الأقباط متحدون | سيد قطب وقضية التكفير
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١١:٠٨ | الأحد ٢٧ مارس ٢٠١١ | ١٨ برمهات ١٧٢٧ ش | العدد ٢٣٤٥ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

سيد قطب وقضية التكفير

الأحد ٢٧ مارس ٢٠١١ - ١٤: ٠١ م +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: عبد الرحيم علي
لم يكن سيد قطب، على الرغم من الهالات الدعائية التي يحيطه بها تلاميذه ودراويشه، من العلماء الراسخين المتخصصين في الفقه، وليس أدل على ذلك من أن التشكيك في قدراته يصدر عن عالم كبير في وزن الدكتور يوسف القرضاوي، الذي يرى أنه "لو أتيح له – أي قطب- دراسة الفقه الإسلامي والعيش في كتبه ومراجعه زمنًا، لغير رأيه، ولكن تخصصه ولون ثقافته لم يتح له هذه الفرصة، وخاصة أن مراجع الفقه بطريقتها وأسلوبها لا تلائم ذوقه الفني الرفيع"(3).

قد يكون صحيحًا أن سيد قطب ليس فقهيًا متخصصًا، لكنه قدم مجموعة خطيرة من الأفكار التي ألهمت شباب الإخوان خلال مرحلة تاريخية سابقة، وأسهمت في صياغة وصناعة اتجاهات جديدة أكثر تطرفًا وعنفًا. ولا جدال في أن كل محاولة لفهم وإدراك خطورة الأفكار القطبية، لابد أن تبدأ باستعراض وتحليل المرتكزات الجوهرية لهذه الأفكار.

* الجاهلية والقانون الوضعي:
يشير الدكتور رفعت السعيد، في كتابه "الإرهاب المتأسلم"، إلى أن الأفكار التكفيرية المتطرفة لسيد قطب، لا تقتصر على ما ورد في كتابه الشهير: "معالم في الطريق"، ذلك أن بدايات الفكر متناثرة في كتاباته الأخرى السابقة(4). ويؤكد القرضاوي على أن "من قرأ الظلال لسيد قطب في طبعته الأولى لم يجد فيه شيئاً يدل على هذه الفكرة (فكرة تكفير المسلمين الذين يعيشون في العالم الإسلامي اليوم) ولكن من قرأ الأجزاء الأخيرة منه، التي كتبها وهو في السجن بعد تغير اتجاهه الفكري، وكذلك الأجزاء الأولى التي عدلها، وظهر ذلك في طبعته الثانية، وما بعدها يجد هذه الفكرة المحورية تسري في الكتاب، في عشرات المواضع بل في مئاتها"(5).

كلام واضح لعالم لا يشكك أحد أنه في صف الإخوان فكرا، وفى صف الفكر الإسلامي قولاً وعملاً، بل يعتبره البعض في صف المجاهدين في كل أنحاء العالم، عالم مارس تفسير القرآن ودرس الفقه وأفتى المسلمين، قرأ "قطب" عشرات المرات وسجل شهادته للتاريخ، واحتمل في سبيل ذلك، الكثير من الأذى ممن يعتبرون المساس بسيد قطب أو أفكاره، هو مساس بجماعة الإخوان المسلمين فكراً وحركة.

ويقدم الدكتور القرضاوي دليله على ما سبق أن قرره بالقول: "وحسبنا هذا النص الصريح المعبر عن فكر الشهيد -رحمه الله- عند تفسيره لقوله تعالى (وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين). قال رحمه الله: "إن سفور الكفر والشر والإجرام ضروري لوضوح الإيمان والخير والصلاح، واستبانة سبيل المجرمين هدف من أهداف التفصيل الرباني للآيات، ذلك أن أي غبش أو شبهة في موقف المجرمين وفى سبيلهم ترتد غبشاً وشبهة في موقف المؤمنين وفى سبيلهم، فهما صفحتان متقابلتان، وطريقان مفترقان، ولابد من وضوح الألوان والخطوط "(6). ويضيف القرضاوي نقلاً عن قطب أن "المشقة الكبرى التي تواجه حركات الإسلام الحقيقية اليوم تتمثل في وجود أقوام من الناس من أسلاف المسلمين في أوطان كانت في يوم من الأيام داراً للإسلام يسيطر عليها دين الله وتحكم بشريعته.. ثم إذا هذه الأرض، وإذا هذه الأقوام تهجر الإسلام حقيقة وتعلنه اسما"(7).
"وإذا هي تتنكر لمقومات الإسلام اعتقاداً وواقعاً. وإن ظنت أنها تدين بالإسلام اعتقاداً فالإسلام شهادة أن لا إله إلا الله.. وشهادة أن لا إله إلا الله تتمثل في الاعتقاد بأن الله – وحده – هو الذي يتقدم إليه العباد بالشعائر التعبدية ونشاط الحياة كلها". ويضيف قطب "وأيما فرد لم يشهد أن لا إله إلا الله – بهذا المدلول – فإنه لم يشهد ولم يدخل الإسلام بعد كائناً ما كان اسمه ولقبه ونسبه. وأيما أرض لم تتحقق فيها شهادة أن لا إله إلا الله – بهذا المدلول – فهي أرض لم تدن بدين الله ولم تدخل في الإسلام بعد"(8).

هل يوجد وضوح مثل وضوح هذه العبارات، التي تؤكد لنا، بما لا يدع مجالاً للشك، أن سيد قطب، الذي يقول عنه تلاميذه أنه لم يكفر أحداً، قام بتكفير كل المسلمين الذين يعيشون في بلدان لا تحكم بالشريعة الإسلامية، وفق مفهوم سيد قطب. ولنقرأ المزيد، يقول قطب "ومن هنا يجب أن تبدأ كل حركة إسلامية بتحديد سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين، يجب أن تبدأ من تعريف سبيل المؤمنين وتعريف سبيل المجرمين؛ ووضع العنوان المميز للمؤمنين، والعنوان المميز للمجرمين، في عالم الواقع لا في عالم النظريات. فيعرف أصحاب الدعوة الإسلامية والحركة الإسلامية من هم المؤمنون ممن حولهم ومن هم المجرمون، بعد تحديد سبيل المؤمنين ومنهجهم وعلامتهم، وتحديد سبيل المجرمين ومنهجهم وعلامتهم، بحيث لا يختلط السبيلان ولا يتشابه العنوانان، ولا تلتبس الملامح والسمات بين المؤمنين والمجرمين" ثم ينصح قطب تلاميذه ومريديه قائلا: "يجب ألا تأخذ أصحاب الدعوة إلى الله في كلمة الحق والفصل هوادة ولا مجاملة، وألا تأخذهم فيها خشية ولا خوف، وألا تقعدهم عنها لومة لائم، ولا صيحة صائح، "انظروا إنهم يكفرون المسلمين"!.(القرضاوي – المصدر السابق).
ويضيف "الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله، بذلك المدلول، فمن لم يشهدها على هذا النحو، ومن لم يقمها في الحياة على هذا النحو، فحكم الله ورسوله فيه، أنه من الكافرين الظالمين الفاسقين المجرمين".

ويعلق القرضاوي قائلا: "هذا هو الرجل يصرح -بل يصرخ- بما لا يدع مجالا للشك والاحتمال: أن الأوطان التي كانت تعتبر في يوم من الأيام "دارا للإسلام"، وأن هؤلاء الأقوام (من سلالات المسلمين) الذين كان أجدادهم مسلمين في يوم من الأيام.. لم يعودوا مسلمين، وإن ظنوا أنهم يدينون بالإسلام اعتقادا، في حين أنهم ليسوا مسلمين لا عملا ولا اعتقادا؛ لأنهم لم يشهدوا أن "لا إله إلا الله" بمدلولها الحقيقي كما حدده هو، وأشق ما تعانيه الحركات الإسلامية أنها لم يتضح لها هذا المفهوم الجديد.. أن الذين يظنون أنفسهم مسلمين اليوم هم كفار في الحقيقة، وهو يريد من هذه الحركات ودعاتها أن يجهروا بكلمة الفصل ولا يبالوا بـ"تهمة تكفير المسلمين". فالحقيقة أنهم ليسوا مسلمين!!" (9).

ومن ذلك، على سبيل المثال، ما نجده في كتاب "الظلال"، حيث يؤكد سيد قطب أن "الجاهلية ليست اسما لمرحلة تاريخية سابقة على الإسلام، بل إنها تنطبق انطباقًا حرفيًا على كل وضع بصرف النظر عن اعتبارات الزمان والمكان، إذا كان الوضع مشابها لتلك المرحلة التاريخية السابقة على الإسلام"(10)
ويقول أيضا: "إن الشرك بالله يتحقق بمجرد إعطاء حق التشريع لغير الله من عباده، ولو لم يصحبه شرك في الاعتقاد بألوهيته، ولو قدمت الشعائر التعبدية له وحده"(11).

جاهلية المجتمع:
في كتابه معالم في الطريق يقول سيد قطب: "إن العالم يعيش اليوم في جاهلية من ناحية الأصل الذي تنبثق منه مقومات الحياة وأنظمتها، جاهلية لا تخفف منها هذه التيسيرات الهائلة وهذا الإبداع المادي الفائق. هذه الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله على الأرض، وعلى أخص خصائص الألوهية، وهي الحاكمية. إنها تسند الحاكمية إلى البشر فتجعل بعضهم لبعض أربابًا. لا في الصورة البدائية الساذجة التي عرفتها الجاهلية الأولى، ولكن في صورة ادعاء حق وضع التصورات والقيم والشرائع والقوانين والأنظمة والأوضاع بمعزل عن منهج الله للحياة، وفيما لم يأذن الله به، فينشأ عن هذا الاعتداء على سلطان الله، اعتداء على عباده"(12).

صياغة سيد قطب بالغة الدقة والوضوح، فالتأكيد على جاهلية العالم المعاصر مرتبط عنده بمبدأ الاعتداء على حق إلهي أصيل، وإسناد الحاكمية إلى البشر. ليس من حق الإنسان أن يشرع لنفسه أو يضع القوانين التي تنظم حياته، ولابد من اتباع "منهج الله" دون تدخل.

الحوار مع الفكرة السابقة لابد أن يبدأ بسؤال مشروع عن طبيعة وحدود "منهج الله"، وعن طبيعة القائمين على تنفيذه، ومدى اليقين بأن هؤلاء، في فهمهم لهذا المنهج، لا يحيدون عنه ولا يسيئون فهمه. ومن ناحية أخرى، فإن المفكر الإخواني لا يميز بين المبدأ والتفاصيل، فالحياة في سريانها تطرح عديدًا من القضايا والإشكالات الجزئية، وإخضاعها لمنهج الله سيكون اجتهاديًا بالضرورة، يحتمل الاختلاف، فمن الذي يملك الحسم؟!.

في السياق الذي يبشر به سيد قطب، لا يصح الخضوع لغير القوانين الإلهية، ومن هنا تشتد حملاته العنيفة ضد القوانين الوضعية والقائمين على تنفيذها. ولعل من تابعوا مناصرة الإخوان لمطالب القضاة، يحق لهم أن يفكروا في مصداقية هذا الحماس الصادر عن جماعة، يقول مفكرهم الأكبر: "إن القانون الوضعي لا يستحق السيادة والسمو به، فهذه المنزلة حققها الله بقانونه الذي يجب على الناس اتباعه. إن مدلول الشريعة لا ينحصر في التشريعات القانونية أو في أصول الحكم ونظامه، فالشريعة تعني كل ما شرعه الله لتنظيم الحياة البشرية، وهذا يتمثل في أصول الاعتقاد وأصول الحكم والأخلاق والسلوك والمعرفة، ويتمثل في الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية"(13).

لا مشروعية – عند سيد قطب – للعمل بالقانون الوضعي، فهو ينسف المؤسسات القانونية العصرية من جذورها، ويحيل الأمر كله إلى الله، ثم يزيد في ذلك فيجعل التشريع الإلهي وفهمه وتنفيذه مردودا بالضرورة إلى البشر، فهو الأداة الوحيدة لتنظيم الحياة، سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا.
البشر في غنى عن قوانين البشر، وليس من سبيل لتحقيق العدالة إلا من خلال الاحتكام إلى القانون الإلهي. المغالطة هنا تكمن في أن التسليم بعدالة القوانين الإلهية لا يعني تسليمًا مماثلاً بنزاهة ومثالية من يقومون بفهمها واستلهامها، تمهيدًا لتنفيذها. القانون، إلهيًا كان أم وضعيًا يخضع للأهواء وتحكم المصالح، وغاية ما يسعى إليه الإنسان هو الاقتراب من الكمال. تصدير فكرة القانون الإلهي، مهما تحسن النوايا، يقود إلى قهر لا مهرب منه ولا مفر، فالتمرد على من يسيئون إلى القانون، نظريًا وعمليًا، يتم تفسيره على أنه ضد الله وشرائعه وقوانينه، وهنا تكمن كارثة الدولة الدينية!.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تقييم الموضوع :