"كاميليا": اختراع من صنع السلفيين
بقلم: منير بشاي – لوس آنجلوس
قال الذئب للحمل: عكّرت الماء وأنا أشربه. فرد الحمل: كيف أعكر لك الماء وأنت فوقي والماء يجري من عندك إليّ؟ فقال الذئب: أنا لا أتكلم عن الآن ولكن عما حدث من عام. فرد الحمل: كيف يحدث هذا وأنا عمرى 6 شهور فقط؟ فرد الذئب: إن لم تكن أنت الذي عكرت الماء فهو أبوك. يعني واكلك واكلك.
أحيانا يبدو لي أن الأعذار التي تقدم عن الاعتداء على الأقباط هي أعذار كاذبة، من اختراع المعتدين، لأن النية المبيتة هي القيام بالاعتداء، أما السبب الذي يقدم فهو ليس مهمًا.
"كاميليا شحاتة" سيدة مسيحية بسيطة من صعيد مصر، وجدت نفسها فجأة محور الكلام بين الناس وفي وسائل الإعلام على نطاق مصر كلها. ومثل ما يحدث فى كثير من العائلات دبّ خلاف عائلي بينها وبين زوجها القس "تدّاوس سمعان". وفي لحظة عدم تقدير للعواقب تركت كاميليا بيتها في "دير مواس" لتقضي فترة عند أقاربها بمدينة القاهرة. قامت الدنيا ولم تقعد. ظن المسيحيون أنها اختطفت بواسطة الإسلاميين فتظاهروا أمام الكاتدرائية. ولكن الأمن عثر عليها وسلمها إلى أختها، وبعد فترة رجعت إلى زوجها وابنها وهدفها أن تعيش حياة هادئة بعيدة عن القيل والقال. ولكن هيهات أن يتحقق لها هذا!
في الناحية المقابلة تطايرت شائعات عن كاميليا بواسطة السلفيين، تقول أن كاميليا قد أسلمت، ولكن الأمن مع ذلك سلمها إلى الكنيسة ليتم حبسها بواسطة الكنيسة رغما عنها فى أحد الأديرة كما يزعمون.
قامت المظاهرات بواسطة السلفيين للمطالبة بتحرير أختهم كاميليا الأسيرة. وانطلقت التهديدات بأنهم سيقتحموا الأديرة والكنائس ليخرجوها عنوة اذا لم تسلم لهم. ورغبة في وضع نهاية لهذه الاعتصامات ظهرت كاميليا أمام الكاميرا في بيان بالصوت والصورة، وأذيع من إحدى القنوات المصرية الرسمية، وأعلنت كاميليا فيه أنها تمارس حريتها كاملة، وأنها لم تعتنق الإسلام، ولم تفكر في ذلك وليس في نيتها تغيير دينها.
ولكن الشكوك أخذت تحوم حول هذا الظهور، فقيل أنها لم تكن هي التي ظهرت، وطالبوا بإعادة ظهورها، للتأكد من صحة شخصيتها. وقد كتبت مقالًا أعترض فيه على هذا، مؤكدًا أن إعادة ظهورها لن ينهي المشكلة، لأن هذا لن يضيف إلى ظهورها الأول، ولأنهم سوف يستمروا في التشكيك مهما عملت، ويطالبوا بالمزيد من الأدلة.
وهذا ما حدث بعدما قررت أن تظهر مرة أخرى على قناة "الحياة" في برنامج "سؤال جريء" الذى يقدمه الأخ رشيد. فعلى مدى ساعة سألها رشيد عن تفاصيل ما حدث ووجه لها الأسئلة التي وصلته والتى يريد الناس بها معرفة ماذا حدث. ولقد أجابت كاميليا بكل صراحة ووضوح ولم تخبيء شيئًا عن المشاهدين، إلا الأمور الخصوصية العائلية التي لاتهم أحدا غيرها هي وزوجها.
وما كنا نتوقعه قد حدث فلم يرض السلفيون بما شاهدوه. فقال "أبو إسلام" إنه لا يعنيه ظهور كاميليا ولكن ما يريده هو إشراف الدولة على الكنائس والأديرة. واشترط الشيخ "عبد الله" أن تظهر "كاميليا" على قناة مصرية مثل "دريم" أو "المحور" وفي حضور شخص ممثل للدولة. واشترط الشيخ "يوسف البدري" أن يكون ظهور "كاميليا" مباشرًا وتتاح الفرصة لمن طالبوا بظهورها للاتصال بها والرد من جانبها على أسئلتهم.
ومرة أخرى أؤكد أنه لا يوجد شيء يمكن عمله يؤكد لهؤلاء كذب ما يفترون به على كاميليا. فكل استجابة لطلباتهم ستفتح شهيتهم للمزيد من الطلبات. وكيف يقبلوا أن ينتهي الموضوع الذى يجمعهم ويثير حماسهم. فالحقيقة هي أنهم لا يبحثون عن إثبات يبرهن لهم أن كاميليا ليست مسلمة، بل يلجأوا الى أوهام ليقنعوا بها أنفسهم أن كاميليا مسلمة. فهم من صنعوا الكذبة وهم الذين صدقوها.
في مثل الغني ولعازر الذي ذكره السيد المسيح توضيح لهذا الفكر، وهو أن هناك حالة يمكن أن يصل إليها الإنسان بحيث لا يستطيع أن يصدق الحقيقة الواضحة أمامه، ولا يوجد شيء يمكن تقديمه لهم حتى يصدقوا. في هذا المثل يذكر السيد المسيح أن الغني الشرير مات، وكان نصيبه في العذاب في الهاوية. ومن الهاوية نظر الغني فرأى إبراهيم في الفردوس ولعازر في حضنه. وهنا طلب الغني من إبراهيم أن يرسل لعازر إلى أخوته الخمسة في بيت أبيه حتى يحذرهم من أن يأتوا إلى موضع العذاب الذي هو فيه. فرد إبراهيم أن أخوته عندهم موسى والأنبياء ليقوموا بوعظهم. ولكن الغني يستمر في الإلحاح قائلًا أن أخوته إذا رأوا شخصًا يأتي إليهم بعد موته سوف يصدقون ويتعظون. وكانت المفاجأة التي سمعها من إبراهيم أنه إن لم يصدقوا موسى والأنبياء فلن يصدقوا حتى إن قام ميت من الأموات. (لوقا 16: 27- 31).
بالمثل أعتقد أن السلفيين لن يصدقوا أن كاميليا التي رأوها بأعينهم مرتين على شاشة التلفزيون، هي كاميليا شحاتة حتى وإن قام ميت من الأموات ليشهد لهم بهذا. وذلك لسبب بسيط أنه لو انتهت قصة الأخت كاميليا فعن أي شىء سيتكلموا؟
وسيستمر مسلسل القتل والترويع وحرق الكنائس والبيوت، بسبب الاعتقاد أن الكنائس تحتجز النساء المسلمات. كما حدث هذا في إمبابة يوم السبت 8 مايو. والغريب أن يعلن بعدها الشيخ "محمد علي" خطيب مسجد التوبة بأن قصة الفتاة المسلمة التي قيل أنها محتجزة بالكنيسة كانت كاذبة. ولكن لم يحاول أحد أن يتحرى صحة المعلومات قبل قتل 12 وجرح 180. فالفكرة حاليًا هي الاعتداء أولًا ثم البحث عن السبب ثانيًا.
ولن يتوقف هذا إلا إذا كانت هناك دولة قوية وقانون رادع في مصر. فمتى نرى هذا؟
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :