الفرق بين شهداء "المقطم" وشهداء "نجع حمادي"
بقلم: إيليا مقار
حصيلة شهداء الأقباط في "المقطم" وصلت حتي كتابة هذه السطور إلي (10) شهداء، سقطوا في مواجهات دامية مع تركيبة غريبة من البلطجية والسلفيين وقوات الجيش، ولكن لم ينتفض الشارع القبطي مستاءًا، ولم تخرج مظاهرات لأقباط المهجر أمام السفارات المصرية ومراكز صنع القرار مطالبة بالضغط علي الحكومة المصرية لتمارس دورها في ملاحقة القتلى، ولم تسن الأقلام مندِّدة بالجريمة بطريقة تتناسب مع حجم الكارثة كما حدث في أعقاب مذبحة "نجع حمادي" أو بعد مذبحة كنيسة القديسين، وأزعم أن هذا يعود إلى عدة أسباب:
أولًا- الحالة النفسية الجمعية المسيطرة على الشارع القبطي:
فحادثة "أطفيح" والتحرك القبطي المتميِّز والفاعل والجديد من نوعه- ليس فقط علي مستوى حجم المشاركة ولكن علي مستوى نضح المشاركة- خلقا ذهنية جمعية جاهزة لفكرة "دفع ثمن المقاومة والنضال". فالشباب القبطي الذي رفع لافتات "شهيد تحت الطلب"، أو "مشروع شهيد"، كان جادًا تمامًا فيما يقوله، فلحظات الحركة الجماهيرية تخلق شعورًا من الفخر والإنتماء للهدف، ويزداد الإشباع النفسي للفرد بقدرته علي التخلي عن ذاته و"حياته" في سبيل الجماعة، وهو الشعور المسيطر علي الأقباط في الوقت الراهن. لذلك أتت مذبحة "المقطم" في سياق طبيعي، أعطى لهؤلاء الشهداء وباقي المعتصمين شعورًا بالفخر لقدرتهم على الاستمرار بالرغم من دفع الثمن من دمائهم وحياتهم.
ثانيًا- متطلبات اللحظة الراهنة:
أزعم أن معظم شباب "ماسبيرو" وكثير من الأقباط، حتى ممن لم يتمكنوا من المشاركة، كانوا يعلمون أن الوطن يمر بمرحلة فاصلة، وأن حرق وهدم كنيسة الشهيدين بقرية "صول" إنما هو اختبار تلقائي لوجودهم وحجمهم، وأن السقوط في هذا الاختبار، وفي هذه اللحظة، لن يكون له "ملحق"، وسيؤدي ليس فقط لاستباحة دماء وممتلكات ومعتقدات الأقباط في طول البلاد وعرضها، ولكن سيؤدِّي أيضًا لعزوف القوى السياسية عن مغازلة الأقباط بعد أن يكون قد ظهر ضعفهم وعدم قدرتهم علي الثأئير الجماعي في أي عملية سياسية حقيقية. لذلك جاءت ردود أفعالهم على مذبحة "المقطم" لتعزِّز من تحركهم السياسي، ولتوظِّفه تلقائيًا في إتجاه أهداف استراتيجية تعيد صياغة علاقة الأقباط بالمجتمع دون أن تركِّز علي الحادثة، أي أن رد فعل الأقباط كان "وسيلة" تعطي زخمًا لنضالهم من أجل صياغة مستقبلهم، ولم يكن "هدفًا" في حد ذاته، كما كان يحدث في الماضي.
ثالثًا- اللاعبون الأقباط علي الأرض:
جاءت مذبحة "المقطم" بعد ثورة مصرية لم تتخلَّص فقط من قيادات سياسية فاسدة احتكرت المشهد السياسي المصري دون أمل في التغيير، ولكن لتقصي- بالتبعية – عددًا من الممثلين التقليديين للأقباط، فقد أفرزت اعتصامات "ماسبيرو"–وسوف تستمر في إفراز- كوادر قبطية جديدة خرجت عن خطوط العمل القبطي التقليدي الذي إتسم– في معظمه- بالفردية وعدم قدرته على التأثير، بالرغم من استخدام الكثير من النشطاء التقليديين لمفردات لغوية حنجورية تتجاوز كثيرًا قدراتهم! جاءت اعتصامات "ماسبيرو" بقيادات شابة جديدة- مدفوعة برموز كنسية وطنية محترفة كانت مُستبعدة في الماضي- لتبني علي خبرات ثورة 25 يناير، وتستمد منها طرق التنظيم ومفردات العمل الوطني. فكان تحرُّكها، وإن كان مدفوعًا بظلم وقع على الأقباط بسبب كونهم أقباطًا، إلا أن هذه القيادات نجحت في صياغة خطابها في إطار وطني لم يقص المعتدلين من شركاء الوطن، بل تجاوز ذلك إلى التغلب على أحزان الكارثة، ومد اليد للآخر للمشاركة في صياغة مستقبل وطن يقف فيه الجميع على قدم المساواة.
كما أن دور أقباط المهجر– كلاعب هام في القضية القبطية- تقلَّص الآن إلى حد بعيد، ذلك لأن الدور الحالي يقع في معظمه على أقباط الداخل، نتيجة لغياب التركيبة السياسية المصرية التي تجعل أي ضغط خارجي عديم الجدوى.
"مصر" مدينة لشهداء "نجع حمادي"؛ لأنهم أيقظوا الشعور القبطي، وجدَّدوا فكرة الجسد الواحد. ومدينة أيضًا لشهداء "الإسكندرية" و"العمرانية"؛ لأنهم قطعوا بلا رجعة العلاقة غير المفهومة بين الكنيسة والدولة، وأعلنوا طلاق الكنيسة من النظام لثبوت علة الزنا على هذا النظام الذي استباح أعراض الأقباط ودماءهم. وجاء تحرُّكات الأقباط التلقائية على مستوى الشارع في أعقاب حادثتي "العمرانية" و"الإسكندرية" لتمهِّد الذهنية المصرية لفكرة الخروج التلقائي علي النظام. كما أن "مصر" مدينة أيضًا لشهداء "المقطم"؛ لأنهم أضافوا بقوة لحركة الشارع القبطي المنتفض الآن من أجل دولة مدنية لا تهمِّش أي من مكاوناتها.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :