هل يصبح احمد رفيق عوض وزيراً للثقافة..؟!
بقلم: شاكر فريد حسن
ترددت في الأسبوع الأخير أنباء عن تشكيلة الحكومة الفلسطينية العتيدة، منها نبأ يسترعي الانتباه ويفرح القلب ويسّر الفؤاد ، وهو تزكية الكاتب والروائي الفلسطيني احمد رفيق عوض لمنصب وزير الثقافة. هذا الكاتب المعطاء، والمبدع الفذ ،والمثقف الكبير، والانسان المتواضع، الدمث، الهادئ، العصامي، الكادح ،الفقير، الناهض من أعماق تراب "يعبد" الصامدة الصابرة ، الذي عاني الفقر والجوع والكفاف، وذاق مرارة البؤس والاستغلال في العمل الأسود داخل اسرائيل . وقد استطاع بعصاميته وجهوده الذاتية والمثابرة أن يتعلم وينهي دراسته الاكاديمية وينال شهادة الدكتوراة ،ويحتل مكانة خاصة واحتراماً كبيراً لدى رجال الأدب والفكر والثقافة والصحافة في المجتمع الفلسطيني ، وذلك بفضل كتاباته الرصينة الجادة في مجال الابداع القصصي والروائي والمسرحي والبحث العلمي والمقالة الأدبية والنقدية والدراسة التاريخية.
تعود معرفتي بالصديق القديم احمد رفيق عوض الى أواخر ثمانينات القرن الماضي، حيث التقينا لأول مرة، في غمرة الانتفاضة الفلسطينية الاولى، في أحد مقاهي ام الفحم الواقعة بحي الميدان ، بحضور الصديق المحامي وليد عسلية ، سكرتير جبهة ام الفحم الديمقراطية سابقاً . وكان اللقاء ودياً وحميمياً ، والحديث ذو شجون، وتناولنا خلال اللقاء الهموم الأدبية واليومية المشتركة ،والواقع الثقافي الراهن، والقضايا الثقافية والفكرية ، التي تهم شعبنا الفلسطيني. ثم التقينا مجدداً في بلدة يعبد ـ مسقط رأسه ، خلال زيارة الوفد الجبهوي الكبير برئاسة النائب السابق هاشم محاميد ، الذي زار في حينه، عدداً من القرى والبلدات في محافظة جنين ، ابان الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الاولى ، بهدف تدعيم الصمود الفلسطيني وتقديم الاغاثة والمعونات المالية.
ومنذ ذلك الحين جرت مياه كثيرة في نهر الأردن ، فتوقفت الانتفاضة، وعاد من عاد من تونس الى الوطن ، وتشكلت السلطة الفلسطينية ، واندلعت الانتفاضة الثانية مجدداً ، ثم توقفت، وحصل الانقسام المؤسف والتشرذم في الجسد الفلسطيني . ورغم البعاد والفراق ولوعة الاشتياق، تابعت أخبار احمد رفيق عوض من بعض الأصدقاء ، وعرفت انه استطاع ،رغم فقراليد والحال ،من اكمال الدراسة الاكاديمية كجزء من حلمه ، وحصوله على الشهادات الجامعية العليا ، التي توجها بنيله شهادة الدكتوراة ، وانه يعمل محاضراً وأستاذاً جامعياً في جامعة بير زيت.
نشأ احمد رفيق عوض منذ صغره على ألفة الادب وعشق الرواية ، وعلى احساس مجبول في طبعه بالكتابة ، ورأى أن موقعه مع فقراء شعبه ومعذبيه وعماله وكادحيه ، ومع المجددين وقوى التنوير النقدي . وكان يدفع بكتاباته وبواكيره القصصية والروائية لنشرها في مجلة (الفجر الأدبي)، التي كان يحررها الشاعر علي الخليلي . وظل قابعاً ومتخفياً وراء اسمه المستعار "فكري خليفه" ، وراح ينمو ويتطور فنياً وابداعياً ، شكلاً ومضموناً ، في حركة القصة الفلسطينية الجديدة بعطاء بارز يتجاوز كثيراً ما تراكم حولنا من نتاج منشور ، واقفاً على رأس التراث والتاريخ ، مؤسساً لقصة أصيلة ورواية تاريخية معاصرة في آن،مستخدماً الأصول الفلسفية والوقائع التاريخية في تفجير تفاصيل يومية تلتحم بوجوهنا وصدورنا الى حد مذهل. وقد أنجز أعمالاً روائية وقصصية عديدة صدرت في الأراضي المحتلة عام 1967 ولاقت اعجاب القراء والنقاد والنخب الفلسطينية المثقفة ، ومن هذه الاعمال : "العذراء والقرية، مقامات العشاق ، قدرون، آخر القرن، القرمطي، عكا والملوك، بلاد البحر ".
احمد رفيق عوض نجم الساحة الادبية الثقافية، بالموقف السياسي والوطني والفكري والنقدي ،والمنهج الواقعي والتاريخي التقدمي الجمالي ، لم يتوقف عن الكتابة بحبر الدم والروح والقلب ، بقلمه الرصين الملتهب وعقله المستنير المتوثب وثقافته الشمولية الواسعة العميقة ، ورغم ميوله العقائدية والفكرية التقدمية ، الا أنه بقي خارج التنظيمات والتقسيمات الحزبية والشللية السياسية والأدبية والثقافية ، محافظاً على استقلاليته ورأيه وموقفه الجذري ، وانحيازه لجموع الفقراء والمهمشين، وانتصاره لقضايا العدل والحرية والديمقراطية .
وبلا مبالغة، احمد رفيق عوض هو من كبار كتاب القصة والرواية التاريخية في فلسطين المحتلة ، ومن صفوة المثقفين النخبويين الفلسطينيين الرياديين الملهمين في حياتنا الثقافية والفكرية المعاصرة ،وله بصماته الواضحة في صناعة العديد من المشاريع الثقافية الماضية والحاضرة والقادمة. انه سليل الحبر الفلسطيني الكادح، وضمير الانقياء ، وصوت الذين لا صوت لهم ، الباحث عن الفرح في وطن جريح وذبيح لم يعرف الفرح حتى الآن ، الطامح بالحياة والمستقبل الجميل الزاهر والواعد في ظل مجتمع ديمقراطي تعددي مدني وحضاري يحترم الانسان وحقوقه ، ويعيد انسانية الانسان المفقودة . وهو ايضاً انسان مملوء بالنشاط والحيوية والجد والاجتهاد والحياة ، ومسكون بالكلمة النظيفة ، ومؤمن بالقيم والمثل العليا ، يعانق الأمل ويغرس في النفوس المعذبة والمتألمة حب الحياة .
فهل يصبح أحمد رفيق عوض وزيراً للثقافة؟! .
هذا ما نرجوه ونأمله ،فهو يستحق ذلك وجدير بهذا المنصب الهام والرفيع ، ومن شأنه أن يقدم الكثير خدمة للثقافة الوطنية الفلسطينية وللفكر الديمقراطي الحر الفلسطيني . وتحية من شرايين القلب لمنشد الفرح في حياتنا الباقية الصديق القديم احمد رفيق عوض.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :