم بين الاقليه المسيحيه والاغلبيه المسلمه. هذا الدستور يقول إن جميع المصريين متساوون فى الحقوق والواجبات لا فرق بينهم بسبب الدين و... و... إلخ. إذ يعنينا فى هذا المقام الدين.
إذن المسيحيون والمسلمون متساوون فى الحقوق والواجبات. وأعتقد أنه لا خلاف على هذا الامر وأى خلاف يكون تحديا للقانون وللدستور.
مع ذلك ورغم النص الدستورى فإن هناك قانون يشكل عارا على مصر كدوله وكأفراد ينظم بناء الكنائس وهذا القانون صادر منذ سنة 1856 وهو اقدم قانون على وجه الارض. مع ذلك افترض المسيحيون أن هذا القانون قانون تنظيمى بحت لن يؤثر فى بناء الكنائس ذلك أن روح الموده والتآلف تسود الشعب المصرى العريق.
مع مرور الزمن ومع سيطرة المفاهيم السياسيه وانتشار التطرف الدينى بسماح من الدوله لاسباب تعرضنا لها قبلا, تغيرت المفاهيم وانحرفت التطبيقات القانونيه (وليس القانون نفسه) عن جادة الصواب وبعد أن أصبح الدين لله والوطن للجميع, أصبح الدين للاسلام والوطن للطز ليس له نصيب فى ممارسة المواطنه التى تسعى إلى قوته بل انصب الجهد على تفتيته سعيا إلى ضعفه ووهنه.
تلك المقدمه كانت لازمه لتفهم أبعاد ما حدث فى الطالبيه.
شعب يتعبد لخالقه ويتمسك بديانته منذ أربعة عشر قرنا ونيف رغم المعاناه بل والعذاب الذى لا داعى لذكرها فى هذا المقام. كان يقطع الاميال ليرفع أكف الضراعه إلى الخالق فى صلاة روحانيه ينادى فيها بالحفاظ على سلامة الدوله ومياهها وأنهارها ورؤسائها وحكامها. رغم أنه كان من حق هذا الشعب أو هؤلاء المصريون أن يتساووا بإخوتهم المسلمين ويشرعوا فى بناء كنيسه قريبه من مساكنهم, إلا أنهم الصاعوا فى طاعة تامه إلى القانون الوضعى وطلبوا تصريحا لبناء كنيسه, وما لبث أن صدر القرار الجمهورى العظيم سواء بعد عام أو عشره, بعد شهر أو عشره, هذا لا يهم, ولكن الاهم أنه صدر.
ولما لم يكن المبنى إسلاميا فإن الدوله لن تساهم فيه بجنيه واحد. فتضافر المواطنون المسيحيون وشرعوا فى إنشاء كنيسه. وللعلم هذه الكنيسه ليست فخرا للمسيحيين بل هى فخر للمسلمين وعلى الاخص للسلطه الحاكمه لأن الكنيسه تمثل وتعبر عن التسامح السائد فى مصر العظيمه والخالده, فمن ثم المفروض أن تكون السلطه أحرص على تكملة البناء.
ولكن الذى حدث هو تضارب السلطات والاختصاصات. وطبعا ليس مسئولا عن ذلك الاقباط. ذلك أن الدفاع المدنى طلب إنشاء سلالم إضافيه لأن السلم القائم حسب الرسم يعوق سلامة المصلين فى حالة الخروج الاضطرارى. وفعلا استجابت الكنيسه. هنا وقعت الواقعه وقرعت القارعه. كيف تتجرأ الكنيسه وتنشئ إضافه غير موجوده بالرسم المقدس؟ على ذلك منعت السلطات الاستمرار فى البناء, وألغت بعض خلاطات الاسمنت مما ترتب عليه خساره أبربعه ألف من الجنيسهات, هى ثمار كفاح وعمل وتضحيه من قبل قوم مصريين حتى لو كانوا مسيحيين.
هنا لنا وقفه. الشباب الذى كان يتطلع إلى بناء كنيسه قريبه من منزله, لم تكن قد غابت عنه وقائع النواهضه, وموقف الدوله من تلك الكارثه. هؤلاء الشباب ترسخت فى أذهانهم أن الدوله تناصبهم العداء وتحمى كل معتد على المسيحيين أو مقدساتهم.
أشتم الشباب رائحة التعنت والتعصب, وقد يكون الشباب محقين أو غير محقين فى ذلك, ولكن المفروض أن أى عاقل لا يلمومهم على ذلك, فالسوابق والاجراءات ضد المسحييين لا تنبئ بالخير أو حسن النوايا. بناء على ما ترسخ –عن حق- فى أذهان الشباب تجمعوا تجمعا سلميا ليحموا مقدساتهم. خاصة أن نزول بلدوزر إلى الساحه جعل الشباب يعتقد أن هذا البلدوزر جاء ليقضى على أحلامهم وآمالهم فى أن يكون لهم كنيسه يتعبدون بها.
إلى هنا وكان موقف الشباب سلميا بحت.
كان من الحكمه فى هذا الموقف أن يتعامل الكبار المفروض فيهم الحكمه بشئ من التروى والتعقل وعدم العنجهيه. إلا أن ما حدث كان العكس. أرسل الولاه والسلاطين قوه من رجال الامن لتفض التجمهر. هجم رجال الامن على الشباب منادين: ألله أكبر على الكفار. ولم يقتصر الامر على ذلك, بل ساهم فى القاء الحجاره على الشباب بعض الاخوه المسلمين.
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. ذلك أن السلطات حين تعتدى على الدستور والقانون تكون قد فقدت شرعيتها كسلطه قانونيه وتصبح مجموعه غوغائيه. بذلك لا يصبح الامر أمر قانون وسلطه ونظام وهيبه دوله, بل يصبح أمر تعصب وجهاد فى سبيل الله ضد الكفار. حين يخرج رجال الدوله مدججين بسلاح التعصب والكراهيه وليس بسلاح الشرعيه والنظام, يفقدوا صفتهم كرجال أمن ويصبحوا معتدين على المواطنين وعلى القانون. حين يشارك مجموعه من المتعصبين المسلمين مع رجال الامن فى التعدى, لا يصبح الامر أمر نظام وقانون وسلطه تمارس الشرعيه بل تكون السلطه قد فقدت شرعيتها وأصبحت الحرب حربا دينيه. وبدلا من أن يكون الامر أمر سلطه ونظام تصبح المسأله مسألة تعصب واحتقان تنسلخ عنها أى شرعيه قانونيه, وبدلا من أن يكون الموقف أن الدوله تمارس حقها فى النظام تصبح الدوله كأنها أوفدت مجموعه من المتعصبين ليقتتلوا مع أخوانهم فى الوطن.
والادهى والامر, أنه بدلا من التفاهم من الحكام العاقلين, شرعوا فى إطلاق الطلقات المطاطيه لتصيب الشباب بجراح بعضها قاتل وبعضها يسبب جراحا خطيره, كما سمحوا للغوغاء المسلمين بالاعتداء على المسحيين وطبعا لم تكن هناك تفرقه بين رجل وامرأه. لا بد من إثبات القوه والبطش. يتعين ألا يظهروا أى خنوع كما هو الحال تجاه إسرائيل. كلا وحاشا, إنهم أبطال وذووا بأس وسلطان. وبذلك تفاقم الموقف وأصبحت الصوره صورة عدوان وليس صورة نظام وقانون. فما كان من الشباب المعتدى عليه إلا أن شرع فى الدفاع عن نفسه دفاعا شرعيا بأن ألقى بالحجاره على المعتدين.
وهنا كانت الطامه, طبعا السلطه لن تقر بالحقيقه, ولابد أن تصوغ الامر على أنه عدوان وعصيان وتجمهر وتعدى وشروع فى قتل بل استقراء بالخارج وإن أمكن خيانه عظمى, ولا بأس من أن يكون عصيانا مدنيا.
ومن الطريف أن السلطات تقول إن المبنى مبنى خدمات, ولو كانت الكنيسه طلبت بناء كنيسه لتم التصريح لها بذلك. هنا لنا سؤال .... أليس التصريح المسبق يساوى الموافقه اللاحقه؟ نعم إنه لكذلك لو صدقت النوايا وخلصت.
يلزمنا هذا الموقف من التعرض لما حدث فى النواهض, مركز أبو طشت, محافظة المنيا. فى إيجاز تام أطلقت شائعه بأن شابا مسيحيا يبلغ من العمر تسعة عشر عاما اعتدى على فتاه مسلمه وهتك عرضها وأضاع شرفها وشرف العائله الكريمه العريقه.
هاجت الدنيا ودنت الفرصه للتعدى على المسيحيين فأحرقوا أكثر من عشرين منزلا بعد أن نهبوها وتشرد المسيحيون بلا مأوى أو مال. توجهت النيابه للتحقيق, ورفضت سماع الاقوال من الشهود, وكتبوا ما كتبوا وتحت التهديد والوعيد حصلوا على توقيعات تجافى الحقيقه. وبلغ الغى والظلم مداه بأن قرر السيد المحقق أن المسيحيين هم الذين أحرقوا بيوتهم ثم تحركت نخوة المسلمين فعملوا على إخماد النيران. نعم ... هكذا ... بقى أن يعرف القارئ أن الضمائر كانت مستريحه لهذا الفعل القانونى الذى يلقب بالتزوير. والمضحك المبكى أنه ثبت طبيا أن الفتاه بكر ولم يمسسها ذكر. وطبعا لن تحمل ولن يزيد الثلاثة ملايين لقيط وحدا.
وهكذا أثبتت السلطات أنها تتنكر للعدل والعداله ضد كل ما هو مسيحى. ولم تكتف بهذا الموقف الذى يتنافى مع الانسانيه والعداله والمساواه, بل شددوا العزم على الشباب حتى يدمروهم فهم كفار لا يستحقون المعامله بأى إنسانيه. ألم يذبح زملاؤهم فى العراق طفله كافره على مذبح كنيسة سيدة النجاه؟ على أى حال هذه فرصتهم ليدمروا بعض الشباب الكفار, أما شباب ورجال النواهض فهم إخوه فى الاسلام يتعين حمايتهم من إخوانهم فى العقيده حتى لو كانوا مجرمين.
ولــــــــــــــــــــــــــــــــــــــكن
لا يسعنا إلا أن نقول ...............
"إذا دعتك قدرتك إلى ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك"
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :