الجماعة
بقلم: د.حمدي الحناوي
منذ أيام أطل علينا مرشح الرئاسة عن الإسلام السياسى بوجه سمح، يعدنا بالحرية، وبأنه لا يحق لأحد محاسبة غيره إن خالف الدين، فمن يحاسبنا هو الله. فشلت محاورته فى كشف أى سلبيات لديه. حديثه رائع، بشارة بدولة مدنية يتساوى فيها النساء والرجال والأقباط والمسلمون، فلم يبق سوى إعلان بأن المرجعية الدينية لن تكون دينية. طلب منا طرح مخاوفنا جانبا، قائلا إنها أوهام، فما الإصرار بعد هذا كله على أن تكون للدولة مرجعية دينية؟
الوجه السمح، وهدوء الصوت على خلاف خطباء الجمعة، صفات مبهرة. لكن كلمات تتسلل فنتأملها. الجماعة لن تؤيده، لا بمعنى أنها ستدعو لعدم انتخابه، بل بمعنى أنها لن تمول حملته. ويصمت الحوار عن رد منطقى، نعم لن تموله الجماعة فماذا عن أعضاء الجماعة وحوارييها وأتباعها؟ ومن سيدعو الناس لانتخابه؟ سينفصل عن الجماعة لكنه كما يقول لن يهجرها، فالجماعة فكرة لن يتخلى عنها بل يبتعد عن إدارتها. ولا غرابة، فهو يرى أن أى رئيس يجب أن يستقل عن حزبه بمجرد انتخابه ليكون رئيسا لمصر لا لحزب. ورئاسة الدولة بالطبع أكبر من رئاسة حزب أو جماعة.
نموذج، أقول للجماعة بعد الاستماع إليه أحسنتم الاختيار، وأقول ما أبدع التخطيط والتنشئة السياسية. الرجل يعرف أن التحدى هو الحصول على تأييد واسع من خارج الجماعة، وهذا يتطلب السماحة والمرونة والهدوء. يقول كما نقول أن الإقناع لا يتحقق بالقوة. أما لماذا المرجعية الدينية إن كانت الدولة ستعطى لمواطنيها كل ما تحدث عنه من حرية، فأكاد أسمعه يجيب بأننا دولة يحكمها الدين بالفعل، ويلتف مواطنوها المسلمون حول الدعاة، والمسيحيون حول الكنيسة، فماذا ينقصنا لنكون دولة ذات مرجعية دينية؟
النقاط الفاصلة دائما دقيقة وتكاد لا ترى. والحديث عن دولة مدنية أمر منطقى، لأن الرئاسة والنيابة تأتى بالانتخاب، ولأن الكتب المقدسة ليست كتب قانون بل مصدر مبادئ عامة، نؤمن بها ولن نهجرها عند وضع القوانين. والجزية مسألة عفا عليها الزمن، وهى تسقط لأن الأقباط يشاركون فى الدفاع عن البلاد. والحدود لم تفرض لكى تنفذ، بل لتكون رادعا يحول دون وقوع الجريمة. هل رأينا فى ساحتنا لاعبا سياسيا أكثر دهاء، وأكثر قدرة على تغليف أفكاره وتلوين صورته بمثل هذا الجمال؟
لا ينتهى الأمر عند هذا الحد، فلدى الرجل نظام دقيق، وخطة زمنية، وقد حدد موعدا لإعلان برنامجه المفصل، لم يتردد فى أن يعلن عنه، ثقة بقدرته على تنفيذ كل شئ فى موعده. وهكذا، "كل شئ عنده بمقدار"، ولا أجد مخرجا من القبول بمرجعيته الدينية، إلا أن أقول بنفس صراحته، أن مصدر خوفى ليس الدين، فعلى مدى التاريخ لم يكن الدين مصدر خطر، وجاء الخطر دائما ممن يحكمون باسم الدين. يتكلمون باسم الله، ويأمرون الناس ويقولون أنه أمر الله، ولا يبقى للناس إلا السمع والطاعة، ولا عزاء لمبادئ الحرية.
لا نزرع التفاح ونجنى الحنظل، فماذا زرعت الجماعة لتثمر هذا التغير؟ أم أن خللا عقليا أصابنا ففقدنا قدرة التمييز؟ بالأمس صرح المرشد بأن زمن الفصل بين الدين والسياسة قد انتهى، وكرر أنهم لن يرشحوا أحدا للرئاسة، فهل يقنعوننا بأنه ليس فى هذا تدليس؟ يحكى أن رجلا كان يظن أنه حبة قمح، فإذا رأى دجاجة أسرع بالهرب لأنها ستأكله. وبعد علاجه حمد الله أنه لم يعد حبة قمح، لكن دجاجة أطلقت بجواره فانطلق هاربا، ثم برر هروبه بأنه متأكد أنه ليس حبة قمح، لكنه ليس متأكدا أن الدجاجة تعرف ذلك!!!
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :