انطباعات زيارة خاطفة بعد غياب طويل
بقلم: د. صبري فوزي جوهرة
تشير الأحداث المتتابعة مؤخرًا إلى أن أحوال الوطن غير مطمئنة. وقد عززت زيارتي السريعة للوطن منذ أيام هذا الشعور. جائت هذه العودة بعد ثماني سنوات كنت قد وضعت خلالها على قائمة لغير المرغوب فيهم. و كانت كريمتي الكبرى قد عانت أيضًا من عواقب أعمالي السيئة عند زيارتها لمصر مع زوجها، حيث احتفظت باسم عائلتي بعد الزواج، ولقيت بعض التعنت عند وصولها إلى مطار القاهرة مع زوجها قبل قيام الثورة. ولكني، والحق يقال، قد استقبلت استقبالا حسنًا جدًا يفيض بالود والترحيب والاحترام عند وصولى إلى أرض الوطن في الخامس من هذا الشهر.
سأتناول في مقالي هذا بعض الأفكار والانطباعات التي تركت أثرها في ذهني بعد الزيارة، وإن كان البعض منها يرجع بجذوره إلى ما قبلها.
كان الهدف الأول من الزيارة هو العمل مع آخرين من داخل مصر ومن المهجر، على تأسيس هيئة علمانية (تمامًا) قبطية (تمامًا)، من الرجال والنساء المرموقين في مصر، من غير المهاجرين، وذلك للاتصال بالأحزاب السياسية الجديدة الفعالة وبالسلطة العسكرية ورئاسة مجلس الوزراء، لضمان تعريف وإيضاح مطالب الأقباط إلى هذه الهيئات الرسمية، ومتابعة الوعود المعطاة للأقباط، ومحاولة توعية الأقباط وحثهم على ضرورة الاندماج في العمل السياسي، لما فيه خير مصر وترسيخ مبادىء المساواة التامة بين كافة المصريين، وبغض النظر عن الدين أو المذهب أو الوضع الاجتماعي، وبعيدًا عن أية وصاية تقليدية كانت أو غير ذلك، وتعزيز شعور الأقباط بقوتهم وفاعلية تأثيرهم في مجال العمل الوطني، إذا التزمت الدولة بالنمط الديموقراطي في تسيير أمور البلاد.
من الواضح أنه من الأصلح لمصر ولأقباطها، أن يكون لهم كيان علماني قوي متعدد الأطراف والأشخاص، يتعامل باسمهم مع الدولة، فيجعل من الصعب على المتربصين والمناورين والمساومين على حقوقهم الاستمرار في أفعالهم الشريرة الضارة بالأقباط والوطن. ذلك لأنه يصعب على هؤلاء المتربصين ممارسة الضغوط والقهر على هيئة متعددة الأعضاء والاتجاهات السياسية، أو "الطناش" وعدم الالتزام بالوعود وتطبيق مبادىء المساواة التامة الكاملة بين جميع أبناء مصر، في ظل قانون عادل وسلطة تنفيذية لا تخشى في الحق سوى الله.
دهشت لظن الكثيرين من بسطاء الأقباط، و بعض غير البسطاء منهم، أن الولايات المتحدة ستعمل على حماية الأقباط ومساندتهم في صراعهم للحصول على حقوقهم المشروعة في وطنهم، أو أنها حريصة على ذلك. لذلك كنت أعيد تكرار عبارة استعرتها من أحد أقباط المهجر، مذكرًا الجميع بأن "المتغطي بأمريكا عريان"، ومذكرًا بأحوال مسيحيي العراق تحت الاحتلال الأمريكي العسكري لبلادهم، و"بمداعبات" الأمريكان لكافة الجماعات المشبوهة، واستعدادها للتفاوض حتى مع طالبان أفغانستان. كذلك بذلت قصارى جهدي لتشجيع الشباب على المطالبة بحقوقهم بلا خوف ولا وجل، وبالاستعداد لدفع ثمن الحرية بالدماء. حاولت كذلك أن أُطمئن من توسمت فيهم التردد في المطالبة بالحقوق، حرصًا على "طاعة" الكنيسة. فمن المسلم به أن الكنيسة لا يغضبها أن يسود العدل والحق بين الناس قاطبة، ومن باب أولى بين أبنائها.
أعاود المطالبة بتأسيس كيان مدني وطني يشمل كافة قوى وفئات الشعب المصري المخلصة للوطن، الداعية إلى المساواة والحرية والعدالة للجميع، ليعمل إلى جانب المجلس العسكري الذي فرضه الديكتاتور المخلوع على مصر و شعبها، يراقب تصرفات وقرارات العسكر المشبوهة و قد تعددت. وكان آخرها إطلاق سراح "سوزان ثابت" لمجرد وعدها بإرجاع "بعض الفكة" مما نهبت إلى خزينة الدولة، ناهيك طبعًا عن "الدلع المرء" الذي ينعم به القتلة السلفيون ملوحو أعلام السعودية في أرض مصر، وإقتناع الكثير من المصريين بتواطوء المجلس الموقر مع أعداء ثورة 25 يناير. ذلك وبصرف النظر عن أن جيوش العالم المحترمة لا تعمل في السياسة، وأن قيادات المجلس العسكري الحالي هي من بقايا عناصر رجل "شرم الشيخ" المريض المتمارض، وضع مصيره بين أيديهم لذات الغرض الذي حدى به ودفعه إلى قتل المئات من أبناء الشعب، في محاولة يائسة لتجليس ننوسه على كرسي الحكم، حتى لا يلاقي بعد أن يترك هو رئاسة مصر ما انتهى إمره بالوقوع تحت طائلة العدالة.
أخيرًا، لا أرى سبيلًا لانتزاع حقوق الأقباط خاصة، وكافة المصريين عامة، وتحقيق أهداف الثورة في الكرامة والعدالة والحرية، إلا من خلال قوة الاحتجاج الجماعي العلني ف ميادين مصر وشوارعها، بصرف النظر عما يقال عن أضرار هذه الاعتصامات على الوطن. وكنت من أوائل من دعى إلى الاحتجاج الجماعي السلمي لإسقاط النظام السابق من قبل ثورة يناير.
الخايف على مصالح مصر ينفذ مطالب الشعب المشروعة، ويعمل على فرض الأمن وتفعيل القانون وتطبيقه على الجميع، وعدم محاباة مبارك وأسرته أو عملاء السعودية، وصناع التأخر والخراب. وليبق اعتصام الشعب في الميادين تحذيرًا للمتقاعسين والمناورين، وإعلانًا لهم بالتمسك بأهداف ثورة 25 يناير إلى المنتهى.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :