الأقباط متحدون | فبَكَت أُمّي
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٧:٢٢ | الاثنين ٣ يناير ٢٠١١ | ٢٥ كيهك ١٧٢٧ ش | العدد ٢٢٦٥ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

فبَكَت أُمّي

الاثنين ٣ يناير ٢٠١١ - ٠٦: ٠٩ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: مينا ملاك عازر
كان من المفترض أن يُنشَر هذه المقال تحت عنوان "الدنيا البامبي" في أول أيام العام، ولكن للظروف التي جرت في "الإسكندرية"، تم وقف نشر المقال لعنوانه المستفز في رأيي وعدم مناسبته الظروف من وجهة نظر إدارة الجريدة، وهي وجهة نظر أتفق معها تمامًا. وكنت قد اتفقت معهم على تأجيل المقال حتى يأتي الوقت المناسب، لكنني فجأة قرَّرت العدول عن العنوان، والتعديل في المقال ليصر ملائمًا للأحداث؛ وذلك لحدوث أمر بسيط لا تتخيله حضرتك. فقد دق جرس الهاتف في منزلنا، وأعلن عن رقم من خارج مصر، وظننته "أشرف" ابن عمي، وردَّت أمي ففوجئت بصوت الدكتور "مؤنس" يقول لها: تعازينا والبقية في حياتكم..
 
يتصل الدكتور "مؤنس" من خارج "مصر"، وبالتحديد من دولة "الإمارات العربية المتحدة" ليعزينا في مصابنا المؤلم في كارثتنا المحزنة.. وهنا بكت أمي ولم تتمالك أن ترد عليه، وأعطتني التليفون لأحدثه، ثم سرعان ما تمالكت  نفسها، وأخذت الهاتف، واستمرت تكلِّمه مكالمة تليفونية طويلة يواسيها فيها، ويتناقشا حول الموقف، وأبدى استعداده الكامل والصادق للنزول لـ"مصر" للتبرع بدمائه للمصابين في الحادث الإرهابي،  وانتهيا من كلامهما، وعدت أتحدث للدكتور "مؤنس" الذي قال لي بالحرف الواحد: إن من فعل ذلك مريض ومجنون، ولا أعني المختل الذي يتحمل تبعيات كل حدث سابق، ولكنه يرى أن الإنسان إما أن يكون متسامحًا أو لا إنسان، وبالتالي منْ فعل ذلك هو ليس بإنسان، ومن تعاطف مع منْ فعل ذلك هو ليس بإنسان.. والدكتور "مؤنس" لمن لا يعلم هو أستاذي، ولك قصتي معه، وقصتي مع أساتذتي:
 
عزيزي القارئ، تعالى ننظر معًا للنصف الملآن من الكوب.. النصف الملآن بحق.. انظر للإنسان المصري الأصيل الذي يعرف ربنا ويحب وطنه ويحب من حوله، الذي لم تغيِّره الكراسي، قوي النفس، الذي لا تغريه المغريات أو تؤثِّر فيه أو تغيِّر من معدنه، صاحب المعدن الأصيل.. نعم، سأحدثك عن الدكتور "محمد مؤنس عوض" أستاذي في الفرقة الثالثة من كلية الآداب قسم التاريخ.
 
انتبه عزيزي القارئ، أنا لا يربطني بالدكتور "محمد مؤنس" إلا كل خير الآن، فهو ليس مشرف على رسالة الدكتوراة التي أعدها، ولم يكن مشرفًا على رسالة الماجستير التي ناقشتها؛ فتخصصه في التاريخ الوسيط، غير تخصصي في التاريخ الحديث، ومن ثم فأنا ليس لي مصلحة في معرفتي به وهو كذلك. لكن ما يربطنا، حبنا للعلم ولبعضنا البعض، واحترام متبادل نشأ عن اختلاف جرى بيني وبينه في الفرقة الثالثة. أقول لك اختلاف بين دكتور وطالب، تقبَّله الرجل بكل إيبساء وشمم وهدوء وثقة بالنفس، ثم راجعه، ولما أكتشف إنني على حق، أعلن أمام كل الطلبة بذلك، متأكدًا من أن ذلك يزيده رفعة في عيون الآخرين، ولم يكتف بذلك، بل قدَّم لي كتابًا هدية ممهور باسمه، وبكلمات تفيض حبًا واحترامًا لشخصي الضعيف. ومن يومها تعارفنا، واتصالاتنا التليفونية لم تنتهي، بل إنه حضر من دولة "الإمارات" حيث يعمل الآن؛ ليحضر رسالة الماجستير التي ناقشتها، وكان واقفاً بجواري أثناء تلاوة قرار لجنة المناقشة، وكان معه ابنته العزيزة والأخت الكريمة على قلبي. ولم يكتف الدكتور "مؤنس" بوقوفه بجواري أثناء تلاوة القرار، بل أخذني من يدي وصعد معي للمنصة حيث تجلس اللجنة لمصافحتهم فردًا فردًا، حتى أن الأستاذ الدكتور "محمد عبد الوهاب"- أستاذ التاريخ الحديث، والمشرف على رسالتي- أمسك بالمايك بعد أن كانت كل المراسم قد انتهت، ليوجه كلمات شكر للدكتور "مؤنس"، موضحًا للكل أنه يمثل لي أبًا، ومهتم بحياتي العلمية، ولم يكن ذلك يضايق الدكتور "محمد عبد الوهاب"، والذي لم ينكر فضل زميله الدكتور "مؤنس" على تلميذه، وكيف له ذلك، وهو الآخر رجل محترم يعرف قدر نفسه، واثق بها، لا يبحث عن مجد زائل، قلبه ملآن حب لوطنه ولمن حوله؟ بل أستطيع أن أقول أنه حب للجميع.
 
ولم يكتف الدكتور "مؤنس" بما تقدَّم، بل كان أول من تلقوني فور نزولي من السيارة التي أقلتني إلى الكنيسة يوم خطبتي وهنأني، وكان معنا كواحد من العائلة.. كان سعيد سعادة بالغة، وابنته العزيزة التي رافقته في حضوره لطقس الخطبة حتى نهايته.
 
ويحق لي الآن أن أتحدث عن الدكتور "محمد عبد الوهاب"، لا كمشرف سابق على رسالة الماجستير؛ حيث إنني انتهيت من مناقشة الرسالة منذ أكثر من عام، ولم أسجل رسالة الدكتوراه تحت إشراف سيادته لسفره للخارج للأسف، وهذا الرجل علَّامة في تخصصه، متميز بعلاقات إنسانية راقية، مبدع، أخلاقه عالية، أدبه جم، تشعر بأنك تعامل واحدًا من عصر النبلاء، نبيل في كلامه، في أفكاره، متواضع، ممتع في حواره السياسي والثقافي، ملم بكثير من المسائل التي تخص مجال دراسته، يقبل رأيك إن اختلفت معه، ولا يسفِّهه، ويناقشك، وإن لم يقنعك يتركك تقول ما شئت، بل ويدافع عن حقك في إبداء رأيك الذي لا يقبله.
 
وكما هو الحال مع الدكتور "مؤنس"، هو حالي مع الدكتور "محمد عبد الوهاب"، الذي لازالت صلتي به رغم سفره إلى دولة "الإمارات العربية المتحدة" متواصلة؛ ففي كل عيد أضحى وفطر ومولد نبوي ورأس سنة هجرية أتصل بهما لأعيد عليهما، وهما أيضًا في كل مناسبة تخصني يتصلان بي للتعييد عليَّ، ناهيك عن اتصالات متواصلة لأناقشهم في أي شيء، ولنطمئن على بعضنا البعض، نحب بعضنا، ونقدِّر بعضنا، وأشعر منهم بالثقة فيَّ، وأثق في آرائهما التي تُقدَّم لي، واثقًا أنها آراء تتمنى لي كل حب وخير، وتُقدَّم بدون أي مصلحة، ولا أغراض شخصية. بل إنهما يتواصالان مع والدتي ومع كل أسرتي، وأنا كذلك أتابعهم وأطمئن عليهما دائمًا.
 
وليسامحني كل من الدكتور "إبراهيم جلال"، والدكتورة "صباح" على عدم الإشارة إليهما، فشهادتي لهما شهادة مجروحة؛ حيث إنهما يُشرفا عليَّ الآن أثناء تحضيري رسالة الدكتوراة، ولكن قبل أن أنهي مقالي، اسمحوا لي أن أوجِّه خالص الشكر والتقدير والتحية للدكتور "فاروق جاويش"- أستاذ التاريخ الحديث بجامعة الأزهر- الذي شارك في لجنة مناقشة رسالة الماجستير، والذي لازلت على علاقة جيدة معه للآن. وكما أظن أن أحدًا ممن وجهت لهم الشكر، وسردت لحضرتك عنهم، لن يقرأوا هذه المقالة، مما يزيد هذه المقالة قيمة لديَّ؛ لأنني أكتبها ليس مجاملاً لأحد، ولكن فقط عرفانًا بالجميل، ولأزيد لحضرتك جرعة الأمل أن هناك بـ"مصر" رجالاً مثل هؤلاء.
 
فَتَحِيَّة مني عبر جريدتنا "الأقباط متحدون" لكل مصري يسلك هكذا، للمصري الحقيقي الأصلي والأصيل. تحية لمصرنا التي نحبها هكذا، ونحاول تعديل سلوك من هم ليسوا هكذا.. مصر وطننا الذي فيه أحبائنا وأصدقائنا وأقاربنا وأخواتنا وأساتذتنا.
وأخيرًا، أتمنى عزيزى القارئ، أن أكون قد وُفِقت في تقديم صورة أفضل لـ"مصر"، آملاً أن أكون بها قد ساهمت في زيادة الأمل لديك، وتعمَّدت تقديمها لك بعد تلك الأحداث لإحياء الأمل في "مصر" وفي غد أفضل بإذن الله، وكل عام ومصر طيبة بأهلها.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :