في قلب ماسبيرو
بقلم: القس أيمن لويس
ذهبت إلى هناك للمشاركة من واقع إحساسي بالمسئولية كمسيحي، للمطالبة بالحقوق المشروعة للمسيحيين، وللاعتراض لما نعانيه من تميز يصل لحد الاضطهاد، وقد يتطوَّر ليتصاعد لمستوى الإبادة! كان هذا دافعي في المقام الأول، ومن أجل إيماني بمبادئ حقوق الإنسان.. أي إنسان من أي لون أو جنس أو دين، ثم لإعلان اعتراضي على الأساليب السياسية المتَّبعة لتسيير الأمور في بلادنا في كافة القضايا من القائمين على النظام الحالي، وهي قضايا كثيرة وملفات خطيرة مثل الاقتصاد، والأمن الداخلي والخارجي، والقضاء، والتعليم.. الخ.
نعم لقد جاءت الثورة، غيَّرت القائمين على النظام، ولكن اُكتشف أن النظام لم يتغيَّر، اتضح أن "التحرير" غيَّر أفراد لكنه لم يستطع أن يغير العقول، فما أصعب تغيير العقول! فلا يزال المنهج هو هو والأساليب هي هي، تغيَّر الأفراد فى الإعلام وفي القضاء وفي غيرها ولكن لا يزال لم يتغير الأسلوب، فلايزال أسلوب الموائمات والتوازنات والانحيازات القبلية والتعتيم وعدم الشفافية.. إلخ.
المهم ذهبت إلى هناك ودُعيت للمنصة، كان في خاطري كثير من الأفكار لأتحدث بها، والعديد من المواضيع لتقديمها لأهلي وناسي، حيث إنني أعتبر نفسي من مرتادي المنابر بحكم عملي، لكن ما إن صعدت للمنصة إلا وشعرت بالرهبة، ليس لكثرة العدد والحشود ولكن لعظمة المعتصمين ونبل هدفهم وصلابة عقيدتهم ووضوع مبادئهم وعظيم تضحياتهم، شعرت أنني صغير أن أتحدث لنخبة الأبطال الذين دفعهم إيمانهم لترك منازلهم وأعمالهم ومشاكلهم وأسرهم للجلوس في الشارع والاعتصام على قارعة الطريق بما يحمله من مخاطر وتهديد!! فهناك كان السمو والتسامي. فهؤلاء المسيحيون الودعاء الذين دُمرت بيوتهم وقُبض على أولادهم وإخوتهم في دفاعهم عن أنفسهم، ومات أعز ما لديهم، حُرقت كنائسهم واُعتدي على مقدساتهم بالحرق والتدنيس، وأُهينت رموزهم، وها هم واقفون يرحِّبون بصفاء ومودة بعشرات المسلمين بل المئات بابتسامة، يحملون في قلوبهم الغفران والتسامح، ليؤكِّدوا صحة مبادئهم الدينية ووصاياهم السماوية "باركوا لاعنيكم احسنوا إلى مبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم"، هكذا شاهدتهم يفعلون، فقد أثبتوا أن المسيحية وسماحتها وسموها ليست شعارات ولا كلمات حمَّالة أوجه يختلف حولها المجتهدون، إنها ثوابت يؤمن بها ويمارسها جميع المسيحيين. فمع شكرنا لمودة الإخوة المسلمين الذين جاءوا إيمانًا منهم بحقوق المسيحيين، يبقى أن نتذكر دائمًا طبيعة المسيحيين في الطيبة والمودة والتحضر والغفران. ورغم كل ما قيل عن أن أديرتهم وكنائسهم مدجَّجة بالسلاح، قد ثبت أنهم عُزَّل ولا يملكون إلا قيمهم الدينية وتضرعاتهم، حتى الذين قالوا عنهم إنهم يحملون أسلحة، كما يتضح أنها حالات فردية للدفاع عن النفس، لكنها لا تبنى على أيدلوجيات أو تخطيطات جهادية.
في الختام أود أن أقول لإخوتنا المسلمين إن شهادتي بعظمة معتصمي "ماسبيرو" وارتفاعهم فوق الضغينة لقبول بقية المسلمين المتضامنين معهم في اعتصامهم، سببه من أي إسلام أنت؟ وأي مسلم أنت؟ اعذرونا إن اختلطت لدينا الأمور، فالمسألة معقَّدة. كيف لنا أن نميِّز أن من يعتدي علينا سلفي أم إخواني أم جهادي أم دعوي أم صوفي، فجميعهم مسلمون؟ وكيف نميِّز أي نوع من الإسلام يؤمن به هذا أو ذاك من المسلمين؟ هل هو من المعتزلة الليبراليين العقلانيين؟ أم هو من أتباع "ابن تيميه"؟ أم هو من الوهابيين السلفيين المتشددين؟ أو هو من مؤيدي الشيخ "حسين يعقوب" الذي يريد طرد الأقباط من بلادهم؟ أو "ابن أنس" الذي يأمر بحرق كنائسهم؟! هل هو ممن يؤمنون بحق المرأة والقبطي في الولاية؟ أم هو من المسلمين الذين يقولون لا ولاية لغير المسلم على المسلم؟ إن الصورة أمامنا ضبابية، حيث تعددت أمامنا صور الإسلام، ومن الصعوبة أن نميِّز أي نوع من الإسلام تؤمن به؟ وأيًا من المسلمين أنت؟! وحتى نصل لتحديد الملامح والهوية والإجابة، يستمر نزيف الدماء وفقد الشهداء وتدمير الوطن والمقدسات.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :