العمالقة... لا يموتون
رجل عاش من أجل أهله ووطنه، ومات في مسيحيته،
وما زال حيا في قلوبنا
بقلم: د. ميشيل فهمي
في أيامنا هذه، والتي سقط فيها معظم ما هو جميل، وحق، وخير في حياتنا، وسادت ظواهر ضد كل هذا، لم تكن تعرفها مصر المحروسة، الولادة للأبرار من أبناءها من قبل.
افتقدنا نجم الإنسانية الساطع المهندس "عدلي أبادير يوسف"، فعلاً وحقاً (وفي الليلة الظلماء يٌفتقد البدر)، وكان "عدلي أبادير يوسف" نجم الإنسانية الساطع الذي يٌشع كل معاني الخير والعطاء، والبِرّ بأهله ومساندة كل ما هو الحق، وحب كل ما هو الجمال.. مع مُحَاولاته المستمرة لتصحيح الأخطاء، وتعديل مسار المخطئين، حيث كان يتوخي الدقة في كل شيىء..، لِذا لازمه النجاح ورافقه التوفيق في كل حياته مهما جابه فيها ومعها من صِعاب وأزمات وأوقات أكثر من عصيبة، كان هو معنى البر المجسد لأهله وعشيرته، وأبناء جلدته الأقباط، وأبناء وطنه من المسلمين والأقباط على السواء.
كلمتان محوريتان.. ميزتا، حياة عدلي أبادير الجهادية، هما: “الأقباط” و “المواطنة“ بكل ما تحمله هاتان الكلمتان من دلالات ومعانٍ وتصرفات وواجبات بل أعباء أكثر من ثِقال..
“الآقباط“ عنت له معنى واحدًا وهو إنفاق الغالي قبل الرخيص من جهد ووقت ومال وعمر وصحه.. في سبيل رقع نير الاضطهاد عنهم في بلدهم، الذي هاجر منها ولم يفعل مثل الكثيرين، تمتع بماله وحريته في بلاد المهجر أو أصبح بطلاً كرتونيًا مناضلاً بالكفاح الحنجوري فقط، كما يفعل البعض، أو النضال بقلم الخِلاف، لتمزيق شمل وحدة الأقباط المفقودة أصلاً، كما يفعل البعض الآخر..
وعنت “المواطنة“ له؛ أن تسلط ظلها وسيادتها على جميع المصريين على السواء، بصرف النظر عن الهوية أو العرقية أو الدين والجنس.. إلخ.
ارتسمت في تصرفاته وأفعاله وسلوكه، وإنفاقاته خريطة البشرية بخيرها، والإنسانية بحبها.. حتى صار عِملاقًا في العطاء، دون طنطنة دعائية.. فلم يكن يكره في حياته شيئًا قدر كرهه للمديح والنفاق، وكرهه أن يٌعرف عنه أنه يعمل خيرًا أو عشورًا أو بذلاً.. لهذا لا يعرف غالبية الأقباط أنه يندر أن يكون في مصر ديرًا لم يساهم فيه عدلي أبادير بتبرعات غزيرة الأرقام، بماله أو جهده.... وقد لا يعرف الكثيرين أن قبة الكاتدرائية الكبري بالعباسية قد أنشأها بالكامل من حر ماله، دون أن يسأل أحد المساهمة معه أوتقديم المساعدة له،
وقد لا يعرف الكثيرون أيضًا أنه قد أعطى قصر عائلته الكبير ببلدته ليصير مقرا للإيبارشية، وسكنًا خاصًا للأسقف القائم عليها.
وقد لا يعرف الكثيرون أيضًا، أنه في سبيل القضية التي آمن بها، أسس وأنشأ في بدايات عام 2008 قناة فضائية تليفزيونية رائعة باسم “قناة كيمي الفضائية “ لتكون اللسان المرئي والمسموع للأقباط في العالم أجمع، وبدأت بثها التجريبي قويًا مٌبشرًا.. وعندما داهمه المرض بشدة، وكان ذلك في منتصف نفس العام، واتفق معه أبناؤه البررة بتخفيف نشاطاته قليلاً، قرر المهندس عدلي أن يٌسلِم القناة مسددًا متحملاً بجمبع تكلفاتها حتي نهاية العام، إلي المناضل القبطي بالولايات المتحدة الأمريكية المهندس "كميل حليم".
ولما كانت البشرية لم تنجب إلا عدلي أبادير واحد يستحيل استنساخه، كان ذلك بداية نهاية القناة الفضائية “ كيمي”.
وفي ذكرى انتقاله لا نترحم عليه، فقط أن يتغمده رب المجد برحمته، لأنه الآن في أحضان القديسين والأبرار والشهداء، في فردوس النعيم، لأنه استحق أن ينال ثمار الإتجار بوزناته، التي استثمرها أحس استثمار فسمع بحق “ادخل إلى فرح سيدك“.
بغيابه يزداد الإحساس بحضوره..
لأنه حاضر بروحه وفكره، وشجاعة رأيه، وجسارة لفظه.. في موقعه اليومي “الأقباط متحدون“ الذي يطل علينا كل صباح بإطلالة تحمل بصمة عدلي أبادير بصورته بل بنبضه ودمه، المتمثل في بناته وأبناءه الروحيين المتشبعين بعبق فكره، والمتسربلين بنسيج سيرته.
فعدلي أبادير يوسف..علامة فارقة في مسيرة الأقباط الصعبة لنيل حقوقهم.. لأنه كان أول من بادر بتنظيم مؤتمر دولي بزيورخ في 23 سبتمبر 2004، تحت عنوان “مسيحيون تحت الحصار“ حضره عدد كبير من الناشطين الحقوقيين والمثقفين والإعلاميين.. باستضافة كاملة من المهندس النضالي عدلي أبادير... وكانت الشرارة التي انطلق منها النضال القبطي الحقيقي بهذا المُحرك الأعظم المهندس عدلي.
في النادر القليل ما تمنح البشرية الدنيا بشرًا مثل الإنسان عدلي أبادير يوسف.
وُلِد عدلي أبادير معطاءً.. فصار للعطاء،.. عِملاقًا.
وُلِد عدلي أبادير مُحِباً........فصارللمحبة،....عِملاقاً.
وُلِد عدلي أبادير شُجاعًا.. فصار للشجاعة،.. عِملاقًا.
لِذا فالعمالقة لا يموتون.
لذا فأنت.. حي في قلوبنا.. وحياتنا.. للأبد.
مع كامل وتام الاعتذار، حيث لا تفي الكلمات وتعجز الألفاظ لوصف هذا الشامخ بكبرياء التواضع.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :