ضوء فى نهاية النفق
بقلم: د.حمدي الحناوي
انشغال الجميع بخطورة الجماعة له ما يبرره، غير أنه يعطى انطباعا بأننا أمام قوة لا تقهر. نعم، هى تمثل تحديا كبيرا، لكن لها نقاط ضعفها. وإذا لم يكون الضعف واضحا كضوء النهار، فملامحه تشكلها الآن تفاصيل الأحداث، ويكشف عنها التطور الثورى الذى يعيد توزيع مواقع كل القوى.
تتواتر الآن روايات عن أخطاء الجماعة خلال الثورة، وقد تبين أنها ككل القوى التقليدية لم تتصور أن تتحول مظاهرة إلى انتفاضة أو ثورة. ولم يكونوا على يقين مما يجب فعله، حين تصاعد الصدام بين المتظاهرين وبين قوات النظام، واتخذوا قرارات بانسحاب المشاركين من شبابهم لكن الشباب رفضوا. والمؤكد أنهم وسط أحداث الثورة لم يستطيعوا فرض توجهاتهم.
على الأقل، لم يستطيعوا أن يمنعوا مشاركة المرأة، فلم يشتبك أحد مع امرأة سافرة أو متبرجة بمصطلحاتهم. وكان اعتصام النساء مع الرجال إعلانا عن ميلاد عصر غير إخوانى. وفى الموجات التالية كانوا فى حاجة إلى قوة السلفيين لاسترداد أرض خسروها، وكان التحرش بالنساء فى 8 مارس، يوم المرأة العالمى، إعلانا عن ذلك. وكانت جمعة الغضب الثانية إعلانا نهائيا عن نهر آخر تجرى مياهه بقوة، وتصب فيه روافد لا تنبع من أرضهم.
بداية، سحبت الثورة منهم ما ميزهم فى النظام السابق، وهو صورتهم كجماعة محظورة ومضطهدة، تستثير التعاطف معهم. والآن تسحب الديمقراطية باقى المزايا، وهى القدرة على تخطى الحواجز تسترا بالدين. وإذا كانوا قد استفادوا بوجه الديمقراطية الأول، حيث أطلق سراح المعتقلين وأطلقت حرية التنظيم، فإن وجه الديمقراطية الثانى يختلف. هنا تطلق حرية التعبير، فلا يضطر أحدا للتستر، بل يضطر من يتستر لأن يعلن برنامجا مفصلا يتناول مشكلات المواطنة والتخلف والبطالة والأسعار وغيرها مما لا يعالجه شعار "الإسلام هو الحل".
بهذا الوجه الثانى للديمقراطية تنتقل ساحة المنافسة بعيدا عن ملعب الدين، وهذا بالنسبة لهم كعب أخيل، حيث مقتلهم. وأملا فى تغطية هذا الضعف يبحث أنصارهم من الدعاة السياسيين عن شهادة بأنهم ما زالوا أقوياء. وبالطبع لا يبحثون لدى جهات محلية بل لدى إعلام خارجى يرى ما على السطح ولا يرى خبايا الأرض المصرية. هكذا استعرض أحدهم شهادة صحيفة الحياة اللندنية (فهمى هويدى، الشروق، 31 مايو)، ودمغ الإعلام المصرى بالتدليس.
بعد أيام كان الرجل يغطى تراجعه وقد انكشف تدليسه هو، حيث تبين أن الشهادة كانت تقدر المتظاهرين فى جمعة الغضب الثانية بثلاثة آلاف شخص. وبهذا الكذب فضحت عملية التجميل وحاول الكاتب تعويض ذلك بشهادات صحف أجنبية أخرى (الشروق فى 2 يونيو). والواضح أنه بينما لا يحتاج الليبراليون إلى شهادة بقوة الجماعة، تحتاج الجماعة ذاتها إلى شهادة ترفع معنوياتها.
تبقى الحقيقة أن الجماعة لا تكتسب على الأرض قوة جديدة، وتمسكها بعدم تأجيل الانتخابات هو لهفة للاستفادة بقوتها القديمة قبل أن تتآكل. وفى المقابل تكسب القوى الديمقراطية يوميا أرضا جديدة، وتزداد قدرتها على التنظيم بأساليب نظيفة، بينما كانت قوة الإخوان منذ 1970، تقوم على تستر الدولة وتواطئها معهم لضرب القوى الديمقراطية. ولم تكن مزاعم اضطهادهم منذ ذلك التاريخ سوى مبالغات مقصودة. نعم جرى اعتقال بعضهم وصودرت بعض الأموال، لكن هذه إجراءات الردع المعروفة كى لا يخرجوا عن حدود مرسومة غير معلنة.
الدليل أنهم كانوا يتحركون علانية ويدخلون الانتخابات وينجحون، بينما يقال أنهم جماعة محظورة. هذه اللعبة سقطت، ولو فازوا فى الانتخابات القادمة، فلن يكون السبب فى ذلك قوتهم بل أن معسكر الديمقراطية لم يحتشد بكامل قوته بعد.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :