إرهاب الدولة في البحرين
بقلم:عبدالخالق حسين
المفترض أن الإسلام دين رحمة ومكارم الأخلاق والوحدة بين أبناء الشعب، ولكن الذي يحصل على أرض الواقع هو العكس تماماً، أي أن معظم حكام العرب والمسلمين ومعهم وعاظ السلاطين من أمثال القرضاوي وغيره من مشايخ الوهابية، أحالوا الإسلام إلى دين نقمة ومساوئ الأخلاق، ودين تفرقة بين أبناء الشعب الواحد، وإلى مذاهب متعادية ومتقاتلة إلى حد حرب الإبادة، حيث اتخذ الحكام من تعددية الأديان والمذاهب الإسلامية ذريعة لتبني سياسة (فرق تسد) للتفريق بين أبناء شعوبهم، وتحريض مكونة ضد أخرى، من أجل ضمان بقائهم على كراسي الحكم. فجريمة أبناء هذه الشعوب أنهم ولدوا في مجتمعات إسلامية، فيها مسلمون ومسيحيون وغيرهم، والمسلمون منقسمون إلى مذاهب سنة وشيعة، وبدلاً من أن يعيشوا مسالمين متساوين في الحقوق والواجبات، تقوم الدولة ومرتزقتها من الوعاظ بزرع التفرقة وإشعال الفتنة، وتحريض فئة على أخرى.
هذا ما حصل في العراق في العهود البائدة التي تبنى حكامها السياسات الطائشة التي أدت بالنهاية إلى انهيار دولة "المنظمة السرية" البعثية إلى غير رجعة، وإعادة بناء الدولة العراقية على أسس حضارية إنسانية جديدة.
ولكن الحكام لم يتعلموا أي درس من التاريخ، إذ نفس المأساة والملهاة تتكرر في البحرين الآن، حيث تقوم السلطة الطائفية بمداهنة مكونة واحدة من الشعب البحريني لإبادة مكونة أخرى منه. ولذلك نعتقد أن الحكومة البحرينية، إذا لم تغيِّر سياستها، وتستفيد من دروس وعبر التاريخ، فإن مصيرها لن يكون بأفضل من مصائر الحكام الجائرين الذين انتهوا بمزبلة التاريخ.
مناسبة هذه المقدمة ورود أخبار مرعبة من البحرين عن قيام الأجهزة الأمنية بحرب إبادة الجنس ضد الشعب البحريني، وتحديداً ضد الشيعة الذين شاركوا في التظاهرات الشعبية السلمية المطالبة بالإصلاح السياسي وتحقيق حكم القانون ودولة المساواة في المواطنة. وقد تابعتْ وسائل الإعلام العالمية وخاصة الغربية منها، هذه الأحداث ونقلت عنها ما أمكن الوصول إليها ومعظمها مثيرة للقلق. وآخر هذه الأنباء، التقرير الذي نشرته صحيفة الإندبندنت اللندنية وبثته أذاعة بي بي سي، وعلى موقعها العربي، الرابط أدناه.
ويُعد التقرير الأول من نوعه حول القمع الذي تعرض له أصحاب المهن والخدمات الطبية إثناء أزمة الاحتجاجات في البحرين، ويروي اختطاف أطباء وتعذيب المرضى في المستشفيات والتهديد باغتصابهم.
كما وجاء في التقرير أن قوات الأمن البحرينية استهدفت الأطباء الشيعة على وجه الخصوص، وأن قمع التظاهرات خلق جوا من الخوف مما أدى بالمصابين إلى عدم الذهاب للمستشفيات طلبا للعلاج. وجاء في تقرير أطباء من أجل حقوق الإنسان أنهم تلقوا شهادات من شهود عيان تشير إلى أن قوات الأمن سرقت ست سيارات إسعاف على الأقل. وجاء في التقرير الذي نشرت الاندبندنت بعض مقاطعه: "استخدمت الشرطة القوة في إخراج المسعفين من سياراتهم وأجبرتهم على نزع زيهم تحت تهديد السلاح، ثم تنكرت في هيئة رجال إسعاف حتى تتمكن من الوصول إلى المتظاهرين المصابين وتعتقلهم". وأشار تقرير أطباء من أجل حقوق الإنسان إلى حالة بحريني يدعى علي، أصيب بعيار ناري في الوجه ونقل إلى مستشفى في المنامة حيث بقى لمدة خمسة أيام. وفي اليوم الثاني لوجوده في المستشفى "قيد ثلاثة من رجال الأمن يديه ونحو عشرة من المصابين واخذوا يضربونهم".
ويذكر تقرير الإندبندنت أنه تم اعتقال طبيبة متخصصة في العناية المركزة لأنها شوهدت تبكي على جثة محتج مقتول. وطبيب آخر أعتقل من صالة العمليات وهو يجري عملية جراحية على مصاب. وكثير من الأطباء تتراوح أعمارهم بين 33 و65 سنة اختفوا في أماكن مجهولة، ولا تعرف عائلاتهم عنهم أي شيء، كما وتم اعتقال عدد كبير من الممرضات والممرضين والعاملين في سيارات الإسعاف.
هذه الإجراءات الهمجية فريدة من نوعها، لم نسمع بها من قبل إطلاقاً. لذلك أثارت استنكار واستهجان قادة المؤسسات الطبية وغير الطبية في العالم، وعلى سبيل المثال لا الحصر، السيد جون بلاك، رئيس كلية الجراحين الملكية في إنكلترا، والدكتور مايكل ويلكس، نائب رئيس جمعية الأطباء البريطانيين BMA، الذي قال أن هذه الإجراءات محرمة ومخالفة لميثاق جنيف الذي ألزم الأطباء بمعالجة المصابين حتى ولو كانوا ضد حكوماتهم. كما وعبرت البارونة أشتون، الممثلة العليا للشؤون الخارجية في الوحدة الأوربية، عن قلقها إزاء ما يجري في البحرين من انتهاكات، وأنها ستزور البحرين لتقصي الحقائق.
يبدو أن الحكومة البحرينية وغيرها من الحكومات العربية الجائرة مازالت تعيش في عقلية العهود الغابرة، عقلية ما قبل العولمة وثورة الاتصالات والانترنت، ما زالت تعتقد أن بإمكانها ارتكاب كل هذه الجرائم الهمجية بحق شعوبها دون علم العالم. لا تدري أن العالم صار قرية كونية صغيرة، وهذه الجرائم لا يمكن إخفاءها، وأن حروب الإبادة لم تعد شأناً داخلياً، وليس بإمكان العالم غض النظر والسكوت عنها.
كذلك على المثقفين من جميع الخلفيات الدينية والمذهبية عدم السكوت عن هذه الجرائم بحجة أن أغلب ضحايا البحرين شيعة، ويبقون يرددون الأسطوانة المشروخة بأن إيران وراء هذه "الفتنة"، بينما الكل يقفون مع انتفاضات الشعوب العربية التي ليس فيها شيعة. هذا الموقف هو طائفي ولئيم وعار على المثقف. نفس الموقف اتخذه هؤلاء الطائفيون من انتفاضة الشعب العراقي عام 1991، حيث باركوا لنظام البعث إبادة نحو 700 ألف من العراقيين لأنهم من الشيعة والكرد. إن هذا الموقف يضر بالشعوب العربية وبعروبة الشيعة العرب، ويقدم خدمة مجانية لإيران. لقد أثبت التاريخ أن الظلم لا يدوم ومهما طال أمده وشراسته، فلا بد للظالم أن يلقى مصيره الذي يستحقه، وآخر درس كان مصير صدام الذي أخرج من حفرة حقيرة.
يا لغباء الحكام الطغاة، إذ ليس أسهل عليهم من كسب حب ومؤازرة شعوبهم لهم لو التزموا بمنطق العقل والضمير، فماذا يضيرهم لو تبنوا دولة المواطنة والعدل والمساواة بدلاً من التمييز العرقي والديني والطائفي واضطهاد شعوبهم بالنار والحديد، حيث لا يكسبون سوى الحقد والكراهية من شعوبهم ولعنة التاريخ... وصدق الشاعر حين قال:
لقد أسمعت لو ناديت حياً .... ولكن لا حياة لمن تنادي.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :