جديد الموقع
صلاة فجر العام الجديد
بقلم: حمدي الحناوي
يجدر بنا أن نجعل من العام الجديد عاما مختلفا عن الأعوام السابقة، ولكى ننجح يجدر بنا أن نتعلم من التاريخ. نتعلم من الانتصارات، لكن أعظم الدروس نستخلصها من لحظات الانكسار. فلنتجاوز عصور المجد الغابر ونقفز إلى تاريخنا الحديث، حيث تعرضنا لثلاث انكسارات ونحن نحاول الخروج من العصور الوسطى. وما زلنا نحاول، وهذه شهادة بأننا لم نيأس، وبشارة بأن لدينا إرادة الصمود.
كان التخلف قاسما مشتركا يميز أوضاعنا فى لحظات الانكسار الثلاث. فى عام 1840، تصور محمد على أنه حقق من التقدم ما يسمح له بالوصول إلى أهدافه بالقوة، وفى مواجهة دول أكثر تقدما تبين ضعفه. ولم يكن بوسعه حينذاك سوى قبول معاهدة، كان يعلم أنها تنهى مشروع التقدم الذى تباهى به. وفى عام 1882، كان عرابى قادرا على الصمود فى كفر الدوار عند تحصينات دفاعية ثابتة. وكانت القوات البريطانية أسرع حركة، فغيرت اتجاهها والتفت من الشرق، ووصلت إلى التل الكبير قبل أن يتمكن من إقامة تحصينات ثابتة هناك. ولم يكن غريبا ألا يكون لديه ما يكفى من الوقت وهو ينقل معداته على ظهور الدواب.
لم يكن لمحمد على أن يستسلم مسبقا، ولم يكن لعرابى أن يجبن عن المواجهة، ولكن كان علينا بعد هاتين التجربتين أن نتصرف بحكمة ووعى. إلا أن الانكسار الثالث عام 1967، كان شهادة بأن الزعماء لم يتعلموا. تصوروا أنهم حققوا التقدم بما اشتروه من معدات من دول عظمى، ثم أكدت الهزيمة المهينة أن التقدم لا يشترى ولا يباع. تعطى المقارنة لمحات أقدمها شفاعة للعقول النابهة. يابان القرن التاسع عشر تعطى درسا بليغا، لكننى أود الإشارة إلى يابان القرن العشرين. ضربت بالقنابل النووية، وكان عليها أن تقبل اتفاقيات مهينة وأن تسكت عليها، لتركز على سد الفجوة التكنولوجية، وتعيد ترتيب عناصر قوتها، لتصير أكبر منافس لقاهريها.
لمحة أخرى من الصين، وكان انتصار ثورتها عام 1949، سابقا بثلاث سنوات فقط لانتصار ما سمى عندنا ثورة 1952، وهو فارق زمنى لا قيمة له فى حياة الأمم. وقد احتك بها قادة "ثورتنا" منذ وقت مبكر، والآن أين نحن منها؟ احتك أولئك القادة بالهند أيضا، ولها تجربة فذة بدأت باستخلاص الملح من ماء البحر. كان جديرا بالعقول النابهة أن تدرك من خلال هذا الاحتكاك جوهر عناصر التقدم. وما زلنا نستطيع أن نتعلم ممن حولنا، من تركيا وإيران بل وإسرائيل. ولكن بدلا من هذا ندمن تعاطى الأفكار جاهزة الصنع، نتلقاها من آخرين دون أن نستلهم تجاربنا.
المؤكد أننا نستطيع أن نحصل من الغير على أشياء أخرى بخلاف المعونات، فمتى نستوعب الدرس؟ ما زلنا نظن أن مشكلتنا نقص الموارد، بينما يتجمد جزء ضخم من مواردنا فى مخزون عقارى، ما زلنا نتوسع فيه. ونعانى من أزمات الغذاء ونحن نصدر منتجاتنا الغذائية، ويتبقى لنا فائض من الموارد نستورد به ملايين من سيارات الركوب. ولا نتوقف عن مواساة الفقراء، فنقدم لهم دعما سلعيا يموله عجز الميزانية، وتترتب على ذلك زيادة ارتفاع الأسعار. ولا عجب أن يستمر التخلف ويتسع الفقر، ويستمر الجهل والتعصب.
ستظل الحلقة الناقصة عندنا ناقصة، إلى أن ننزل من سماء الأحلام، ونقف على أرض الواقع الصلبة، ونقبل المخاطرة وندرك ما ينتظرنا من تحديات. وسنفعل هذا بإرادة حرة، لا بأوامر أو إذن من أحد. وسنجدد فكرنا ونتطلع إلى الآفاق البعيدة.
معذرة، لا أعيش فى الأوهام، بل أقدم تحية، أراها صلاة فجر العام الجديد.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :