شم النسيم بين الحاضر والماضي
كتبت: سحر غريب
هو عيد يحتفل به الشعب المصري بسائر مواطنيه -مسلميه ومسيحيه- ففي هذا اليوم يشعر المصري بأن جيناته وموروثاته تشده شدًا ناحية الاحتفال بهذا العيد، ورغم أن بعض الدُعاة والشيوخ يحرمون مظاهر الاحتفال بهذا العيد ويعتبرونه عيدًا وثنيًا، إلا أن الشعب المصري مازال يحتفظ به كعيد من أعياد الزمن الجميل، فنجده مازال يحرص في هذا اليوم على تناول البيض المُلون والأسماك المُملحة والخس والبصل والملانة الخضراء، وكل نوع من هذه المأكولات كان له دلالة مُعينة عند المصري القديم.
وهذا العيد هو واحد من أعياد مصر الفرعونية، والذي ترجع بداية الاحتفال به إلى ما يقرب من خمسة آلاف عام، وهو أحد الأعياد العديدة التي كانت عادة ترتبط بالظواهر الفلكية والطبيعية، ومظاهر الحياة في مصر الفرعونية، ويُعتقد أن هذا العيد كان معروفًا في مدينة "عين شمس" أو "أون" في عصر ما قبل الأسرات، وترجع تسمية شم النسيم بهذا الاسم إلى كلمة "شمو" والتي تم إطلاقها على موسم حصاد القمح.
وكان الفرعون يشارك بنفسه في تلك الاحتفالات، حيث يقدم حزمة من القمح فى هذا الموسم إلى المعبود "مين" (رب الخصوبة) أمام جموع الناس، ثم يطوف الكهنة وجموع الشعب بموكب هذا الإله، وهم يحملون تمثاله فيمرون على الحقول قبل حصادها اعترافًا منهم بفضله عليهم، وكانت التقدمة الرئيسية لذلك المعبود هي نبات "الخس" البلدي الذي أطلق عليه المصريون كلمة "عبو"، والذي كان رمزًا للخصوبة، وكان الناس في مصر القديمة يكثرون من أكل (الخس) في تلك الأيام المبهجة، ليمنحهم القدرة على تجديد الخصوبة واستمرارية الحياة.
كما كان المصريون يكثرون خلال هذا الموسم من تناول البصل الأخضر، الذى أطلقوا كلمة عليه "حجو"، فكان الجميع يشاركون في هذا الاحتفال ويزورون موتاهم، وهم محملون بالأطعمة والزهور والبصل الأخضر، الذي كان الزوار يحملونه على هيئة باقات من حبات البصل، وذلك كي تعمل رائحته النفاذة على إبعاد الأرواح الشريرة عن مقابر موتاهم من ناحية، وتساعدهم على ذرف الدموع، وتذكر من لهم في عالم الموتى وأربابه، من ناحية أخرى.
أما السمك المملح، فكان من أغذية المصريين القدماء الرئيسية طوال أيام السنة، ولكن ارتبط في موسم الحصاد بمغزى عقائدي هام، حيث ربط المصريون بين السمك المملح وبين جسد المعبود "أوزوريس"، فاعتبروا أن عملية تحنيط الموتى باستخدام الملح تقابل في حد ذاتها عملية تفسيخ السمك، من حيث تجفيفه وإضافة الملح إليه، لذلك فلم يكن من الغريب أن يوحد المصريون ما بين أوزوريس والسمك المملح، وأن تسجله المناظر الدينية على هيئة السمكة المملحة أيضًا، لذلك كان المصري القديم يتوحد مع المعبود أوزوريس عن طريق أكل السمك المملح في هذا العيد، كي يكتسب منه القدرة على إعادة البعث واستمرارية الحياة.
وكان تناول الحمص الأخضر (الملانة) من الأمور المحببة في شم النسيم كوسيلة من وسائل الترفيه، حيث أطلق عليه المصريون كلمة «حربيك» بمعنى رأس الصقر، تيمنًا بالصقر الوليد حورس، الذي أنجبته إيزيس بعد ممات أبيه أوزيريس، فكان رمزًا لإعادة الميلاد وتجدد الحياة للكون كله.
كذلك تناول المصري القديم البيض فى موسم الحصاد للتعبير عن البعث وإعادة الميلاد، حيث آمن المصرى القديم بأن البيض كان رمزا لإله الشمس الذى خرج من بيضة كبيرة معلنا بدء الخليقة، كما اعتبره رمزًا لإلهة الأمومة ورمزًا لبعث الحياة من كل شيء صلب، كخروج الفرخ من البيضة، وعلى الرغم من أن عادة تلوين البيض قد وفدت إلينا قديمًا من الفرس، إلا أن الأصل في رمزية البيضة ذاتها قد خرج من الحضارة المصرية القديمة.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :