تقرير المجلس القومى لحقوق الإنسان... هل يلحق بتقرير العطيفى؟!!
بقلم يوسف سيدهم
فى أعقاب كارثة إمبابة الأسبوع قبل الماضى والتى تعد حلقة فى سلسلة محاولات السلفيين والبلطجية اختطاف ثورة 25 يناير، أرسل المجلس القومى لحقوق الإنسان لجنة إلى موقع الأحداث لتقصى الحقيقة حول ما حدث... ذهبت اللجنة وعاينت الأوضاع على الطبيعة واستمعت إلى العديد من شهود العيان ورجال الدين فى المكان وكذلك المصابين فى المستشفيات، ثم عادت لترسم صورة دقيقة لمسار الأحداث ولتصدر تقريراً قوياً شجاعاً يتضمن تحليل الواقع والتربة المريضة الخصبة التى أفرزته وكيفية التعامل مع ذلك الواقع للحيلولة دون تكرار انفجار مثل تلك الأحداث الملتهبة بين الحين والآخر.
قبل الخوض فى التقرير، أقول إنه يذكرنى بتقرير »لجنة العطيفى« الذى يعرفه كل المهمومين بأمر هذا الوطن، وهو التقرير الذى صدر منذ أربعين سنة- عام 1971- فى أعقاب أحداث الخانكة الرهيبة التى روعت مصر كلها باعتبارها باكورة الهجمات الشرسة على الأقباط من الجماعات الإسلامية المتطرفة، والتى يؤرخ بها تاريخ اضطهاد الأقباط فى النصف الثانى من القرن العشرين، وكان من جراء بشاعة أحداث الخانكة أن شكل مجلس الشعب فى ذلك الحين لجنة تقصى الحقائق برئاسة المستشار جمال العطيفى، وصدر عن اللجنة تقرير خطير- مقلق جداً بمعايير ذلك الوقت- يحدد الداء والدواء وينتهى بتوصيات واضحة صارمة لترسيخ حقوق الأقباط والكف عن استهدافهم من جانب المتعصبين والمتطرفين، كما حذر التقرير من مغبة الاستهانة بتفعيل تلك التوصيات من جانب الدولة، لأن فى ذلك انزلاقاً نحو تردى الأوضاع واستفحالها وانفلاتها خارج نطاق السيطرة... وللأسف الشديد تقاعس مجلس الشعب عن الاضطلاع بمسئوليته تجاه ذلك التقرير ولم يتخذ من الخطوات التشريعية الواجبة أو من آليات مساءلة الحكومة ما يكفل احترام توصيات التقرير، وترك الأوضاع تسوء وتتردى، حتى إن مصر شهدت بعد ذلك كوارث متتالية من الهجمات على الأقباط ودور عبادتهم وممتلكاتهم وأرواحهم ما يعزوه الكثيرون إلى عدم الحسم منذ البداية وترك السلطتين التشريعية والتنفيذية للمجرمين يفلتون بجرائمهم دون عقاب مما أدى إلى توحشهم واستهانتهم بالقانون وبدولة القانون... وهكذا بقى تقرير »العطيفى« علامة بارزة فى سجل الوطنية المصرية وحقوق الإنسان، ولكن فى الوقت نفسه علامة مؤسفة على روشتات العلاج التى تلقى بها السلطة السياسية فى ثلاجة التجميد!!
وأعود لقراءة سريعة فى تقرير لجنة تقصى الحقائق التى ذهبت إلى إمبابة الأسبوع الماضى وفى ذهنى القرارات الصارمة التى صدرت عن مجلس الوزراء عقب اجتماعه الطارئ بعد الأحداث، وكذلك البيانات المتتالية التى صدرت عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وكلها تؤكد على تفعيل القانون وتعقب المجرمين والجناة وعدم إفلاتهم من المساءلة والعقاب... بل أيضاً تشير إلى خطورة تحدى هيبة الدولة وتحذر من نفاد صبر السلطة إزاء العبث بأمن الوطن فى هذه المرحلة الدقيقة التى يمر بها... وأتساءل: هل يلحق تقرير إمبابة بتقرير العطيفى فى ثلاجة التجميد، أم يؤخذ بالجدية التى تتناسب مع خطورة الموقف الذى نحن بصدده؟... الأيام المقبلة كفيلة بالرد على هذا التساؤل، وهذه هى النقاط الأساسية التى تضمنها التقرير:
❊❊ لاحظت اللجنة أن الصدام بدأ طائفياً بتجمع مجموعة ترتدى جلابيب وملتحين- يعتقد أنهم من السلفيين- بالإضافة إلى بعض المواطنين من سكان المنطقة حول كنيسة مارمينا بحثاً عن سيدة قيل إنها محتجزة فيها، وهو مسلك لا يجيزه أى قانون أو عرف... وأثناء هذا التجمع غير القانونى وغير المبرر حدث إطلاق للنار لم تتحقق اللجنة من مصدره وسوف تظهره نتائج التحقيقات الجنائية، مما أدى لحدوث حالة من التدافع والهياج الجماهيرى والصدام ترتب عليها استخدام الأسلحة النارية والبيضاء والحجارة وسقوط عدد من القتلى والجرحى.
❊❊ على أثر ذلك امتدت الأحداث إلى كنيسة السيدة العذراء التى تبعد نحو كيلومترين عن كنيسة مارمينا وجاء ذلك متوافقاً مع نداءات تحريضية من الذين تجمعوا فى بداية الأحداث بالتوجه إلى الكنيسة وإحراقها... وأمام الكنيسة انقسم المهاجمون إلى مجموعتين: عملت الأولى على الحيلولة دون تدخل المواطنين لحماية الكنيسة عبر إطلاق الأعيرة النارية عليهم، بينما قامت الثانية باقتحام الكنيسة وإشعال النار فيها وأحرقتها بالكامل.
❊❊ خلصت اللجنة إلى عدد من الاستنتاجات مؤداها أن التغييرات الهائلة التى تمر بها مصر حالياً فى ظل ثورة 25 يناير، أفرزت ظواهر ارتبطت مباشرة بأحداث إمبابة وأبرزها: الغياب الأمنى الواسع الذى أعطى أدواراً متصاعدة للخارجين على القانون وانتشار الأسلحة بشكل غير قانونى بين أيديهم... هذا بالإضافة إلى بروز تفسيرات دينية متطرفة تطرح إعادة تشكيل المجتمع المصرى بما يدع المواطنين المصريين من المسيحيين خارجه باعتبارهم ذميين ليست لهم حقوق سوى حق الحماية الدينية، وقد ـاستشرت هذه التفسيرات لدى بعض شرائح المجتمع عبر الاستخدام المكثف لشتى وسائل الإعلام وخاصة الإعلام المرئى... وفى هذا السياق لا يمكن إغفال تصاعد وتعدد محاولات قوى النظام السابق لإفشال الثورة عبر إثارة الصراعات والصدامات فى المجتمع المصرى لإظهار أن الثورة هى المسئولة عن حالة الانهيار الأمنى.
❊❊ بالرغم من حالة الاندماج والانصهار الوطنى التى خلقتها الثورة بين المصريين- مسلمين ومسيحيين- إلا أنه لا يمكن إنكار وجود مناخ طائفى متراكم على مدار العقود الأربعة الماضية ما تزال آثاره وتفاعلاته مستمرة حتى اليوم فيما يعرف بالملف القبطى... وتمت معالجةهذا الملف من جانب السلطات طوال هذه المدة باعتباره ملفاً أمنياً عرفياً ولم يتم اللجوء إلى الوسائل السياسية ولا الاجتماعية ولا القانونية لنزع جذوره والتوصل إلى حلول حقيقية له... هذا التراكم وهذه الخلفية أديتا إلى اندلاع أحداث إمبابة ومن قبلها أطفيح وقنا وأبو قرقاص بما يؤكد الحاجة إلى معالجة ذلك الملف بمنهج مختلف عما اتبعه النظام السابق والذى أدى إلى هذه الكوارث.
❊❊ خلص التقرير إلى ست توصيات هى:
(1) الإسراع بالقبض على المتورطين فى ارتكاب هذه الجرائم، سواء كانوا أفراداً أو جماعات، وتقديمهم لمحاكمة عاجلة تتوفر فيها قواعد المحاكمات العادلة والمنصفة تأكيداً على قدرة المؤسسات القضائية الوطنية على توفير الحماية لجميع المصريين دونما تمييز.
(٢) يلتزم المجلس القومى لحقوق الإنسان بمتابعة الإجراءات القانونية المتخذة فى هذه الأحداث، وقرر المجلس تعيين مفوض خاص من أعضائه لمتابعة أحداث التوتر الدينى وسرعة التعامل معها.
(٣) التأكيد على سيادة القانون ودولة المؤسسات وأن مؤسسات الدولة هى المعنية بتنفيذ القانون وإعماله وليس الأفراد والجماعات.
(٤) يدعو المجلس للإسراع فى تنفيذ خطط التواجد الأمنى فى البلاد وخاصة فى المناطق العشوائية من أجل عودة الانضباط وتكثيف حماية دور العبادة.
(٥) حرية الرأى والتعبير لا تعنى بأى حال من الأحوال الدعوة لأفكار أو قيم ضد القيم الإنسانية أو الديموقراطية، ويدعو المجلس إلى ضرورة محاسبة كل من تسبب فى، أو ساعد بأى وسيلة على الدعوة للكراهية أؤ الطائفية أو العنف باسم الدين.
(٦) يؤكد المجلس على ضرورة إصدار تشريع لمكافحة الطائفية أو التمييز على أساس الدين، ويذكر المجلس بتوصياته السابقة لمعالجة الكثير من الجوانب المتعلقة بالملف الطائفى وفى مقدمتها قانون دور العبادة الموحد، وقانون تكافؤ الفرص ومنع التمييز، وغيرها من التوصيات التى تتعلق بنشر ثقافة حقوق الإنسان وقيم التسامح وقبول الآخر.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :