اجري جري الوحوش
بقلم: ميرفت عياد
"سور الصين العظيم" احدى عجائب الدنيا السبعة.. قد يظن بعض الناس أنه تم بناءه من أجل منع طلبة المدارس من "التزويغ" من الحصص.. وقد يظن آخرون أنه تم بناءه لفصل عنصري بين قوم وآخر من الصينين المختلفين عن بعضهم البعض في العقيدة، كنوع من رفض الآخر، وتجنيبه وبعده من أجل عدم رؤية وجهه "العكر".. وقد يظن آخرون أنه تم بناءه كلعبة من الأطفال الصينين، مثل ما يلعب أطفالنا برمل البحر ويبنون قلاع وقصور، ولكن الموضوع كبر معاهم، وبقى سور كبير.. والحقيقة التاريخية تختلف عن كل تلك التخمينات "والفذلكة".. فهذا السور تم بناءه بعد أن توحَّدت "الصين".. وذلك من أجل حمايتها من قبائل البدو.
ومن هنا يتضح أن شعب "الصين".. شعب لا يعرف الهزار أو اللعب أو تضيع الوقت.. وهذا ما جعل نموه الاقتصادي يقفز قفزات لم يسبق لها مثيل في التاريخ.. نعم، هذه هي الحقيقة؛ فالشعب الصيني شعب عمل وإنجاز.. فالصينيون لا يؤمنون بمقولة "من فات قديمه تاه"، ولم يحضروا أشلاء ثقافتهم وعلمهم، ويجلسون بجانب سورهم العظيم يتشدقون ويتفاخرون بحضارة امتدت إلى آلاف السنين وهم مكتوفي الأيدي التي تراخت وعجزت عن صنع أي شئ مفيد.. غير وضعها بداخل قفاز حريري لحمايتها من أقذار الشقى والعمل.. تلك الأيدي الناعمة التي تُفضِّل البطالة والجلوس على القهوة ومسك الشيشة؛ لكي تنفس بها غضب مزعوم من أحوال الدنيا، بل تنفس بها سلبية ولا مبالاة وحماقة وجهل وتراخي وإهمال وفساد استشرى إلى درجة تفوق كل حد..
والسؤال، هل حقًا من فات قديمه تاه، أم من يقتني أفكاره العتيقة، يجدها قد تهرأت من فعل الزمن، ولا تستر جسده النحيل من شدة الجوع؟ ولكنني أحب أن أوضِّح أن تلك الأعجوبة التي يمتلكها الصينيون لا تقدَّر في رأيي بالمعجزة الاقتصادية التي حققتها "الصين" في غضون سنوات قليلة، وليس قرون طويلة.. ولكن "القرون" الطويلة كانت من نصيبنا؛ لأننا نظرنا إلى الحمار كحيوان غبي، مع أنه حيوان خلق للشقاء والعمل، ولم نتعلم منه الإخلاص والتفاني في العمل..
ولكن الصينين استطاعوا أن يعوا الدرس، وأن يؤمنوا ويقدسوا جميعًا قيمة العمل التي تغذِّى بها الأم طفلها مع لبنها.. ولا تغذِّيه على أمثلة خائبة من أمثلتنا؛ مثل المثل الذى يقول "يرزق الهاجع.. والناجع.. والنايم على صرصور ودنه"! والمثل العملاق الآخر الذي يقول: "اجري جري الوحوش.. غير نصيبك ما تحوش". هكذا أمثلة كثيرة تدعو إلى الكسل والتخاذل، والتسليم المريض للقضاء والقدر، يتخيل من يؤمن بها أن الله سينزل عليه من السماء بملاية مليانة بط وز وفراخ وكل خيرات الله! مع أن العمل عبادة.. والنظافة من الايمان.. إلا أننا ننكر هذا كله، وندَّعي التقوى..
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :