الأقباط متحدون | حتى تصبح نفساً متكاملة
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠١:٢٤ | الأحد ١٧ ابريل ٢٠١١ | ٩ برمودة ١٧٢٧ ش | العدد ٢٣٦٦ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

حتى تصبح نفساً متكاملة

الأحد ١٧ ابريل ٢٠١١ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: راندا الحمامصي
عرضنا في المقالات السابقة من خلال كتاب (سيكولوجية الروحانية) عن موضوع الروحانية ونمط الحياة الروحانية. فما قدمناه من مفهوم عنها يخبرنا بأن:
• الله خلق الإنسان كائناً روحانياً نبيلاً في طبيعته.
• الإنسان في تكوينه جسد وروح.
• الروح الإنساني هي التي تميّزنا عن الحيوان، وبقوتها – أي بفعل العقل – نكتشف الطبيعة وقوانينها ونستخدمها في العلوم والفنون.
• معرفة الإنسان وأسلوبه في التعبير عن إنفعالاته إما أن يكون بنّاءً وموحِّداً أو هداماً مُفكِّكاً.
• مصدر تربية روح الإنسان وهدايتها يكمن في الحقائق والأحكام الروحانية التي يمنحها الله تعالى لعباده بواسطة تعاليمه المنزلة على رسله العظام مثل بوذا وموسى وعيسى ومحمد وبهاءالله الذين أتوا في أزمنة مختلفة منظّمة تبعاً لمستوى تطور المجتمعات الإنسانية ومدى استعدادها وطبقاً لاحتياجات الناس في ذلك العصر.


وبناء عليه، فإن الإنسان الروحاني هو الذي يتّخذ قراراً واعياً مدروساً ليعيش حياة تضمن له نموّاً أفضل تكاملاً لجوانب حقيقته الجسمانية والعاطفية والفكرية والروحية في تكوينه الإنساني مدمِجاً إياها بالتعاليم الروحانية المنزلة في تلك الظروف السائدة. وأناس كهؤلاء، بعملهم هذا، إنما يتقرّبون من حقيقة بواطن أنفسهم وحقيقة أقرانهم الآخرين ومن خالقهم سبحانه وتعالى. وكل هذا يتحقق بفضل استعمالنا مختلف جوانب المعرفة والمحبة والإرادة مجبولاً بالإنضباط الروحي والفكري والأفعال الطيبة الطاهرة.
وقد يكون مثيراً أن نضع هيكلاً مبسّطاً لنموذج الحياة الروحانية. ولأجل هذا يلزمنا الرجوع إلى بعض ما تناولناه في المقالات من خلال كتاب (سيكولوجية الروحانية). ففي المقالات السابقة حدّدنا اهتمامات رئيسة ثلاثة:
• اهتمامات بالذات.
• اهتمامات بالعلاقات.
• اهتمامات بالوقت

فكيف يمكن لهذه الإهتمامات أن تدخل في سياق نمط الحياة الروحانية؟
إن الذين يعيشون نمط الحياة الروحانية يصلون في النهاية إلى إحساس عميق بالوحدة التي يعيشونها عملياً، ويأخذون في إدراك أن البشر في جوهر حقيقتهم هم وحدة واحدة لا تتجزأ، ويوقنون بأن أبعاد وجودهم الجسماني والعاطفي والفكري والروحاني ما هي إلا جوانب تشكّل أساس الوحدة الإنسانية. هم يدركون أن في جوهر حقيقتهم تكمن طبيعة روحانية سامية قادرة أن تترفع عن شؤون الدنيا المادية لتحقق التوازن المطلوب في كل جوانب الحياة وتأخذ بيد الإنسانية لتصلها وصلاً وثيقاً بعوالم الحقائق الروحانية. إن جوهر هذه الحقيقة يكون بداية في الطاقات الكامنة التي تُظهِر نفسها فقط بجهدنا المركّز في الترقي إلى مستويات أعلى من النمو والنضج من خلال معرفتنا الذاتية وما نكنّه من محبة في قلوبنا وما نتحلّى به من إرادة مستنيرين بالعلم والمنطق، تدعمنا القيم الروحانية في الحقيقة والوحدة والخدمة. إلى جانب أننا ضمن إطار نمط حياتنا الروحانية سندرك أساس وحدتنا مع أقراننا المخلوقات البشرية، تلك الوحدة التي بمجرّد تحقيقها ستهبنا رؤية عالمية للموجودات، وتترعرع بداخلنا محبة خالصة غير مشروطة ورغبة أكيدة في الخدمة لا تعرف الكلل.


الاهتمامات بالنفس في نمط الحياة الروحانية
لو دققنا النظر في نهج حياة الناس المادّيين لوجدناهم يعيشون حياة صِبْغتها الإنعزال والوحشة. فهم وحيدون في رحلة حياتهم وفي كفاحهم من أجل البقاء وحتى في أفراحهم وأتراحهم. فلا يُشغلهم سوى أنفسهم ولا يهتمون إلا بصحتهم ونجاحهم ومركزهم الإجتماعي وقبول الآخرين لهم ثم حاجتهم في أن يُحِبّوا ويُحَبوا ويذهبون في ذلك إلى أبعد الحدود. فهذه الأمور المُقلِقة وتلك الإحتياجات الملحّة تدفع الأفراد الماديين إلى تركيز اهتمامهم في الغالب على أنفسهم فتستنفد منهم طاقاتهم ووقتهم في إشباع حاجاتهم ورغائبهم. ومن الطبيعي أن تكون ذاتهم والحالة هذه محور حياتهم.


إن الأشخاص الماديين، إلى جانب عزلتهم، يشعرون دوماً أنهم عرضة للإعتداء ولا أهمية لهم في المجتمع. فالذي يرى حياته تنتهي كما تؤول إليه حياة الحيوان، أو أنه مجرّد آلة بيولوجية تعمل، لن يساعد نفسه في التطور نحو الإحساس بقيمة النفس والثقة بها. ولذلك يسعى الماديون إلى السلطة بحثاً عن الأمان ويلجأون إلى المنافسة في محاولة للشعور بقيمتهم. فحالما تتزاوج السلطة والمنافسة في حياة المنعزلين مع شعور بعدم الأمان يصبح الأمر مصدراً للدمار والهلاك والقسوة والعنف.


أما عند الأشخاص الروحانيين فإن الأمر مختلف تماماً. فهم يدركون أنهم مخلوقات نبيلة وخُلقوا لكي يعرفوا ويُحِبوا. فاكتسابهم المعرفة يُشعرهم بانتصارهم على الجهل ويمدّهم بالنفوذ والسلطة الحقيقية القائمة على الحقيقة والقوة التي لا تبور، وهي قوة تعززها المحبة التي تنير حياة أولئك الروحانيين.
وعلى النقيض مما يُشاع ويُؤمل من الحياة المادية، فإن السلطة المادية لا يمكن أن تمنح صاحبها شعوراً بالأمان والإطمئنان، بل في الواقع كلما تعاظمت قوّته قل شعوره بالأمان وازداد تخوّفه من أي اعتداء وأصبح عرضة للضعف والمرض وأي حادث يودي بحياته في النهاية. وكردّ فعل لكل هذه المشاعر من عدم الأمان نرى الأفراد الذين يلهثون وراء السلطة يجنحون إلى منافسة آخرين مما يضطرهم إلى إيجاد معايير أعلى في التحكم بأنفسهم وبالتالي يتحكّمون بغيرهم. وحيث إن هذه العملية تعدّ تافهة في جوهرها فإنهم، في بحثهم عن الأمان، يلجأون إلى أشدّ الأسلحة فتْكاً في القضاء على مَن يعتبرونهم منافسين لهم وأعداء. ومحصلة ذلك تدمير أنفسهم والآخرين. هذا هو حال عالمنا اليوم.


وعلى النقيض مما تفرزه القوة والسلطة. فإن المحبة تمنح الناس إحساساً عميقاً بقيمة النفس البشرية واحترامها، وتمكّنهم من إقامة علاقات قِوامها الثقة المتبادلة مع الآخرين. هذه هي الأجواء والحالات التي تساعدنا على النماء والخلاّقية وتحقيق الوحدة، وفيها نجد نبض الحياة الحقيقية ولن يجد العنف والدمار مكاناً فيها لينمو ويترعرع.


إن ما يُشغِل أولئك الروحانيين، بشكل رئيسي، وصولهم إلى الحقيقة والإستنارة بها من جهة، وتحقيق الوحدة والقيام على الخدمة من جهة أخرى. فعلاقة إنسانية متَبادَلة على هذه الشاكلة ستكون مجبولة بمحبةٍ غير مشروطة، وتحرُّر من الظلم والتعصب، مجللة بروح التواضع. فلا وجود لغطرسة أو تكبُّر في حياة الشخص الروحاني. بل إن إدراكنا لنُبْل ما نحن عليه، وحقيقة المساواة بين بني البشر هي التي توصلنا إلى معاشرة الجميع بالروح والريحان بقدْرٍ وافر من المحبة والإحترام.


فالتواضع فضيلة أخرى ضرورية جداً لمن يودّ العيش حياة روحانية. فالمتواضعون هم المدرِكون الواعون بأن وجودهم، بمثل ما هي طاقاتهم الكامنة وقدراتهم الثمينة، ما هو إلا موهبة مُنِحت لهم من الله وأن مسؤوليتهم العمل على حماية الحياة وإظهار القدرات الكامنة، ولا شك أنها السبيل الوحيد لهم إذا ما أرادوا العيش حياة تزيّنها الخدمة تحت ظل الوحدة والإتحاد.


وفضيلة أخرى تنير سماء الحياة الروحانية تلك هي الإنقطاع وعدم التعلُّق. فلو نظرنا إلى حقيقة الأمر لوجدنا أن الناس من العسير عليهم تصريف أمور حياتهم دون تعلق أو ارتباط. فنحن بحاجة أن ننتمي ونتعلق بشيء ما. ولذلك فإن مفهوم الإنقطاع غالباً ما فُهم ضبابياً أو أنه أُسئ فهمه بالكلية. فمن منظور الروحانية، كما ورد في كتاب (سيكولوجية الروحانية)، فإن الإنقطاع والتجرّد يعني تلك الفضيلة التي تعرُجُ بنا إلى مستوى أعلى من مستوى غرائزنا وشهواتنا وتجعلنا سلاطين حياتنا وأقدارنا. فالإنسان المتجرّد يحصل على الثروة والممتلكات والنفوذ ويستعملها ليس هدفاً له في حياته بل وسائل للفوز بمستويات أعلى من المعرفة والمحبة والخدمة. وبكلمات أخرى، فإن فضيلة الإنقطاع تحرر الإنسان من نقاط ضعفه ومن عقدة الموت والفقر والمتعلقات المادية وتجعل تعلُّقه موصولاً بالمصدر الحقيقي للقدرة والسلطان والحياة والغِنى – الله ذي العظمة والجلال.


الاهتمامات بالعلاقات في نمط الحياة الروحانية
كما مرّ ذكره فإن حياة الإنعزال والوحشة هي مآل التوجُّه المادي، يعززها في ذلك حب النفوذ والجنوح إلى المنافسة ونهج للحياة يصبح مدمراً في النهاية. ومن الطبيعي أن تكون ظروف كهذه عائقاً أمام إنشاء علاقات إنسانية بنّاءة. ذلك لأن أُناساً في تلك الظروف نراهم يعيشون متباعدين ينهشهم الشك والإرتياب بمن حولهم، ويحرمون أنفسهم من علاقات دافئة لها معناها الإنساني. وعلاقات كهذه ستكون ثمارها النفور من المجتمع إلى العزلة وعدم الثقة. وبالرغم من بذل أفضل مساعيهم لن يتمكن المشاركون فيها من تطوير علاقة تعاونية ناجحة فيما بينهم.


أما العلاقات الشخصية المتبادلة عند الأفراد الروحانيين فإنها ذلك الميدان الخصب الذي يمارسون فيه عملياً فضيلة المعرفة والمحبة. فاكتساب المعرفة يتطلب تحري حقيقة الأمور وجوهرها ونبذ التعصبات بأنواعها وتجنُّب تصنيف البشر والتحلي بالوعي التام والإدراك الكامل لفوائد الإعتماد المتبادل والوحدة بين بني البشر. وبالمثل فإن قوة المحبة تعمل كالمغناطيس؛ فتجمع الناس إلى بعضهم البعض، وتخلّصهم من الشعور بالغربة، وتخلق جواً من العواطف المتبادلة والثقة والدعم والتشجيع وحوافز الخدمة. في علاقة كهذه يتمتع المشاركون بالشعور بالأمان والإطمئنان والسعادة.


فإذا ما جمع الناسَ قوةٌ من العواطف المتبادلة فإن علاقاتهم بأنواعها ستبقى حميمية مأمونة، وعندما يتوجهون إلى ينبوع كل المقاصد ومصدر الإلهام والمحبة سيشعرون بقرْب أكبر من بعضهم البعض. فقوة العواطف المتبادلة بين مشاركيها هي التي تساعد على التغاضي عن أخطاء الآخرين وهفواتهم، وعلى المحبة غير المشروطة، وقبول الآخرين كما هم دون الميل إلى تغييرهم، وبذلك نتفادى الشعور بخيبة الأمل أو بالغضب والتنافر. ولأهمية إيجاد نقطة جذب مشتركة مع الآخرين نبادر جميعاً، عن وعي أو غير وعي، إلى تحديد خيارنا في علاقاتنا الشخصية المتبادلة. فكثير من الناس تجمعهم إلى بعضهم البعض نقاطُ جذْب مشتركة، وآخرون ينجذبون إلى السلطة والنفوذ أو الشهرة أو الثروة... إلخ. إلا أن نقاط الإلتقاء هذه مؤقتة ولا يُعَوَّل عليها في طبيعتها. إذ في نهايتها غالباً ما يرى أصحابها أنفسهم وقد خابت آمالهم وتبدّدت أحلامهم وهبطت عزيمتهم تجاه تلك العلاقات التي أحبّوها. أما بالنسبة للشخص الروحاني في كل ذلك فإن غاية انجذابه للناس أوسع في مداها وأشمل في طبيعتها.


فالناس الروحانيون يقيمون علاقة محبة مع خالقهم لتفرد جناحيها بعد ذلك على عموم الجنس البشري. في علاقة كهذه يذوب في النهاية أي شعور بالإنعزالية والغُربة ليحل محله التناغم والإنسجام والوحدة. ولا بد لهذه العلاقة أن تُبنى على أساس الإستقامة والإخلاص. فالأشخاص الروحانيون هم المعروفون بالإخلاص لأنفسهم وأقرانهم ولخالقهم وموجدهم. هم في الحقيقة يُبرمون عهداً مع الله، من أعماق ضميرهم ووجدانهم في جميع علاقاتهم، ويعقدون ميثاقاً يقيم مع الناس دعائم الثقة والصدق والصراحة والأمانة. فالأمانة في عالم اليوم نراها نادرة جداً مع الأسف. فأصل الكثير من المشاكل الحالية بين الناس في علاقاتهم وفي حياتهم الزوجية والعائلية وحتى في العلاقات الدولية، راجع إلى غياب الأمانة ليحل محلها الغش والإحتيال وفقدان الثقة بين الناس وأصبح من المتعذّر قيام علاقة صداقة حقيقية بين الناس من مختلف الأجناس والثقافات والخلفيات.


وفي سبيل إنشاء علاقات على قاعدة روحانية يلزمنا تطوير بعض الفضائل وعلى رأسها معرفة الذات. إن منتهى غاية المعرفة في الوجود معرفة الذات وعرفان الله تعالى وعبادته. يمكن لنا أن نغذّي هذه المعرفة باستعمال قدرتنا على التأمل وبتفكيرنا بالخَلْق وإدراك كل ما من شأنه أن يعزّز نموّنا ونضجنا. وإلى جانب ذلك كله علينا أن ندرس المبادئ الروحانية العامة التي يشع نورها في الدين في صفائه ونقاء جوهره العام. فبينما التأمل يفتح أمامنا آفاق المعرفة، فإن الصلاة تُعزّز قدراتنا على المحبة وتمنح الناس فرصة لأن يوجهوا قلوبهم نحو باعث محبتهم والوصال معه في حالة من التواضع والعبودية والإنقطاع لتشملهم عنايات الله ورحمته وبركاته وإلهاماته. فالصلاة والتأمل وفرائض روحانية أخرى مثل الصيام إنما هي جوانب أساسية لا غنى عنها في نمط الحياة الروحانية. فهي ضرورية لتطوير معرفتنا بأنفسنا، ولها قيمتها العالية في تكوين علاقات إنسانية جيدة.


الاهتمامات بالوقت في نمط الحياة الروحانية

يُعتبر الإهتمام بالوقت هو الأهم من بين اهتمامات الإنسان الرئيسة الثلاثة (بالذات والآخرين والوقت). فالماديون في صراع دائم مع الزمن ويخشون مرور الوقت، ولذلك هم يُشغلون أنفسهم بالماضي ويرعبهم المستقبل ويرتابون من الحاضر. هذه هي حال الناس في يومنا هذا – فبعضهم ينظرون الماضي فيثير فيهم مشاعر الحنين إليه، وآخرون يرونه مرعباً، وغيرهم يتذكرون نقاط التحوّل في حياتهم وينظرون إلى المستقبل بشيء من القلق والإرتياب. فالماضي بنظر الماديين هو فرصة النشوء من العدم، والمستقبل هو الرجوع المُحَقّق إلى العدم. وتفكير بهذا الأسلوب هو الذي يسبب أحساساً عميقاً بالقلق والخوف، فيحاول الماديون التخفيف من حدة مخاوفهم بالإنهماك كلياً بلحظات حاضرهم ويلجأون أحياناً إلى الكحول والمخدرات لتخدير أحاسيسهم وخفض درجة وعيهم بالماضي والمستقبل. هم يُشغلون أنفسهم بتوافه الأمور لينسوا قلقهم البليغ وتعلّقهم الشديد بالمادة وعدم شعورهم بالأمان. يركّزون جُل اهتمامهم في أعمالهم وصحتهم ونجاحهم وإنجازاتهم وأمور أخرى مشابهة. ومع أن الأفراد الماديين يبذلون قصارى جهدهم في التمتع بحاضرهم، إلا أنهم في النهاية يجدون أنفسهم قلقين غير راضين وتعساء وعاجزين عن تحقيق السعادة الحقيقية.


أما عند الأشخاص الروحانيين فإن الأمر مختلف تماماً. فالوقت عندهم أبدي غير محدود، ورحلة الحياة رحلة مستمرة لها معناها النبيل، والماضي والحاضر والمستقبل ما هي إلا أوجه مختلفة للمسيرة التي لا تنتهي من معرفة الذات وبعث القدرات الكامنة في جوهر الإنسان من جهة، وتلك العملية التي لا انقطاع لها من المحبة والوحدة من جهة أخرى. فالروحانيون ينظرون ماضيهم بامتنان على مشيئة الله في خَلْقهم، وأن حاضرهم فرصة ثمينة لإثراء حياتهم وتحقيق هدفها وإظهار مواهبهم الكامنة، ومستقبلهم على أنه مرحلة لا تنتهي من التطور والنضج والوعي والإستنارة بأنوار الحق. فهم يرون الموت ولادة لحياة أخرى أكثر مجداً وبهاءً من موتنا في عالم الرحم وولادتنا في هذه الحياة.
فالموت عند الماديين رمز للإنعدام وتجسيد للفشل والحرمان. فبينما الشخص الروحاني عاكف على إعداد العُدة لتلك الرحلة المستمرة من الحياة، نرى المادي ينكر وجود هذه الرحلة بالكلية.

وإلى جانب ما قدمناه من أفكار وآراء، حريٌّ بنا أن نتفكر ونتأمل العبارات التالية حتى ندرك حقيقة الحياة الروحانية ونأخذها نبراساً لأرواحنا وقلوبنا وعقولنا معاً.
"كن في النعمة منفِقاً. وفي فَقْدها شاكراً. وفي الحقوق أميناً. وفي الوجه طلْقاً. وللفقراء كنزاً. وللأغنياء ناصحاً. وللمنادي مُجيباً. وفي الوعْد وفيّاً. وفي الأمور مُنْصِفاً. وفي الجمْع صامتاً. وفي القضاء عادلاً. وللإنسان خاضعاً. وفي الظلمة سراجاً. وللمهموم فرجاً. وللظمآن بحراً. وللمَكروب ملجأً. وللمظلوم ناصراً وعضُداً وظهراً. وفي الأعمال متّقياً. وللغريب وطناً. وللمريض شفاءً. وللمستجير حِصناً. وللضرير بصراً. ولمن ضلّ صراطاً. ولوجه الصدق جمالاً. ولهيكل الأمانة طرازاً. ولبيت الأخلاق عرشاً. ولجَسَد العالم روحاً. ولجند العدل رايةً. ولأفق الخير نوراً. وللإرض الطيبة زذاذاً. ولبحر العلْم فُلكاً. ولسماء الكَرَم شمساً. ولرأس الحكمة إكليلاً. ولجبين الدهر بيّاضاً. ولشجر الخضوع ثمراً. (حضرة بهاءالله)




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :