- الكنيسة واستنساخ فكر السلطة
- استمرار المظاهرات المطالبة بالتغيير، و"ساويرس": الفوضى هي البديل الوحيد لرحيل "مبارك" بشكل مفاجئ
- دعوات إليكترونية تطالب بمغادرة ميدان التحرير غدًا، وآخرى تطالب باستكمال الثورة
- ثورة الشعب المصري تنجب "حركة مصر الأم" بقيادة 52 من أقباط المهجر
- تصاعد (احتجاجات الغضب) لموقف الأنبا شنودة من مظاهرات الغضب
مرحى لانتفاضة الشعب المصري
بقلم: د. عبدالخالق حسين
وأخيراً هبت عاصفة التغيير على المنطقة العربية، والتي طال انتظارها، بدأها الشاب التونسي البطل، محمد البوعزيزي الذي أشعل النار في نفسه، احتجاجاً على سلوك السلطة المتكلسة وإهانتها له، فهب الشعب التونسي بكامله هبة رجل واحد، احتجاجاً، ولم يهدأ إلا بعد أن أسقط الحكومة، وألحق الهزيمة برئيسها بن علي. وها هو الشعب المصري هو الآخر ينتفض بعد أن أشعل ثلاثة مصريين النيران بأنفسهم احتجاجاً على سلطة حسني مبارك ونظامه الجائر، وهذه الانتفاضة هي الأخرى تبدو أنها سوف لن تهدأ إلا بعد رحيل مبارك وتشكيل حكومة انتقالية تحضر للديمقراطية.
ينقل عن آينشتاين قوله: أن "هناك شيئان بلا حدود، الكون والغباء البشري، ولستُ متأكداً من الأول". فمن ينظر إلى تهالك الحكام العرب على السلطة وتمسكهم بها إلى درجة تعريض أنفسهم إلى هذا الكم الهائل من الكراهية والإهانة من قبل شعوبهم، يدرك مدى الصدق في مقولة أينشتاين، إذ ليس هناك سبب لتمسك الحاكم بالسلطة وهو في أرذل العمر إلا الغباء، إلى جانب أسباب أخرى سنأتي عليها بعد قليل.
ولعل الرئيس المصري، حسني مبارك ليس آخر رؤساء العرب يتعرض إلى هذه الإهانة من قبل شعبه، فمعظم الحكام العرب هم من هذا النوع، والسبب هو أن السلطة المستبدة لا تفسد فحسب، بل وتدفع الحاكم إلى الإدمان على السلطة، أشبه بالقمار والمخدرات، وإلا لماذا يصر مبارك على التمسك بالسلطة بأسنانه وأظافره رغم تسلطه على رقاب الشعب المصري لثلاثين سنة، وقد تجاوز الثمانين من العمر، وأوصل الشعب المصري العظيم إلى قاع الفقر والبؤس!!؟؟
لقد توصلت الشعوب المتحضرة والعريقة في الديمقراطية، إلى تحديد فترة الرئاسة بدورتين فقط، كل دورة لا تتجاوز الأربع أو الخمس سنوات، عدا النظام الفرنسي، سبع سنوات. والسبب هو وكما اختصره مارك توين بقوله: "السياسيون مثل الحضينة، يحتاجون إلى التبديل على الدوام، ولنفس السبب".
فلماذا لم يتعلم الحكام العرب من تجارب الشعوب التي سبقتهم في التمدن، ومن تجاربهم الكارثية أيضاً؟. فالحكمة تفيد: "العاقل من يتعلم من أخطاء غيره، أو على الأقل من أخطائه، ولكن الغبي لا يتعلم حتى من أخطائه"، وها هم الحكام العرب لم يتعلموا حتى من أخطائهم الكارثية، إذ لم يتخلوا عن السلطة بإرادتهم، إلا وهم في طريقهم إلى القبر أو السجن أو المنفى فراراً من غضبة الشعب ونقمته.
لقد تبيّنَ بكل وضوح، أن هؤلاء الحكام يعيشون بمعزل تام عن شعوبهم التي يحكمونها بالنار والحديد، فها هو القذافي يحكم الشعب الليبي المقهور نحو أربعين سنة، ويخطط لتحويل نظامه إلى جمهورية وراثية كما الحال في سوريا، وكان مبارك هو الآخر يخطط لتوريث ابنه جمال، ولم ينتبه إلى خطئه إلا بعد فوات الأوان. وحتى بعد أن أدرك موقف الشعب منه، وبدلاً من إصلاح الوضع بأقل خسائر، بأن يتنحى عن الحكم ليمهد الطريق لحكومة انتقالية تهيئ للديمقراطية، ألقى مبارك اللوم على الجماهير، وعلى أعضاء حكومته، فقام بتبديلهم وأبقى نفسه، الأمر الذي زاد في النار اشتعالاً. والملاحظ، أن معدل أعمار أعضاء حكومة مبارك، القديمة والجديدة، حوالي السبعين سنة، وهذا ناتج عن أنانية وتمسك السياسيين الطاعنين بالسن بالسلطة، وعدم ثقتهم بالجيل الجديد، فهم مازالوا يعاملون الشعب كأطفال صغار قاصرين لا يعرفون مصلحتهم، بينما المفروض بهم فسح المجال أمام أبناء الجيل الجديد لحكم أنفسهم، فهم أدرى بمشاكلهم وأمور عصرهم من الأجداد.
ولكن والحق يقال، ورغم سيئاتهما الكثيرة، من الإنصاف القول، أن مبارك وبن علي هما من أنعم الحكام العرب المستبدين، لأنهما غير مؤدلجين، وكذلك نظاميهما، لذلك بدأ الانفجار الشعبي في هذين البلدين، فرغم نزول الجيش إلى الشوارع، وإزهاق عشرات الأرواح على أيدي الشرطة، ولكن في نفس الوقت شاهدنا العلاقة الودية الحميمة بين الجيش والشعب في كلا البلدين، وهذه نقطة في صالح النظامين. وهاهو قائد الجيش المصدري أصدر بياناً بأنه لن يتعرض إلى المتظاهرين بأذى في مواجهة المظاهرة المليونية التي خطط لها لهذا اليوم (الثلاثاء، 1/2/2011) في القاهرة، وهذا يشير إلى تعاطف الجيش مع الشعب، ومؤشر على قرب انهيار حكم مبارك.
وهذا على خلاف ما هو متوقع لو حصلت هكذا انتفاضة في بلدي عربي آخر مثل سوريا أو ليبيا، حيث تكون المواجهة عن طريق الإبادة الجماعية كما حصل في المناسبات السابقة في عهد حافظ الأسد، وكذلك ما عمله حكم البعث في العراق في مواجهة انتفاضة آذار 1991بالقنابل الحارقة، والغازات السامة، والإبادة الجماعية وقتل نحو 300 ألف مواطن، ونشر المقابر الجماعية في طول البلاد وعرضها، وتشريد أكثر من خمسة ملايين إلى المنافي.
ولكن مع كل هذه القسوة المفرطة في مواجهة غضبة الجماهير في سوريا وليبيا، ليس مستبعداً أن يبلغ السخط الجماهير، حداً بحيث يفضل الإنسان الموت على حياة البؤس والإذلال. ويبدو أن الشعوب العربية قد اقتربت من نقطة الانفجار هذه، واللاأبالية بالموت، فهاهم الشباب المصري وقد تظاهروا في الشوارع وفي ميدان التحرير، وهم يرتدون الأكفان، استعداداً للموت، أو إلى حياة كريمة تُستحق أن تعاش، إذ كما قال الشاعر الخالد محمد مهدي الجواهري في إحدى انتفاضات الشعب العراقي:
أتعلم أم أنت لا تعلمُ،.... بأن جراح الضحايا فمُ
فمٌ ليس كالمدعي قولةً.... وليس كآخر يسترحمُ
يصيح على المدقعين الجياع....أريقوا دماءكم تطعموا
ويهتف بالنفر المهطعين .... أهينوا لئامكمُ تكرموا
تقحم، لعنت أزيز الرصاص،.... وجرب من الحظ ما يقسمُ
وخضها كما خاضها الأسبقون....وثنِّ بما افتتح الأقـدمُ
فإما إلى حيث تبدوا الحياة ....لعينيك مكرمة تغنمُ
وإما إلى جدثٍ لم يكن ....ليفضله بيتك المظلم
كما وكشفت انتفاضة الشعبين، التونسي والمصري، نفاق وازدواجية رجال الدين، وبالأخص مشايخ الوهابية في السعودية في مواقفهم من انتفاضات الشعوب العربية من أجل التغيير، فبعد أن أشعل الشهيد محمد البوعزيزي النار في نفسه (وليس في غيره كما يعمل "المجاهدون") احتجاجاً على ظلم حكومة بن علي، البادرة التي أشعلت تونس كلها وألحقت الهزيمة بالنظام المستبد الجائر، وحصلت عمليات مشابهة في مصر والجزائر وبلدان عربية أخرى، طلع علينا مشايخ الوهابية، بفتاوى يحرمون بها الانتحار حرقاً، ويدَّعون أن مصير المنتحر المحتج هو جهنم!! والسبب لأن هذه العمليات الانتحارية تهدد بسقوط عروش الطغاة، كما تتساقط أوراق الخريف أمام العاصفة، والمعروف في التاريخ العربي- الإسلامي، أن الطغاة يوظفون هؤلاء الوعاظ المرتزقة لدعم سلطاتهم الجائرة في تخدير الشعوب، وإخضاعها لإرادة السلطان الجائر، وتبرير ظلمهم، حيث لفقوا أقوالاً نسبوها إلى النبي محمد بأنه قال: "أطع الأمير و إن ضرب ظهرك وأخذ مالك"، في الوقت الذي لم يتردد هؤلاء الوعاظ المنافقون في شحن الشباب المسلم بالحقد والكراهية وبرمجة أدمغتهم ضد الشعب العراقي "الروافض"، وتسميتهم بالمجاهدين، وإغرائهم بالحور العين والولدان المخلدين، والخلود في جنة النعيم، وإرسالهم إلى العراق لقتل عشرات الألوف من الأبرياء، باسم الله والإسلام. هذا هو النفاق الصريح لمواقف رجال الدين مما يجري في المنطقة. (رابط لأحاديث هؤلاء، أدناه)*
نحن نعيش في مرحلة التحولات الثورية، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وهي من ثمار عصر العولمة، وعصر السرعة، وعصر الانترنت، عصر القرية الكونية، حيث سهولة التنقل والاحتكاك بين الشعوب والإطلاع على ما تتمتع به الشعوب المتقدمة من الحرية والكرامة والرفاه الاقتصادي، حيث ساعدت التقنية المعلوماتية على تفجير وعي الجماهير في بلدان العالم الثالث، وتصعيد حساسية الشباب ضد الظلم، والثورة على الأنظمة الجائرة من أجل حياة أفضل تليق بكرامة الإنسان واللحاق بالركب الحضاري.
لذلك فنحن نشهد عصر الثورات الشعبية التي حلت محل الانقلابات العسكرية، لقد خرج الجني من القمقم، وهناك علامات تبشر بالنصر المؤزر، وهذه التحولات بدأت بسقوط الصنم البعثي في العراق، وإصرار الشعب العراقي على بناء نظامه الديمقراطي، رغم العراقيل وحملات التشويه والتسقيط التي تشنها وسائل الإعلام العربي بضراوة، وإرسالهم الألوف من الإرهابيين لإفشال العملية السياسية، أقول، لقد بدأت الشعوب العربية تعي الحقيقة، وحان وقت ثوراتها لتطيح بأنظمتها المستبدة الجائرة التي عفا عليها الزمن، وتلقيها في مزبلة التاريخ، فبدأت تتساقط هذه الأنظمة كقطع الدومينو، الواحدة تلو الأخرى، لقد سقط حكم بن علي، وقريباً سيسقط مبارك، والبقية تتبع، فالمرحلة الآن هي مرحلة الثورات الشعبية، وإقامة الأنظمة الديمقراطية، وزوال الحكومات الأيديولوجية المستبدة إلى الأبد.
فألف تحية للشعب المصري البطل في انتفاضته الشجاعة، والمجد والخلود للشهداء الأبرار في سبيل قضيتهم العادلة، والنصر آت لا محال.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :