من هو المجرم....؟
بقلم: نوري إيشوع
الحاكم أم المحكوم..؟
غريب و عجيب هذا العالم, متناقضات و رضوخ و اهانات, نعال تسود و تفوق القامات و الهامات, شعوب تهان باردتها ثم تثور ايذاناً بحرق البيوت و الممتلكات و تنفخ ابواق الحرب و تقرع الطبول و تقيم حتى الموتى من القبور لتثور و تقبض على الرئيس الناطور, ممثلها منذ دهور و كانت تنادي باسمه منذ شهور: يعيش حامي الوطن و بدمنا نفديك يا راعي الشهامة يا بطل يا منصور, تناست بانها هي التي كانت تصون و تحرس القصور, و تمنع من الأقتراب منها حتى الطيور, شعوب استيقظت بقدرةِ قادر من سُباتٍ عميق و تخلصت من قيود القهر الأرادي و من أعمال السحر و الحاكم أصبح لها شبحاً منظوراَ, فألقت القبض عليه كمجرمِ خطير و وضعته وراء القضبان كالعصفور المذعور!
اليوم شعوب تثور, و تلاحق حكامها التي قادتها بارادتها منذ عصور و تحاكمها في ساحات الميدان و النور و تطالب بتتفيذ أقصى العقوبات بحقها و حتى حرقها بأتون نار التنور, الم تكونوا البارحة دعاة سعادة و حبور..؟ و لصورهم رافعين و منادين : نحن الأغصان و انتم الجذور يا سادة الوطن يا تيجان العرب يا ابطال سيناء يا نسور العبور! يا ابطال القادسية يا سيف العرب يا ابو الشهامة يا زين الرجال من بغداد الى طرابلس الى عمان الى القاهرة مروراً بالجنوب المقهور, تناقض فاق التصور, الريس أصبح يلاحق بهمجية كالكلب المسعور! و البارحة كنتُ أشبهه بالأسد الضرغام و أناديه بأسماء السباع و النمور, وقع المحذور ووضع على رقاب السادة الساطور, لا رحمة لا مغفرة لا قلوب في الصدور, لا حياة بل ظلام و موت و ضمور و الكل مقهور و رضخ للمحظور فانطلقت الأشباح من القبور و خيّم الموت على المسالمين و سادت الظلمة و انطفأت الشموع و تلاشت رائحة البخور!
من هو المجرم.. ؟الحاكم المقهور؟ أم الثائر المنصور؟
علقت مشانق و نطق الثائر بالحكم قبل المحاكمة و قبل تدوين القرار العتيد بسطور, و اقام الأفراح و الدبكات في المنازل و جميع الدور, شموعه, النيران المشتعلة في بيوت و ممتلكات الأقباط في قنا و قرقاص و دمنهور, العابه النارية, تفجيرات كنيسة النجاة و القديسين و تخويف و تهجير شعب مسالم مقهور تحت مظلة دبابات جيش الطنطاوي المنقذ المشهور, أو تحت تهديدات ميليشيات المالكي و الصدر و رافع الراية و صاحب القرار المشهور!
شعوب تثور و تنادي بمحاكمة الرئيس المجرم المقهور, متناسية بانها مشتركة في الجريمة بحق نفسها و بحق الوطن و كان لها أكبر الدور! لماذا.. ؟ لان الحاكم لا يستحق صفة الحاكم الا اذا كان له رعية (شعب) يحكمها,لا يكون قائد الا إذا كان له جيش من ابناء هذا الشعب, موظفين و عمال من عامة الشعب, حراس و عناصر أمنية تعمل على خدمته و المحافظة على أمنه و سلامته من الشعب نفسه, من هو الراشي و من المرتشي ؟ الأثنان هما من ابناء الشعب, مخالفة القوانين, نحن الذين نخالفها و نحمل المسؤولية للحكام, نحن الذين نحتال و نتهم الآخر! الحاكم هو ايضاً أحد ابناء الشعب...!
السبب الأوحد, و العامل الرئيسي لمأساة شرقنا الجريح و أمراضه المزمنة, ليس الحاكم و لا المحكوم, بل الثقافة, و المفاهيم الخاطئة و العادات و التقاليد و المعتقدات التي ورثناها منذ قرون وهي النتيجة الحتمية للظلم و القتل, والأضطهاد و تهجير الآخر و سلبه, تلك الموروثات هي المنطلق لكل ما هو لا انساني و بعيد عن ابسط القوانين الوضعية التي تحمي الأنسان و تصون كرامته و توفر له العيش بعزة و كرامة!
ايها الثائر, قبل ان تطالب بمحاكمة الحكام و تعليق مشانقهم, هل طرحت هذا على نفسك هذا السؤال: هل يحق لي ان أتخذ صفة القاضي و اصدار قرارات الادانة حتى اذا ثبتت إدانتهم..؟ ماذا كان الدور الذي لعبته أنا نفسي في الجريمة؟ و هل علي أن أحاكم نفسي قبل محاكمة الحكام؟ أم ان العدالة تاهت في دهاليز و أقبية القصور؟ أو دفنت في القبور و لن ترى بعد الآن النور؟
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :