احنا منك مش إرهاب
كتبت: سحر غريب
اختاروه من داخل كل بيت حتى يكون زيتنا في دقيقنا، وحتي يفكر كل مواطن يرغب في التعبير عن رأيه في هذا الذي سيقف درعًا بشريًا ليحمي بدمائه الحكومة غير الرشيدة، ألبسوه الأسود وألقوا به كساتر بشري يحميهم ويحمي تسلطهم وفسادهم.
ألقوا به بيننا وأفهموه أن هؤلاء المتظاهرون هم أعدائه الألداء فعليه بهم، اعتبروه كائنهم الخرافي المتوحش الذي يستطيع بعصايته وقنابله المسيلة للدموع وخراطيم المياه أن يفرق المتظاهرين ويمنع عنهم الغضب الكامن داخل كل صدر مصري، اعتمدوا عليه ولم يعتمدوا علي قرارات رشيدة أبسط ما يمكن في مقدرتها تهدئة شغب المواطنين الغاضبين وإنهاء تجمعاتهم واعتصاماتهم.
عاقبوا رجل الأمن الذي لم يستطع منع انتحار مواطن كان يرغب في الانتحار أمام مجلس الشعب، واعتبروا تأخره عن منع الانتحار جريمة منكرة فأوقفوه عن العمل، رغم أن هذا المنتحر هو جريمتهم النكراء وليس جريمة أحدًا غيرهم، فمساوئ حكومتنا هي التي وضعت البنزين والكبريت بين أصابع المواطن، وتسببت في رفضه للحياة في هذا المجتمع، وتفضيله للموت علي المعيشة في وطن فاسد.
تخيلت الحكومة أن لابسي الأسود يكفون لامتصاص غضب الشارع في يوم الغضب! ونام وزراؤنا تحت البطاطين دافئين ناعمين، والشعب يصب جام غضبه علي عسكري أو ظابط أمن لا حول له ولا قوة، ينفِّذ تعليمات عليا وأوامر لا يستطيع غير تنفيذها.. هتف الشعب في المظاهرات، وقالوا: "ياأبو دبورة ياأبو كاب احنا منك مش إرهاب"؛ محولة منهم في كسبهم لصفوف مظاهراتهم.
تركت الحكومة الشعب يغلي ويثور، وعندما حاولت التهدئة كانت كمن يلقي بالبنزين علي النار، متخيلاً نفسه يستخدم ماءًا رائقًا نقيًا. قالوا كلامًا مستفزًا لا يصدقه شعب في كي جي وان حضارة.. أكَّد "صفوت الشريف" أن من خرج في المظاهرات لا يعدو إلا أن يكون عددًا قليلاً لا يُذكر من بين (86) مليون مواطن صامت، وكأنه ينتظر حريقًا هائلاً يشعله الشعب كاملاً حتى يتفهم طبيعة الكارثة، وكأن العدد الغفير الذي خرج يعلن الرفض غير كاف لسيادته ولمكانة سيادته.
اعتبرت الحكومة- باسم متحدثها الرسمي- أن المتظاهرين هم فئات مندسة على الشعب المصري، يقودها الإخوان والقوي الخارجية والمعارضة المُغرضة، رغم أننا تابعنا من شرق البلاد لغربها المظاهرات على الهواء مباشرة، ورأينا فيها شبابًا عاديًا مثلنا مثله، يلبس ملابسنا ويتحدث بحديثنا ويتكلم بلسان حالنا، ويطالب الحكومة بمطالبنا.
اعتبرت الحكومة أن الحديث عن المطالب السياسية غير المشروعة من وجهة نظرهم الخاصة، لا يمكن أن تكون مطلبًا جماهيريًا. فالشعب لا يفهم في السياسة، وهو ما يعتبر سُبة في جبين شعب "مصر"! فشعب "مصر" فهم أن الانتخابات قد تم تزويرها على عينك يا تاجر، ثم تباهى الحزب الوطني بكل بجاحة لا يُحسد عليها، بأنه حزب الأغلبية تحت قبة البرلمان، وكأنه لا يستحي من فضيحته النكراء بل ويتباهي بقدرته الفائقة علي التزوير.
الآن وبعد أن حرمتم الشعب من حقهم في عرض وجهة نظرهم تحت القبة، خرجت المظاهرات لتقول لا للفساد ولا للاحتكار ولا لوأد العدالة الاجتماعية.. فهل من مستجيب؟
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :