إذا الشعب يومًا أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر
بقلم: حازم محمد البساطى
(تحية للشعب التونسى الملهم )
ما أورع أن تستعيد الشعوب حريتها فتكسر القيود التى حَسبت أنها لا تنكسر وتسترد الحياة التى لم تنتهي، حييت ما حييت فلم أشاهد مشهدًا يشعرنى بالأمل والزهو وبقدرة الشعوب -وعلى وجه الخصوص العربية- أن تسطر مصائرها وترسم مستقبل أبنائها كمشهد إنتفاضة الشعب التونسى، ما أروعك أيها الشعب التونسى فقد ضربت المثل والقدوة وكنت المنار لظلمات حَسبت أنها لن تنكشح.
فيبدو أن عام 2011 هو عام الأستفاقة العربية من الثُبات العظيم ، تقدم الشعب التونسى المسيرة وقادها ليكتب التاريخ أروع ملاحم الشعوب العربية فى العقود الأخيرة العجاف.
نعم قدم الشعب التونسى درساً وعيته الشعوب العربية وحكامها وأثبت أن ليس هناك مستحيل فكما أطاح الجيش المصرى فى رائعة أكتوبر 73 بأسطورة خط بارليف الحصين أطاح الشعب التونسى بأسطورة نظام الحاكم الديكتاتورى العربى الجالس على عرشة حتى يقبض قابض الأرواح روحه، نعم تغير المفهوم وأصبح بالبرهان التونسى أن الشعب قادر على قبض روح الطاغية قبل أوانها وأن السيادة أولاً واخيراً للشعب لا للفرد ، وأن الحرية قادمة لا محال طالما طمحت للحياة النفوس فلابد من أن يستجيب القدر.
فقد أصاب الشاعر أبو القاسم الشابى "التونسى" عندما نظم قصيدة "إرادة الحياة " فى عام 1933م، والتى تُعدّ من أشهر القصائد في الشعر العربي الحديث استُخدمت أبيات من القصيدة في النشيد الوطني التونسي ، فكأنه ألهم الشعب التونسى بجميل أبياته فاستجاب القدر عندما أراد الشعب الحياة، فرأيت أن أقل تحية للشعب التونسى على إعادة الحياة والكرامة للشعوب العربية هى قصيدة "إرادة الحياة" ولعلها تكون ملهمه لكل شعب يطبق على أنفاسه حاكم مثل زين العابدين وحاشيته:
إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر
ومن لم يعانقه شوق الحياة تبخر في جوها واندثر
فويل لمن تشقه الحياة من صفعة العدم المنتصر
كذلك قالت لي الكائنات وحدثني روحها المستتر
ودمدمت الريح بين الفجاج وفوق الجبال وتحت الشجر
إذا ما طمحت إلى غاية ركبت المنى ونسيت الحذر
ومن لا يحب صعود الجبال يعش ابد الدهر بين الحفر
فعجت بقلبي دماء الشباب وضجت بصدري رياح أخر
وأطرقت أصغى لقصف الرعود وعزف الرياح ووقع المطر
وقالت لي الأرض لما سالت : " يا أم هل تكرهين البشر ؟"
" أبارك في الناس أهل الطموح ومن يستلذ ركوب الخطر
وألعن من لا يماشي الزمان ويقنع بالعيش ، عيش الحجر
هو الكون حي يحب الحياة ويحتقر الميت مهما كبر
فلا الافق يحضن ميت الطيور ولا النحل يلتم ميت الزهر
ولولا أمومة قلبى الرؤوم لما ضمت الميت تلك الحفر
فويل لمن تشقه الحياة من صفعة العدم المنتصر "
وفى ليلة من ليالى الخريف مُثقله بالاسى والضجر
سكرت بها من ضياء النجوم وغنيت للحزن حتى سكر
سألت الدجى : هل تعيد الحياة لما أذبلته ربيع العمر ؟
فلم تتكلم شفاة الظلام ولم تترنم عذارى السحر
وقال لي الغاب في رقة محببة مثل خفق الوتر
يجيء الشتاء شتاء الضباب شتاء الثلوج شتاء المطر
فينطفئ السحر سحر الغصون وسحر الزهور وسحر الثمر
وسحر السماء الشجي الوديع وسحر المروج الشهي العطر
وتهوي الغصون وأوراقها وأزهار عهد حبيب نضر
وتلهو بها الريح فى كل واد ويدفنها السيل أنى عَبر
ويفنى الجميع كحلم بديع تألق في مهجة واندثر
وتبقى البذور التي حُملت ذخيرة عمر جميل عبر
وذكرى فصول ورويا حياة أشباح دنيا تلاشت زُمر
معانقة وهي تحت الضباب وتحت الثلوج وتحت المدر
لطيف الحياة الذي لا يمل وقلب الربيع الشذي النضر
وحالمة بأغاني الطيور وعطر الزهور وطعم الثمر
وما هو إلا كخفق الجناح حتى نما شوقها وأنتصر
فصعدت الأرض فوقها وأبصرت الكون عذب الصور
وجاء الربيع بأنغامه واحلامه وصباه العطر
وقبلها قبلا فى الشفاه تعيد الشباب الذى قد غبر
وقال لها : قد مُنحت الحياة وخلدت فى نسلك المدخر
وباركك النور فاستقبلى شباب الحياة وخصب العمر
ومن تعبدُ النور أحلامهُ يباركهُ النور أنى ظهر
إليك الفضاء ، إليك الضياء إليك الثرى الحالم المزدهر
إليك الجمال الذى يبيد إليك الوجود الرحيب النضر
فميدي كما شئت فوق الحقول بحلو الثمار وغض الزهر
وناجى النسيم وناجى الغيوم وناجى النجوم وناجى القمر
وناجى الحياة وأشواقها وفتنة هذا الوجود الأغر
وشف الدجى عن جمال عميق يشب الخيال ويذكر الفكر
ومد على الكون سحر غريب يُصرفه ساحر مقتدر
وضاءت شموع النجوم الوضاء وضاع البخور ، بخور الزهر
ورفرف روح غريب الجمال بأجنحه من ضياء القمر
ورن نشيد الحياة المقدس فى هيكل حالم قد سحر
وأعلن فى الكون أن الطموح لهيب الحياة وروح الظفر
إذا طمحت للحياة النفوس فلابد أن يستجيب القدر
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :