مهرجان تجار الدين
بقلم : لبنى حسن
من بعد يوم الاستفتاء و حالة فزع تعم معظم المصريين- و أنا منهم من مشهد سيطرة التيار الدينى - و هذا حق للجميع خاصة ان كل الدول التى وصلت فيها أنظمة دينية للحكم سواء عن طريق ثوري أو انتقال ديمقراطي - أنتهى عندها- كانت مستبدة و لم تجلب سوى الخراب و الفقر أو القمع و التسلط و انتهاك حقوق الانسان على أحسن الأحوال فمن أفغانستان لايران و السعودية لحماس و السودان كلها نماذج غير مبشرة و لا مطمئنة خاصة بعد كل ما بذله الشعب المصرى من دماء و تضحيات, فأينما دخل الدين فى السياسة فسدت السياسة و لوثت طهارة الدين و أسىء لنقاؤه و تجرده من أى منافع دنيوية.
هنا أود أن ألفت النظر الى أننا نشارك فيما يحدث بدون وعي عندما نسمى الأشياء بغير حقيقتها خاصة التعبير المستخدم " سيطرة التيار الديني" لأن ما يحدث ليس سيطرة و هذا ليس تيار ديني!
ما رأيناه فى فترة الإستفتاء لم يكن ناتج عن "سيطرة" بل عن تضليل و كذب و نشر شائعات و تكفير للمختلف و هذا ليس تيار دينى بل تيار متاجر بالدين و قد رأينا هذا من خلال إستغلال محدودية معلومات البسطاء و ثقتهم فى اى إنسان يدعي انه يحدثهم باسم الدين, فالأمر وصل الى أنها "نعم" للإسلام و إشاعه ان الموافقة تعنى الحفاظ على المادة الثانية من الدستور برغم أنها لم تكن مطروحة للتعديل من الأصل حيث إستغلوا منابر المساجد لأشياء دنيويه بحته و وصل الأمر بخطباء أما متطرفين و جهلة أو أفاقين انتشرت مقاطع لهم على يوتيوب و هم يكفرون الشخصيات السياسية التى دعت المواطنيين للتصويت "بلا" و منهم شخصية قانونية مرموقة مثل الدكتور البرادعى فمرة يصرخ أحدهم فى المصلين بأن لا يسمعوا للبرادعى ليس لانه حاصل على دكتوراة فى القانون الدولي و لكن لانه رجل يدعوا للاشتراكية و هذا كفرا و العياذ بالله ... و اخر يقول لا تسمعوا لمن يدعوكم لدولة مدنية لان الدولة المدنية معناها ان أمك ماتلبسش حجاب!!
ضللوا الناس بلافتات تقول أن "نعم" للتعديلات تعنى استقرار بينما واقعيا تعنى ست انتخابات فى عام واحد و هو قمة الفوضى الأمنية و الضغط الاقتصادى, و من أجل الانتصار " لنعم" التى لم يكن السبب الحقيقى لحماسهم لها سوى الانتهازية السياسية من أجل الانقضاض على مقاعد البرلمان قبل تشكيل اى احزاب اخرى حقيقية من رحم الثورة و هنا نراهم يسعون وراء منفعة قصيرة المدى لدرجة التضحية بمصداقيتهم و احترام القوى السياسية لهم بعد ان كانت فى تحسن وقت الثورة التى شاركوا بعد بدايتها بأيام حينما شعروا بأن بوادر نجاحها تبزخ فى الأفق, و ربما ساهم فى التعاطف معهم ما ظهر من وثائق لأمن الدولة و ما نشر فى الصحف البريطانية عن تورط العادلى و ميليشياته فى تفجيرات القديسيين و من قبلها تفجيرات شرم الشيخ و ضلوعه فى إشاعه الفتنه الطائفية من خلال تجنيد عناصر تدعي التدين من الطرفين, و لكن هذا سرعان ما تلاشى بعد سلوكهم التسلطي فى يوم الاستفتاء من تحريض مباشر للتصويت "بنعم" داخل بعض اللجان و رشوة الفقراء بسلع غذائية و هذا أسلوب لا يختلف عن ما كان يتبعه الحزب الوطنى المنهار, و قطعا لا يتفق مع مبادىء الإسلام التي طالما اساءت له تصرفاتهم الانتهازية و تصريحاتهم الإقصائية.
ما رأيناه لم يكن مشهد "سيطرة التيار الدينى" بل مهرجان "تضليل من تجار الدين" الذين لم يحترموا قواعد اللعبة السياسية بل لعبوا بشكل طائفى و اعتمدوا على الشائعات و الترهيب بتوعد المختلف بالنار, و ان لم يتم التصدى لهم سريعا من خلال قوانين ناجزة و صارمة تخضعهم للتواجد في المشهد السياسي بشرف و إتباع القواعد المدنية الديمقراطية، فإن الثورة ستتحول من طريق للنهضة و التقدم و إزكاء الشعور الوطنى إلى طريق لفتنه طائفية, و لتهميش الطبقة المتوسطة المثقفة التى أشعلت الثورة و المؤهلة فعليا لقياده المجتمع و قد يؤدى هذا لتطفيش شرائح مؤثرة من المجتمع و بالتالى بدلا من ان تنتقل الثورة بمصر للنموذج الماليزي أو التركي النهضوى قد تنتكس الثورة كما حدث فى إيران أو الجزائر و ينتهى الأمر بإنقلاب عسكرى يعيدنا للديكتاتورية مرة أخرى.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :