تغطية غير موضوعية لحادث "إمبابة"!!
بقلم: جرجس وهيب
كنت أعتقد أن أمورًا كثيرة ستتغير تغيرًا جذريًا وكليًا بعد ثورة 25 يناير، لنبدأ طريق بناء "مصر" الجديدة المتقدّمة والديمقراطية التي نتمناها جميعًا، ليجد فيها أولادنا وأحفادنا أنفسهم والحياة الكريمة، ولا يصبح لديهم مبرر للسفر إلى الخارج بحثًا عن لقمة العيش أو الحياة المريحة.
إلا أن هذا لم يتحقق حتى الآن، فما زالت الفوضى تضرب بكل أركان الحياة في "مصر"، ومازالت الفوضى المروية تنتشر بشكل كبير، ومازال السائقون يمارسون أقصى أنواع البلطجة ضد الركاب الذين يرضخون أمام مطالبهم تجنبًا للصدام معهم، وخاصة أنه لم يعد لرجال الأمن أي تواجد، وثانيًا لعدم تعطيل أعمالهم ومصالحهم. ومازال رغيف الخبز في أسوأ حالاته، ومازال يُباع الدقيق المدعوم أمام أعين الكل وخاصة مفتشي التموين، والجديد أن قبل الثورة كان يُباع الدقيق في الخفاء أما الآن أصبح يُباع في العلن وأمام الجميع وبمتهى البجاحة! ومازالت الأزمات تتوالى، فما أن خرجنا من أزمة نقص اسطوانات البوتاجاز حتى دخلنا في أزمة نقص السولار، فالمئات من السيارات تنتظر أمام محطات التموين لساعات طويلة بحثًا عن السولار.
كما كنت أتوقع بعد الثورة أن يتم تغيير كبير في سياسية وسائل الإعلام؛ وخاصة الصحف والفضائيات المصرية في تغطية بعض الأحداث المصرية، وخاصة أحداث الفتنة الطائقية، إلا أن هذه الصحف والفضائيات مازالت تتبع نفس الطريقة في تغطية أحداث الفتنة الطائفية، فخلال الأيام الماضية وقعت أحداث طائفية جسيمة وخطيرة وغريبة على "مصر"، حيث تم الاعتداء على كنائس "إمبابة" وحرقهما والتعدى على منازل وومتلكات الأقباط المجاورين لها، وقتل وإصابة المئات.
فور وقوع الحادث البربري والهمجي، خرج عدد كبير من الصحف والفضائيات، الحكومي منها والخاص، ليعلن خلال تغطيته للحادث عن وقوع اشتباكات بين مسلمين وأقباط! لا أعلم كيف يكون ما وقع أمام كنائس "إمبابة" هو اشتباكات؟! وإذا كان هذه اشتباكات فما هي الاعتداءات من وجهة نظرهم؟!
إن ما وقع هو اعتداء من جانب سلفيين أو بلطجية أو حتى مواطنين عاديين على كنائس ومنازل وممتلكات أقباط.
فالأمانة الصحفية كانت تقتضي أن تخرج عناوين الصحف والفضائيات فور وقوع الحادث لتعلن وقوع اعتداءات على كنائس وممتلكات الأقباط وليس وقوع اشتباكات، فالأقباط لم يذهبوا إلى أحد ليعتدوا عليه، وإنما وقعت اعتداءات عليهم دون أن يرتكبوا أي ذنب أو أن يكونوا على خلاف مع أحد، وإنما كان هناك "تلكيكة" وجود مسيحية أشهرت إسلامها وتزوجت من مسلم مُختطفة داخل الكنيسة! وهو ما ثبت عدم صحته سواء على لسان الدكتور "سليم العوا" أو على لسان "عبير" التي أكَّدت خلال إتصال تليفوني مع إحدى القنوات الخاصة أنها لم تكن مختطفة، ولم تكن متزوجة من مسلم.
كما كان ينبغي على الصحف أن تبرز أن هناك مجموعة من الناس حاولت تفتيش كنيسة بدون وجه حق، ودون أن يكون هناك سند قانوني أو مبرِّر منطقي لذلك. فكل هذا الأحداث تصوَّر على أنها اشتباكات، وإنما كانت الحقيقة قمة الاستهانة بالقانون، والإذلال والقهر والتعدي على القانون، وسلسلة طويلة من التعديات والتجاوزات على القانون.
فهذه الأحداث كان يجب أن تصوَّر بشكلها الصحيح، وهو قيام مجموعة من الناس، دون النظر إلى دينهم، بمهاجمة والتعدي على ممتلكات ومنازل ومتاجر مجموعة أخرى من المصريين، مما دفع المجني عليهم إلى الدفاع عن أنفسهم، فالدفاع عن النفس في هذه الحالة دفاع قانوني مائة في المائة، ولا يجوز احتجاز أي شخص لمدة يوم واحد من أجل الدفاع عن النفس الذي سمح به القانون.
فكان يجب أن الصحف والفضائيات تتحلى بالأمانة الصحفية والموضوعية في تغطية هذه الأحداث، وخاصة بعد الثورة، إلا أن الأوضاع مازالت كما كانت عليه قبل 25 يناير بل ربما أسوأ مما كانت عليها في بعض النواحي، وخاصة الملف القبطي الذي أصبح من سيىء إلى أسوأ. وأعتقد أن السبب الأساسي هو أن المجلس العسكري والشرطة مازال يتعامل مع الأحداث الطائفية على أنها اشتباكات بين مسلمين ومسيحيين، وليست اعتداءات على المسيحيين. بالإضافة إلى انعدام الضمير في تناول الأحداث، والكذب والتلون.. كل هذه الأمور لا توحي بأن تكون "مصر" خلال الأيام القادمة التي كنا نحلم بها ونتمناها لأولادنا.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :