الأقباط متحدون | هواجس قبطى مهاجر!
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٢:٥٦ | الثلاثاء ٥ يوليو ٢٠١٦ | ٢٨ بؤونة ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٨٠ السنة التاسعة
الأرشيف
شريط الأخبار

هواجس قبطى مهاجر!

الثلاثاء ٥ يوليو ٢٠١٦ - ١٩: ٠٩ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 
صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

بقلم منير بشاى
       قال سقراط "إعرف نفسك بنفسك".  ومعرفة الذات مهمة شاقة، وشخصيا لا أزعم اننى اعرف عن نفسى غير القليل، وما زلت ابحث واكتشف واتعلم.  وفى السطور التالية أحاول الغوص داخل نفسى بحثا عن بعض هواجسى الحبيسة.  وهى آراء وخواطر، وإن كانت تتعلق برؤيتى الشخصية، ولكنها  تلمس قضايا عامة أظنها تهم الجميع.

        أعرف اننى انسان عادى مثل ملايين الناس حولى، وأدرك ان لى عيوبى الكثيرة.  ومع ذلك أعلم اننى – مثل كل البشر- متميز فى نظر الله، فكل انسان من خلائق الله فريد من نوعه.  فمن السبعة المليارات الذين يسكنون هذا الكوكب، والمليارات الذين جاءوا قبلهم، والذين سيأتوا بعدهم، لا يوجد اثنان يتطابقان فى كل شىء.  هكذا خلقنا الله لأنه يقدر تفردنا وهو يعامل كل منا كما لو انه لا يوجد فى الكون سواه.

        وادرك اننى انسان ضعيف وتستطيع جرثومة صغيرة لا تراها العين المجردة ان تطرحه فى سرير المرض وقد تقضى عليه.  ولكن ذلك الانسان الضعيف وهبه الله نسمة الحياة، وخلقه على صورته وشبهه، واعطاه حرية الارادة والقدرة على الابداع، فاصبح لا حدود لما يستطيع ان يبتكره.  وحباه نعمة الذكاء ليعوضه عن الضعف الجسدى ليحمى نفسه من كائنات أكثر قوة واشد بطشا سواء كانت الوحوش المفترسة او بعض البشر الذين لا يقلون وحشية عن الوحوش.

        عشت معظم حياتى خارج بلد مولدى ومع ذلك لم انس يوما بلدى الأم الذى سأظل أكن له كل الوفاء.  ولدت فى مصر وتعلمت وخدمت بالجيش واشتغلت بمصر ثم انتهى بى المطاف الى الغرب.  تكلمت لغة الغرب ولكن لم انس لغتى.  تطبعت بعادات الغرب ولم انس عاداتى.  تذوقت اطعمة الغرب ولكن ما تزال اطعمة الشرق لها مذاقا خاصا عندى.  احببت فى الغرب اشياءا كثيرة مثل النظافة والنظام وتقديس العمل ودقة المواعيد واحترام حقوق الغير.  ومع ذلك لم اعتقد يوما ان الغرب هو مدينة أفلاطون الفاضلة، ولا اظن ان مجتمعاتهم تتكون من ملائكة.  ولكننى اعرف ان الغرب أيضا ليسوا اشرارا كما يحلو للبعض ان يصورهم.  وما يحيرنى هو لماذا يكره الكثيرون من شعوبنا الغرب بينما عندما تضطهدهم بلادهم لا يجدون غير الغرب يلجأون اليه؟  وما يحيرنى اكثر انه بعد ان يستقروا فى الغرب وينعموا بحرياته ويتمتعوا بازدهاره، يحاولون ان يغيروه ليشبه نفس المجتمعات القمعية التى جاءوا منها.

        وانا قبطى يعتز بجذوره القبطية التى تحدد هويتى.  هذه الجذور هى اصول هذا الشعب وتعبر عن مكونه الحضارى الذى يعود آلاف السنين فى اعماق التاريخ.  لا استجدى هويتى من أحد ولا اعتمد على انسان ليؤكدها لى او يشككنى فيها.  هى جزء من بصماتى الوراثية التى لا تتغير ولا تنتهى صلاحيتها.  وسأظل احملها داخلى ما حييت.

        أنا قبطى ومهاجر ومع ذلك لا يعجبنى التعبير "اقباط المهجر"، فتعبير أقباط المهجر عند بعض الناس معناه الطلاق (بالثلاث) لصلتهم بمصر، والارتباط بزواج جديد يحل محل العلاقة الأولى ويلغيها.  وهذا ينافى الحقيقة ليس عندى فقط ولكن عند الغالبية الساحقة من اقباط الخارج.

        بالمثل أكره ان يطلق على توصيف "مزدوجى الجنسية" وافضل عليها تعبير "ثنائيى الجنسية" فالازدواجية تحمل معنى تنازع الولاء.  اما الثنائية فهى الاحتفاظ بأكثر من خيار لا يتعارض الواحد مع الآخر.

        أعشق الحرية وأعتبرها حق من حقوق الميلاد وأؤمن ان الحرية الشخصية لا تكتمل الا عندما يتمتع الآخر بنفس الحرية.  الحرية حق ومسئولية وثقافة وطريقة حياة.  فالحر هو من يحترم ويصون ولا يتعدى على حرية الآخر.  أما من يقيد حرية الآخر فهذا لأنه هو نفسه لا يتمتع بالحرية وفاقد الشىء لا يعطيه.

        الحب مذهبى لأن الله محبة.  الله هو ابى الذى احبه ويحبنى.  أخاف الله ولكن لا اخاف منه.  عقيدتى الدينية هى شأنى الخاص طالما لا تؤذى غيرى.  بالمثل عقيدة الآخر هى شانه الخاص طالما لا تؤذينى.  يمكن ان نختلف فى العقيدة ونظل اصدقاء ونترك الأمر لحكم الله.   المشكلة تحدث عندما يظن طرف ان الله اعطاه حق فرض عقيدته على الآخر وقتله ان رفض.

        قيمتى لا تتحدد على اساس ما لدى من مقتنيات او علم او ذكاء او مواهب او نفوذ او عزوة ولكن على أساس محتوى اخلاقى واسهامى فى محبة الغير ومحبة الخير.

        أؤمن ان الحياة مدرسة كبيرة للتدريب والاعداد لما هو قادم.  وانه فى هذه المدرسة قد اعطى لكل واحد منا الوقت والمواد والمواهب والارشادات الكافية لتنفيذ المشروع النهائى الذى سيقدمه قبل التخرج.  نخطىء عندما نظن ان حياتنا الارضية هى البداية وهى النهاية وهى كل شىء.

        الحياة الأخرى ضرورة حتمية منطقية، فلا يعقل ان ينتهى الوجود عند هذه الحياة.  لابد من مكان آخر تتم فيه الأحلام التى لم تتحقق.  لابد من نظام جديد يعوض المسكين عن معاناته ويحقق للمظلوم العدل عن ما اصابه من غبن.  لابد من مكان جديد يكافأ فيه من صنع خيرا واسعد غيره من البشر ويعاقب فيه من صنع شرا وتسبب فى شقاء غيره .  لابد من مكان جديد يسكن فيه الخير والحب والجمال والامان والصدق والبراءة وكل المعانى الجميلة ويختفى فيه الظلم والكذب والخداع والرياء والغش والخيانة وكل المعانى القبيحة.

        احب الحياة رغم كل مآسيها، واؤمن اننى لم اوجد فيها بمحض الصدفة، ولذلك فمن واجبى ان لا أمر عليها مرور الكرام.  اريد ان اتأكد انه عندما تنتهى رحلتى فى هذا الكوكب اكون قد تركت عليه بعض بصماتى.  وبعدها اتطلع الى الحياة الحقيقية، فما مضى كان مجرد ظلال.
Mounir.bishay@sbcglobal.net




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :