ما تهامس اثنان إلا وأمن الدولة ثالثهما!
الراسل: عثمان محمود مكاوي
لم يكذب الناشط الشيعي "محمد الدريني" حين ألف كتابًا رصد ووصف فيه حالات التعذيب البدني والنفسي للمعتقلين من جميع الاتجاهات السياسية والدينية في مقار جهاز مباحث أمن الدولة، وقد قام بتسمية كتابه بـ"عاصمة جهنم". هذا الجهاز قد أذاق المصريين جميع صنوف العذاب. فكم من قصص التعذيب سمعنا وقرأنا، بل وهناك من ذاق بنفسه هذا التعذيب من صعق بالكهرباء وسلخ وتعليق وهتك عرض للجنسين كي يعترفوا على جرائم لم يقترفوها! أو من أجل الضغط على هاربين كي يسلِّموا أنفسهم للجهاز (بالتأكيد هذا غير قانوني)، حتى ولو كان ما يجري من تعذيب من أجل الارشاد عن مجرمين. وهذا ينقلنا إلى الحديث عن ماهية الدور المنوط لجهاز أمن الدولة القيام به، والمفترض إنه حماية أمن الدولة والمواطن، وهذا هو الدور المعروف به في الدول الديمقراطية، أما الدول الاستبدادية، فإن دور جهاز أمن الدولة أو ما يقوم مقامه قد تحوَّل من جهاز لأمن الدولة وحمايتها إلى جهاز لأمن النظام الحاكم والقضاء على معارضيه ومنتقديه، فصار هذا الجهاز هو السوط الذي يجلد به النظام الحاكم المستبد كل من يعارضه أو ينتقده أو يقف في وجه استبداده، بل لقد أعطاه النظام الحاكم صلاحيات قانونية وغير قانونية في ملاحقة المعارضين له، عن طريق إلقاء القبض عليهم ولصق تهم باطلة بهم، أو التنصت على حياتهم الخاصة والعامة. بل إن أذرع جهاز أمن الدولة السابق قد طالت كل شيئ في "مصر" حتى وصلت إلى التنصُّت على القضاء، وهذا ما أشار إليه الكاتب الكبير "فهمي هويدي" في مقالته المنشورة بجريدة "الشروق" يوم 18 مايو 2009 الماضي.
لا أبالغ إذا زعمت أن أي مصري لا يستطيع استلام عمله قبل موافقة هذا الجهاز، والذي بيده المنح والمنع!! هذا الجهاز السابق كان يهب الكثير من المناصب العليا لمن يشتغل مخبرًا لديه، ويقوم بالتجسُّس على مرؤوسيه وأصحابه. لقد تدخَّل هذا الجهاز اللعين في كل عمل ونشاط في حياتنا؛ من إضرابات، واعتصامات، والتدخُّل في المشكلات الطائفية، بل إنه لم يترك الأحزاب السياسية، فقام بالتجسُّس عليها، وأخذ يضرب قيادات الأحزاب بعضها ببعض، بل يضرب قيادات الحزب الواحد بعضها ببعض!
في وقت من الأوقات أشفقت على القائمين على هذا الجهاز، وذلك لأنهم كانوا يقومون بأدوار ومهام ليست من مهام عملهم المفترض أنهم مكلفون به، وصار الجهاز يعالج أخطاء سياسية لم يكن له دخل فيها، بل هي من فعل السياسيين الأغبياء. فتحمَّل ما لا طاقة له به، مما جعله يقع في الأخطاء لعدم درايته بأساليب معالجتها، مما جعل صورته مشوَّهة في نظر الكثير من المصريين.
كتبت في الماضي عن هذا الجهاز وتدخُّله في كل صغيرة وكبيرة من حياتنا الخاصة والعامة. وقد كنت مندهشًا حين قرأت عن تنصُّته على القضاة، وقد كتبت مقالة نُشرت لي بجريدة "الشروق" بتاريخ 21 مايو 2009 بخصوص تنصُّته على قضاء مجلس الدولة! "فما بالنا بباقي الوزارات والوظائف الأخرى؟"، ثم استطردت قائلًا: "لقد وصل بنا الحال إلى أن المواطن لا يستطيع أن يأكل أو يشرب أو ينتقد أو يتنفس أو يضاجع زوجته إلا عبر بوابة الأجهزة الأمنية".. الآن فقط بعد قيام الثورة شعرنا بالراحة والاطمئنان، خاصة بعد تولي الدكتور "عصام شرف" رئاسة الوزارة، وتولي اللواء "منصور العيسوي" وزارة الداخلية، وحله لجهاز أمن الدولة، والشروع في بناء جهاز جديد يحمل اسم الأمن الوطني.
في النهاية أدعو الله بأن يكون تغيير اسمه مقدمة لمحاسبة المتورطين فيه، ولتغيير سياساته، وتحجيمًا لصلاحياته السابقة.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :