التشكيك في إسلام الشيعة
بقلم : د. عبدالخالق حسين
الجزء الثاني
(الطائفية السياسية ومشكلة الحكم في العراق-12)
قلنا أن حملة التكفير ليست جديدة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، ننقل هنا بعضاً مما قاله ابن تيمية، الملقب بشيخ الإسلام، والقدوة الحسنة لشيوخ الوهابية، بحق الشيعة: " من شك في كفرهم فقد كفر". وله أقوال كثيرة أخرى بهذا الخصوص جاءت على شكل مجموعة من الأسئلة والإجابة عليها في كتابه الموسوم: (منهاج السنة النبوية في الرد على الشيعة والقدرية) يمكن تنزيله من الانترنت. وعلى سؤال: "ما قول شيخ الإسلام ابن تيمية في الرافضة؟ (أي الشيعة)". فأجاب: "هم أعظم ذوي الأهواء جهلاً وظلماً، يعادون خيار أولياء الله تعالى، من بعد النبيين، من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان – رضي الله عنهم ورضوا عنه – ويوالون الكفار والمنافقين من اليهود والنصارى والمشركين وأصناف الملحدين، كالنصيرية والإسماعيلية، وغيرهم من الضالين".(منهاج السنة..، ص 20، ج1)(1)
أما بحق غير المسلمين "الكفار" كما يطلقون عليهم، فقال ابن تيمية: "إذا أَقَمتَ في دار الكفر للتّطبّب أو التّعلّم أو التّجارة، فأقم بينهم وأنت تضمر العداوة لهم". وقال أيضاً: "من لم يبغض النصارى والكفار ليس مسلماً". كما وعُرِفَ ابن تيمية بمحاربته للمنطق والعقل، فهو صاحب القول المشهور: "من تمنطق فقد تزندق". أما الشيخ محمد بن عبدالوهاب، مؤسس الحركة الوهابية، فقال في محاربته للفكر: "الفكر والكفر سيان، لأنهما من نفس الحروف".
وإزاء حملة تكفير وتحقير الآخر فلا عجب أن نرى كل هذا الحقد على الشيعة وغير المسلمين، وحرب الإبادة ضدهم، لذلك يعلق الدكتور سعيد السامرائي على هذه الظاهرة قائلاً: [كيف لا والتعليم الطائفي يصل بالناس إلى درجات سافلة جداً من التفكير حتى ظن السني بأن الشيعة يمسخون إلى خنازير (أو ثعالب حسب قول جدتي رحمها الله)! وهذا ليس من قبيل المزاح لأنه مؤسس على تعليم وتنشئة. ولمن لا يصدق أسوق إليه قول المدعو "محمد بن عبدالوهاب" الذي ابتدع الوهابية، قال - جزاه الله بما قال- وهو يكرر مشابهة الشيعة لليهود (!) ما نصه: " ومنها أن اليهود مسخوا قردة وخنازير وقد نقل أنه وقع ذلك لبعض الرافضة – يعني الشيعة- في المدينة المنورة وغيرها بل قد قيل أنهم تمسخ صورهم ووجوههم عند الموت والله أعلم" !!](2)
أما في زماننا هذا فتصاعدت حملة التكفير والتحقير ضد الشيعة وغير المسلمين، فقبيل الحملة الدولية بقيادة أمريكا لإسقاط حكم البعث الفاشي في العراق، أصدر مشايخ الوهابية في المملكة العربية السعودية، عدداً من الفتاوى التكفيرية والتحريضية ضد شيعة العراق، دعوا فيها الشباب المسلم بالتوجه إلى العراق للجهاد في سبيل الله ضد الرافضة ولنصرة أخوتهم أهل السنة!!
وفي عام 2006، أصدر هؤلاء الشيوخ فتوى على شكل بيان قالوا فيه: "بعد قرابة أربع سنوات مرت على احتلال العراق؛ ظهر جليًّا أن الهدف هو الاستيلاء على العراق شراكة بين الصليبيين والرافضة الصفويين؛ تمكينًا لمطامعهم في المنطقة، وحماية لليهود المحتلِّين، وإقصاءً للنفوذ السني فيها، ومحاصرة للسنة في المنطقة كلها؛ لتشكيل هلال شيعي لا تخفى أطماعه ومخططاته، وأصبح العراق بإسلامه وعروبته، وبجغرافيته وتاريخه وثرواته؛ يراد له أن يتبدد وينهب، وأصبح إعلان التقسيم رسميًّا يتوقع في أية لحظة، فللرافضة الجنوب وأهم محافظات الوسط، وللأكراد الشمال، وللسنة ما بقي من أرض الوسط" .
وأضاف المشايخ السعوديون: "ولم تترك أحداث العراق للرافضة الإثني عشرية وأشياعهم من سائر فرق الباطنية من سربال ولا ستر ولا تقية، فقد أظهر الله سرهم علانية، وفضحهم على رؤوس الأشهاد؛ لمن كان له قلب وسلم من الهوى؛ فقد سارعوا في هوى الصليبيين واحتضنوهم وحموا ظهورهم، وتخندقوا جميعًا في حرب العراق وتقسيمه. لقد أثبتوا بصورة عملية كل ما كان مسطورًا عندهم في كتبهم مما كانوا يخادعون المسلمين بعكسه تقية، ففي نشوة النصر لم يتمالكوا أنفسهم، فظهرت أخلاقهم المرذولة، وعقائدهم البغيضة، فقالوا وفعلوا ما يشهد لهم بأنهم أمة واحدة مع تعدد مذاهبهم وبلدانهم وأجناسهم، وأن ما يفعلونه في ديار أهل السنة من بيعة وطاعة ومهادنة، ما هو إلا مداراة ومصانعة حتى تتهيأ لهم الظروف". وقد وقع البيان 38 شيخاً. يمكن الإطلاع على نص البيان وأسماء الموقعين عليه بفتح الرابط أدناه.(3)
ففي الوقت الذي تصرف المملكة السعودية ملايين الدولارات على عقد مؤتمرات الحوار بين الأديان في خارج المملكة، لتجميل صورتها أمام العالم، بينما هي ترفض التسامح مع شيعة المملكة الذين يشكلون نحو 15% من الشعب، ويعاملونهم دون مستوى البشر. وهذا واضح من تصريحات مشايخ الوهابية في السعودية، كما جاء في بيانهم المار ذكره، وكذلك تصريحات الشيخ عادل الكلباني، إمام الحرم المكي الشريف في مقابلة تلفزيونية أذاعتها قناة الـ”بي بي سي” العربية في 15 أيار (مايو) 2009، حينما سأله مقدم البرنامج حول قضية تكفير الشيعة فقال: “تكفير عامة الشيعة (مسألة) يمكن أن يكون فيها نظر، أما بخصوص علمائهم فأرى أنهم كفار، بدون تمييز “.(4)
وهذا الشيخ لم يكن بمقدوره النطق بهذا الكلام التكفيري وعلى رؤوس الأشهاد ما لم يكن كلامه يمثل الخطاب الرسمي السعودي، ومباركة النظام الحاكم له.
أما المتشدد الشيخ ناصر العمر فيشبه السعوديين الشيعة بالمستوطنين اليهود ويصف "حزب الله" بالحزب الفاجر.(5)
كما واتهموا الشيعة بأن لهم قرآنهم الخاص بهم، وأنهم منحرفون. ويذكر المرحوم الشيخ محمد جواد مغنية في هذا الصدد، أنه زار الجامع الأزهر الشريف في القاهرة فلقى رجلاً فسأله الشيخ: "ماذا تعرف عن الشيعة؟"، فرد عليه الرجل: " أعرف أنهم منحرفون". فقال له الشيخ: " وما دليلك على هذا؟"، فرد الرجل: "أنا أعرف ذلك". فقال له الشيخ: "وإذا قلتُ لك أني أعرف أنك منحرف، ماذا تقول؟" فسكت الرجل.(6)
ونتيجة لرمي الشيعة بالشرك والانحراف عن الإسلام، لجأت الأحزاب الإسلامية السنية في أدبياتهم وصحافتهم إلى عدم تسمية الأحزاب الإسلامية الشيعية بالأحزاب الإسلامية، بل أكتفت بتسميتها إما بـ"الأحزاب الدينية الشيعية"، أو "المعارضة الشيعية".
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :