الدفاع عن الحق.. واجب وايمان
بقلم: القمص أفرايم الأورشليمي
التحديات والحلول
المستمع إلى الأخبار القادمة من "مصر" خاصة، ومن العالم من حولنا، يُصدم ويُصاب بالكآبة مما يراه ويشاهده من قتل، وتمييز، وظلم من الإنسان لأخيه. ولأن الله لا يحب الظلم، ويطالبنا بالعدل "هكذا قال الرب: اجروا حقًا وعدلاً وانقذوا المغصوب من يد الظالم، والغريب واليتيم والأرملة. لا تضطهدوا ولا تظلموا ولا تسفكوا دمًا زكيا" (أر 22 : 3)، وجب علينا الدفاع عن المظلومين، والتنبيه على أهمية معالجة قضايانا ومصيرنا المشترك ومستقلبنا الأمن.
عندما زاد الشر قديمًا، أتى الله بطوفان على الأرض " ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، وأن كل تصوُّر أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم" (تك 6 : 5). فإننا عندما نرى مدى الظلم، فإننا نحذِّر من خطر الطوفان والدمار القادم، ونحذِّر الظالم ليرجع عن ظلمه، كما حذَّر "دانيال" النبي "نبوخذ نصر" الملك قديمًا "فلتكن مشورتي مقبولة لديك، وفارق خطاياك بالبر، وآثامك بالرحمة للمساكين لعله يطال اطمئنانك" (دا 4 : 27). ونحذِّر الظالم من نتائج ظلمه "وأما الظالم فسينال ما ظلم به وليس محاباة" (كو 3 : 25). وفي اليوم الأخير، نجد الله يقول لفعلة الظلم: "أقول لكم: لا أعرفكم من أين أنتم؟ تباعدوا عني يا جميع فاعلي الظلم" (لو 13 : 27).
إننا في مواجهة تحديات الحياة، يجب علينا أن نعمل معًا من مختلف الحضارات والأديان والأعراق، على التعاون والتكاتف، والسعي للتغلب عليها بروح الإخوة الإنسانية، والعمل على خلق فرص حياة أفضل لنا وللغير. وهذا هو المقياس العملي لإظهار مدى رقي وتقدُّم الإنسان والأمم.
إننا نواجه تحديات الفقر والمرض والجهل والتخلف والبطالة وحقوق الإنسان وانتهاكاتها، وعلينا جميعًا العمل والتكامل في خلق حياة أفضل على كوكبنا ولإخوتنا في الإنسانية من كل أمة ودين وعرق.
حقوق الإنسان والدفاع عنها
إن حقوق الإنسان والدفاع عنها بكل الوسائل المشروعة، حق للإنسان وواجب على النظام السياسى القائم أن يكفله، كما تنص سائر المواثيق الدولية. وحق الإنسان في حياة حرة كريمة، وحرية الاعتقاد والرأي والتنقل والعمل وعدم التمييز الديني أو العرقس، والمساواة في العمل وأمام القضاء- كلها من الحقوق التي كفلتها الدساتير، وإن كان هناك هوة شاسعة بين النصوص والواقع العملي فى الكثير من الدول.
إن حق الفرد في الدفاع عن حقوقه المسلوبة، ورد الظلم والدفاع عنه بكل الوسائل المشروعة، سواء بالتقاضي أو الكتابة وفضح الظلم، أو بالالتجاء إلى المحاكم المحلية والدولية، وحقه في الدفاع عن النفس والأرض والعِرض، حق وواجب. كما نعلم أن الحقوق عبر التاريخ لا تُعطى كهبات، بل تحتاج إلى عرق وجهاد ومطالبة وتضحيات.
لقد دافع السيد المسيح عن نفسه عندما لُطم في محاكمته الظالمة "أجابه يسوع: إن كنت قد تكلَّمت رديّا فاشهد على الردي، وإن حسنًا فلماذا تضربني؟" (يو18: 23). خلال أشهر محاكمة ظالمة عبر التاريخ، رد السيد المسيح بشجاعة على التهمة الملفقة من رئيس الكهنة ضده، بأنه دعى في تعاليمه إلى عصيان القيصر، بقوله لرئيس الكهنة "لماذا تسألني أنا؟ اسأل الذين سمعوا ماذا كلمتهم؟ هوذا هؤلاء يعرفون ماذا قلت أنا". وكأن السيد المسيح يقول بصراحة: إن هذه تهمة ملفَّقة وكاذبة بدون دليل على هذا في تعاليمي، وبما إنك لم تصدِّقني، فاسأل الجماهير الغفيرة التي سمعتني.
إن السيد المسيح الوديع المتواضع الذي جاء عنه: "فتيلة مدخنة لا يطفئ" و"كان يجول يصنع خيرًا"، إلا أنه كان ضد الظلم والرياء، كان حادًا وقويًا مع الظالمين، وكان شاهدًا أمينًا على عصره، أدان الظالمين إدانة واضحة، ولم يكن السيد المسيح وديعًا مع الظالمين، قال عن "هيرودس": "امضوا وقولوا لهذا الثعلب"، ووصف الكتبة والفريسيين بأنهم "حيات أولاد أفاعي" وأنهم "كالقبور المبيضة من الخارج وفي داخلها عظام منتنة"، وإنهم "مراؤون"، وإنهم "قتلة الأنبياء".
إننا في دفاعنا عن حقوقنا، لا نعتدي على أحد، ولا على ممتلكات الغير، أو حتى الممتلكات العامة. ولا نقول رديًا في حق أحد؛ فهذا ليس من تعاليمنا، ولا نخرج عن تعاليم المحبة والحق والايمان، بل في شجاعة وهدوء نطالب بالمساواة في أرض الأجداد والآباء، وبحق المواطنة المتساوية مع إخوتنا المسلمين، ونقول لهم: إن الدين المعاملة، وإن دينكم يقول لكم إننا الأقرب مودة لكم "وَلَتَجدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُون". إن من يؤذي مسيحيًا يؤذي رسول الإسلام، ويكون هو خصمه يوم القيامة كما جاء في الأحاديث. نحن شركاء في الماضي والحاضر والمستقبل، ولابد أن نحيا معًا في محبة وتعاون واحترام متبادل، نصون العيش المشترك وننميه، ونعمل على بناء مجتمع يسوده العدل والمساواة.
عندما نثور مطالبين برفع الظلم بكل الوسائل المشروعة، فإننا أيضًا نتوقَّع أن تُستجاب مطالبنا من النظام الحاكم، ونجد الدعم من إخوتنا المسلمين في الوطن؛ حرصًا منا على مستقبل بلادنا الآمن والمستقر. وما السكوت على الظلم إلا تشويه لسمعة الوطن، وتعجيل بالخراب والدمار.. ألم يوبِّخ القديس "بولس الرسول" وينهر رئيس الكهنة عندما أمر بضربه على فمه؟ ورفع دعواه إلى "قيصر روما" أعلى سلطة رومانية، واحتج قائلاً: "سيضربك الله أيها الحائط المبيض، أفانت جالس تحكم على حسب الناموس، وأنت تأمر بضربي مخالفًا للناموس؟". (أع 3:23).
وطنيتنا مدعاة للفخر والإعجاب
كان القبطي عبر تاريخ "مصر" الطويل مشهودًا له بحب بلاده، والدفاع عنها، والذود عن سمعتها، والعمل على رفعتها. ولقد رفضنا التدخل الخارجي بهدف حماية حقوق الأقباط عبر التاريخ الطويل، وشارك القبطي في الزود عن بلاده مع أخيه المسلم ضد الغزو الخارجي. ولكن عندما نرى أن حقوقنا تُنتهك، وقوات الأمن المركزي تنتهك حرمة كنائسنا، ولا نجد أي وسيلة قانونية لبناء بيتًا للصلاة يُعبد فيها الله. وعندما يتم قتل القبطي في بيت الصلاة وفي المواصلات العامة لأنه مسيحي، ونرى التمييز العنصري البغيض في التعليم والإعلام، وعندما تُجبر بناتنا وأبنائنا على تغيير ديانتهم بالترهيب والترغيب والتعذيب، وعندما تُحرق منازلنا بمن فيها من أناث وأطفال وحيوانات في "الكشح" وغيرها، ويهرب المعتدون من يد العدالة! وعندما يُهجَّر أبناء القرى قسرًا لأنهم مسيحيون، وعندما تُغلق بيوت العبادة بحجج واهية، وعندما نُهاجم من خلال الميكروفونات نهارًا وليلاً، ونُتَّهم بالكفر والضلال، ويُتهم كتابنا المقدس بالتحريف!! ماذا نفعل؟ أفتونا يا ذوي الحكمة والقلوب المؤمنة!
نحن نعطي الفرصة للآخرين للتهجُّم علينا، وإتهامنا بالجهل والتخلف، وعدم قبول الآخر، وعدم المساواة والظلم. ونشهد على أنفسنا بأننا ظالمون ولحقوق الغير منتهكين، ولحسن الجيرة غير مراعين. إننا نرفع صلواتنا أولاً إلى إله السماء، مطالبين بالعدل والإنصاف، وأن يتدخل لرفع الظلم عن المظلومين والدفاع عنا. وهو حاكم عادل للظلم لا يستكين. ونطالب بحقوقنا المشروعة بكل الطرق القانونية المتاحة، ونفضح الظلم والظالمين، وندين الظلم، ونقول: "ينبغي أن يُطاع الله أكثر من الناس".
ومع إدانة الظلم، والسعي لإقامة العدل، وفي كراهيتنا ومقاومتنا للظلم، لا نكره أحد، ونحب الجميع، ولاسيما إخوتنا في الوطن والماضي والمستقبل. إن دفاعنا عن حقوقنا واجب وحق ورسالة ايمانية وإنسانية وحضارية راسخة، ولكنها لابد أن تتزايد مع مشاهداتنا لما نعانيه من تزايد الظلم والاضطهاد. إننا نرفع دعوانا أيضًا إلى كل المسئولين، ولكل ذي حكمة وضمير حي وايمان بالله والوطن؛ لرفع الظلم، وإقامة العدل. فمتى انصلح البيت من الداخل، لن يجد أحد في الخارج- في ظل الإعلام المفتوح- وسيلة لمهاجمتنا أو إتهامنا بما ليس فينا. ولا نحتاج إلى أوراق التوت لتغطية عوراتنا والصراخ في وجه الآخرين مطالبين إياهم بعدم التدخل في شئوننا.
نثق في الله، وفي إنه لدينا من الحكمة ما يكفي.. وياليت يكون لنا الشجاعة في معالجة الخلل والتقصير والأهمال قبل فوات الأوان..
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :