أن تكون متدينًا
بقلم: محمود يوسف بكير
كل ما هو إلهي، نور وسلام ومحبة، وليس ظلام وغدر وكراهية. أقول هذا لمن خطَّطوا ونفَّذوا الهجوم الدنيء على أشقائنا الأقباط المصلين في كنيسة القديسين بـ"الإسكندرية"، ومن قبلها على أشقائنا المسيحيين في كنيسة سيدة النجاة في "العراق" منذ حوالي شهرين.
هؤلاء المتطرفون حسبوا أنهم في مهمة دينية، وأنهم يقدِّمون أرواح هؤلاء الأبرياء قربانًا إلى الله، وأن جزاءهم الجنة! وهم يؤمنون بأنه يتعين على جميع البشر أن يكونوا مسلمين، حتى ولو استدعى الأمر استعمال القوة والقتل. ونسوا أن الله يقول: "ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة"، وإنه يقول: "لا إكراه في الدين"، ويقول: "ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنَّا نصارى".
إن المتطرفين في كل الأديان، هم عادةً أقل الناس فهمًا لدينهم، ناهيك عن ديانة الآخرين. والمتطرف الديني لا يرى إلا اللونين الأسود والأبيض، ولا يؤمن بالاختلاف؛ فإما أن تكون معه أو ضده. وهو يكره حتى أبناء دينه ممن يؤمنون بالاعتدال والتنوع وحرية الاعتقاد، ويتهمهم بالضلال والانحراف عن صحيح الدين، وفقًا لفهمه السقيم.
لابد أن نعترف أن التطرف الديني أصبح مشكلة خطيرة في "مصر"، وهي في تفاقم، خاصةً مع انخراط بعض المثقفين والبرامج التليفزيونية في إزكاء نارها، سواء بحسن نية أو نية مبيتة.
وقد كنت في "مصر" أثناء الهجوم الغادر، ولاحظت أن الحساسيات الدينية بين المسلمين والأقباط تتجه من سيئ إلى أسوأ، وسط الأوساط الشعبية وأدعياء التدين، بينما لازالت العلاقة بين الطرفين علاقة ممتازة، وتسودها المحبة والاحترام والمجاملات في الأوساط الثقافية والفنية، وهو ما يرجِّح أننا إزاء مشكلة ثقافة دينية مشوَّهة.
ولن أمل من تكرار مقولتي، إن تركيزنا على الخلافات الدينية لن يوحِّدنا أبدًا، وإنما هي الإنسانية التي توحِّدنا. ولذلك يتعين على أجهزة الإعلام والمؤسسات الدينية لدى الدولة، أن تقوم بحملة تنوير، وأن تؤكِّد وتكرِّر أن الدين مسألة شخصية، وأنه لا يحق لأحد أن يهاجم معتقدات الآخرين علنًا، أو أن يحاول فرض معتقداته أو فهمه الخاص للدين على الغير. وقتها سوف نتمكن من العيش المشترك في محبة وسلام واحترام، كما كنا عبر القرون الماضية.
إنني أسأل هؤلاء المتطرفين: هل أصبحت البطولة هي الهجوم على كنيسة تضم أناسًا أبرياء يصلون إلى الله؟
هل أصبح الجهاد في سبيل الله هو قتل الأبرياء العُزَّل غيلة؟
إن ما قمتم به لا يشرِّف أي مسلم، ولا يشرِّف أي دين، ويمثل إساءة بالغة للإسلام والمسلمين.
إن المتدين الحق هو إنسان نزيه وأمين ورحيم، ويحمل على عاتقه مسئولية كبيرة نحو كل ما هو حوله، سواء كان إنسانًا أم حيوانًا أم نباتًا أم طبيعة. إن المتديِّن الحق لا يقتل ولا يعتدي بغير حق على كل ما سلف، ولا يستضعف الآخرين أو يستخدم الكثرة العددية لإرهابهم أو إذلالهم. إن المتديِّن الحق يمد يده للضعفاء لمساعدتهم ونصرتهم، لا لقتلهم والتنكيل بهم.
إنني أتقدَّم بخالص العزاء لكل إخوتي وأخواتي الأحباء أقباط "مصر" ومسيحيو "العراق"، وكل مسيحي في العالم العربي تعرَّض لأي نوع من الاضطهاد أو الإرهاب.
وإنني لأدعو الله أن يشملكم برعايته من كل سوء، وأن يحفظكم لأوطانكم، وأن يُهدي هؤلاء المتطرفين إلى الفهم الصحيح للدين الإسلامي.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :