الاستعدادات لما بعد مهلة المائة يوم
بقلم: عبدالخالق حسين
يبدو أن القوم بدؤوا يحدون سيوفهم وخناجرهم و(حناجرهم أيضاً) لينهالوا بها على رئيس الوزراء السيد نوري المالكي بعد انتهاء مهلة المائة يوم التي أعلنها أيام الاحتجاجات على الفساد وتردي الخدمات، كاختبار لمعرفة كفاءة وزرائه في تحسين الوضع وحل المشاكل التي يواجهها الشعب. والمائة يوم على وشك الانتهاء، ولذلك هناك تحضيرات جارية على قدم وساق للمواجهة!!
الظاهر إن الجانبين، المالكي الذي صمد في عين الإعصار، وخصومه وكتاب المعارضة الذين يسعون للإطاحة به، يتحدثون بلغتين مختلفتين، أو بما يسمى بحوار الطرشان.
فالذي سمعته من السيد المالكي في مؤتمره الصحفي أن المائة يوم التي قطعها على نفسه كمدة اختبار لحكومته، هي المدة التي تسمح لكل وزير أن يثبت للشعب كفاءته وقدراته على إدارة شؤون وزارته ومواجهة المشاكل ضمن مسؤولياته. فإن أثبت كفاءته فقد عبر الاختبار بنجاح، وإن فشل فيطلب من البرلمان سحب الثقة من هذا الوزير غير الكفوء. (يرجى مراجعة رابط الندوة الصحفية للسيد المالكي في الهامش).(1)
أما خصوم المالكي من المعارضة وكتابها، وكما يبدو من تصريحاتهم ومقالاتهم النارية التحريضية التسقيطية، فإنهم فهموا أن المالكي تعهد أن يحل مشاكل العراق خلال مائة يوم!! وإلا فسيتنحى عن السلطة ويترك الأمر لمن هو أكفأ منه وهذا ما تستعد له الجماعة!!
قلنا مراراً أن الوضع العراقي فريد من نوعه، فهو الوحيد في العالم الذي يمكن للسياسي أن يكون مشاركاً في السلطة ومعارضاً لها في آن واحد، بل و حتى محرضاً على إسقاطها، فيستفيد من مشاركته بالتمتع بالامتيازات المادية والمعنوية التي توفرها له السلطة، وفي نفس الوقت يستطيع التنصل من مسؤولياته والتخلص من النقد في حالة عجزه عن أداء واجبه بكفاءة، فيلقي اللوم على رئيس الوزراء وحده، وبذلك يكسب رضا المعارضة والدنيا والآخرة!!. وهذا ما نراه واضحاً في سلوك ممثلي كتلة "العراقية"، وبالأخص في شخص رئيسها الدكتور أياد علاوي وأتباعه، والسيد طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية، والسيد أسامة النجيفي، رئيس البرلمان. والأخير هدد بسحب الثقة من الحكومة الحالية وإسقاطها ما لم تلب مطالب المواطنين، فضلاً عن سحب الثقة من كل وزير لا يستطيع تنفيذ نسبة 75% من البرامج الموضوعة لوزارته. والملاحظ أن السيد النجيفي يتصرف وكأن البرلمان مؤلف من نواب كتلة واحدة لحزب واحد بقيادته، يستطيع أن يأمره بتنفيذ ما يشاء. بينما في جميع برلمانات العالم، نجد مهمة رئيس البرلمان تقتصر على تنظيم جدول أعماله وإدارة جلساته، ليس غير.
أما كتاب المعارضة فيطالبون المالكي بحل 100% من مشاكل العراق المتراكمة عبر قرون في غضون المائة يوم!!! وإلا فلتستقيل. والسؤال هنا، إذا نجحت الحكومة في حل جميع مشاكل العراق المتراكمة خلال المائة يوم، فماذا سيفعل الوزراء خلال الثلاث سنوات المتبقية من الدورة البرلمانية الحالية!!!؟؟
ومن هنا نعرف أن شروط هؤلاء السادة هي شروط تعجيزية لا تمت إلى الواقع مطلقاً، بل غرضها التحجج على السلطة وأية سلطة كانت، بغية إسقاطها ولسان حالهم يقول (وليكن من بعدي الطوفان). وعذرهم دائماً هو المصلحة العامة وإنجاح الديمقراطية ومحاربة الفساد.
وحتى لو نجحت الحكومة في حل مشاكل العراق المتراكمة، وهو أمر مستحيل، فإن الاحتجاجات لن تتوقف، لأن في جميع الأحوال هناك مجال واسع لأي معارض أن يطعن بالحكومة وطريقة تعاطيها مع المشاكل، وبالأخص مشكلة الأمن والخدمات. فمشكلة الإرهاب لن ينفرد بها العراق، ولا يمكن القضاء عليها تماماً، لأنها مشكلة عالمية. وكذلك الفساد، تراه حتى في الدول الغربية الديمقراطية العريقة، وفضائح البرلمانيين البريطانيين والحكم على عدد منهم بالسجن بمن فيهم لورد باتت معروفة. فالفساد لا يمكن التخلص منه أو التخفيف منه إلا بتعاون المجتمع من خلال منظمات المجتمع المدني ورفع الوعي الوطني.
كما ويطالب خصوم الحكومة الأجهزة الأمنية بحفظ الأمن وحماية أرواح الناس وممتلكاتهم، ويلقون عليها اللوم في كل حادثة إرهابية ويتهمونها بالعجز، ولكن ما أن تقوم هذه الأجهزة بإلقاء القبض على الإرهابيين واعتقالهم، حتى وتقوم قيامة المعارضة مدعين أن هؤلاء أبرياء، وأن الحكومة تنتهك حقوق الإنسان. فكيف يمكن لأجهزة الأمن أن تحارب الإرهاب وعصابات الجريمة المنظمة وفي نفس الوقت منعها من اعتقال المتهمين والمشتبهين والتحقيق معهم؟
إن معارضي المالكي يتعاملون معه وكأنه يترأس حكومة الحزب الواحد، بينما الحقيقة تؤكد أن الحكومة هي حكومة شراكة وطنية، فيها وزراء اختارتهم كتلهم السياسية، وصوت عليهم البرلمان بالأغلبية المطلقة، وأن غالبية الوزراء هم ليسوا من حزبه ولا من كتلته (التحالف الوطني).
وهناك من يطالب الحكومة بتحقيق المستحيل، وعلى سبيل المثال لا الحصر، أفادت الأنباء عن عزم حكومة الكويت إنشاء "ميناء المبارك" على الجانب الشرقي من جزيرة بوبيان في خور عبدالله شمال الخليج. ومن نظرة سريعة إلى الخارطة البحرية (2)، نرى إن الكويت دفعت حدودها في عهد حكم البعث إلى مسافة قريبة جداً من الحدود العراقية بحيث إنشاء هذا الميناء سيخنق الموانئ العراقية، وخاصة ميناء الفاو المخطط إنشاؤه في المستقبل القريب. ولكن بدلاً من الدفاع عن حقوق العراق في مياهه الإقليمية، طلع علينا السيد عدنان حسين في جريدة (المدى) بمقال يدافع فيه عن الكويت، ويلقي اللوم على الحكومة العراقية "الفاسدة"، طالباً منها استخدام الأموال الهائلة في نقل البحر إلى داخل العراق لبناء موانئه "بدلاً من سرقة هذه الأموال". يعني استغلال تهمة الفساد لفرض شروط تعجيزية. وأنا لا أعرف كيف تستطيع الحكومة العراقية ومهما كانت نظيفة نقل البحر إلى داخل الأراضي العراقية حتى ولو امتلكت التكنولوجية المتطورة وأموال العالم كله. نعم سمعنا ببناء سفن في الفضاء، وحفر أنفاق تحت البحار تربط الجزر فيما بينها كالنفق الذي يربط إنكلترا بفرنسا مثلاً، أو الجسر الذي يربط البحرين بالسعودية، ولكن لا أعرف كيف يتم نقل البحر إلى الداخل ليبني العراق موانئه وتكون له منافذ بحرية على العالم.
يبدو لي أن السيد عدنان حسين مهتم بإرضاء رؤساء تحرير الصحف التي يكتب فيها أكثر من دفاعه عن مصلحة الشعب العراقي وحقوقه. فعندما كان يعمل في صحيفة الشرق الأوسط السعودية، كتب مقالة يطالب فيها السعودية والكويت والجهات الدائنة الأخرى بعدم التنازل عن ديونها على العراق، بذريعة منع ظهور ديكتاتور دموي آخر من طراز صدام حسين في المستقبل. (الشرق الأوسط، 15/10/2003). وكنت قد نشرت رداً عليه في وقته وفي نفس الصحيفة في 30 أكتوبر 2003 . وهو بذلك يريد معاقبة العراقيين بجرائم صدام وكأن صدام شن حروبه على إيران والكويت بعد أخذه موافقة الشعب العراقي، لكي يدفع هذا الشعب وأجياله القادمة ثمن جرائم حكم البعث الفاشي.
الملاحظ في الدول الديمقراطية الناضجة أن للمعارضة وكتابها وأحزابها وظيفة وطنية نبيلة تتلخص في مراقبة الحكومة ونقد أخطائها بشكل بناء. ولكن، ونقولها بأسف شديد، أن المعارضة في العراق أدمنت على الهدم وليس البناء، لأنها لا تجيد غير الهدم، وهذا مرض عضال لعب دوراً كبيراً في عدم الاستقرار السياسي. لا ندعي أن الوضع العراقي هو مثالي، بل هناك نواقص كثيرة وهي نتاج التركة الثقيلة التي ورثها الشعب من النظام الفاشي الساقط. ولكن بدلاً من توجيه النقد البناء لمعالجة الوضع بالتي هي أحسن، ووفق فن الممكن، يقود المعارضون عراق ما بعد البعث إلى هدم كل ما تحقق من منجزات، فتراهم يستعيرون مواصفات العهد البعثي وإلصاقها بالعهد الجديد. وعلى سبيل المثال لا الحصر، تجد السيد فخري كريم، قد سخر صحيفته (المدى) وكتابه لهذا الغرض، ففي مقال له بعنوان: (مئة يوم من الإذلال:لكي لا يعود "زوار الفجر") ومن العنوان نعرف المقاصد الكيدية.
خلاصة القول، إن الغرض من مائة يوم التي حددها رئيس الحكومة هو اختبار كفاءة الوزراء، وهناك لجان تقوم بتقييِم هؤلاء الوزراء وفق معايير خاصة كما ذكر السيد المالكي في مؤتمره الصحفي (1) وليس لحل جميع مشاكل العراق المتراكمة في مائة يوم وبعصا سحرية. ولكن المتوقع من خصوم المالكي أنهم سيستمرون في تأجيج الوضع والتأليب عليه، ودون أن يكون لديهم أي بديل واقعي أفضل. فغاية هؤلاء ليست حل مشاكل العراق بل إغراقه في فوضى عارمة يكون ضحيتها الشعب العراقي، والمستفيد الأكبر هم أعداء العراق.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :