مصداقية الأحزاب
بقلم: د. حمدي الحناوي
لكل قوة سياسية أن تغير تحالفاتها، ولكن حين يقفز بعضها من اليسار إلى اليمين أو العكس يجب أن يقدم تفسيرا واضحا لذلك التحول، يصون مصداقيته. التقى أحد عشر حزبا مع الإخوان على سبيل حشد "القوى المتوافقة على مبادئ الديمقراطية والدولة المدنية". والهدف الذى يسعون إليه هو العمل المشترك فى الانتخابات القادمة من أجل برلمان "يمثل الشعب"، ومن أجل حكومة "وحدة وطنية".
جاء هذا التحرك استجابة لدعوة إلى التحالف وجهها الإخوان للقوى السياسية فى مارس الماضى. والدعوة ما زالت موجهة إلى بقية القوى للانضمام لهذا التحالف. وقد أضيفت هذه المرة إلى الكلمات المعتادة عن الوحدة الوطنية، كلمات فضفاضة عن عدم إقصاء أى فصيل أو تيار سياسى "طالما التزم بمدنية الدولة وسيادة القانون والمواطنة"، كمبادئ أساسية للدستور.
هكذا يتم التستر على الإخوان واعتبارهم قوة ملتزمة بالديمقراطية والدولة المدنية. ويجرى تملقهم بحديث عن عدم الإقصاء، فمتى كان عدم الإقصاء يعنى التحالف؟ يكفى عدم استبعادهم من العمل السياسى بقرارات إدارية، وتظل الديمقراطية تسمح بهزيمتهم وسحقهم سياسيا بدون اعتقال أو تعذيب أو قتل. هذا إن كنا جادين حقا فى بناء الديمقراطية والدولة المدنية. أما الدخول معهم فى قائمة انتخابية موحدة، فهو تدليس على الناس، لا يتستر فقط على الإخوان، بل يتستر على حقيقة إيمان مجموعة الحلفاء بالدولة المدنية.
يفترض أن يدخل فى قائمة انتخابية موحدة من يتفقون فى المبادئ الأساسية، ومن هنا يمكن أن توجد قوائم عديدة لتحالفات عديدة، وقد يدخل الإخوان فى قائمة منها مع من يتفقون معهم. لكن المضحك هو دعوة جميع التيارات للدخول فى قائمة واحدة. ولو أمكن الاتفاق على مثل تلك القائمة، فلن يكون معنى هذا أن التدليس قد اتسع نطاقه، بل سيعنى أن هناك طفولة سياسية، أو عمى سياسيا أصاب الجميع، فقائمة واحدة كهذه لن تستند إلا على مبدأ وحيد هو اقتسام السلطة. والسلطة ليست غنيمة تقسم بهذا الأسلوب.
السلطة أداة لتحقيق أهداف محددة، فهل توافق أولئك الحلفاء حقا على إقامة دولة مدنية؟ مفهوم الإخوان عن تلك الدولة يختلف اختلافا جوهريا عما يقول الآخرون عنها. والتوافق فى هذه الحالة ليس إلا إغماض العيون عن ذلك الاختلاف الجوهرى. والمثير أن يشارك فى هذا الهزل حزب ليبرالى كحزب الوفد، وحزب يسارى كحزب التجمع. وقد سبق للوفد أن دخل فى حلف انتخابى مع الإخوان فى ثمانينيات القرن الماضى. وفى حينها حقق كسبا كان أقرب إلى الهزيمة، فأنهى التحالف. وحل محله حزب العمل، الذى فقد هويته وتحول إلى حزب دينى نتيجة لذلك.
الآن قد يفكر الإخوان فى رد الجميل لحزب الوفد أو العمل، لكنهم ليسوا مدينين بأى جميل لليسار، فهل تغير اليسار أم تغير الإخوان؟ لا يوجد ما يبرر مسلك تلك القوى اليسارية والليبرالية إلا ضعف إيمانها بمبادئها، وفقدان الثقة فى قدرتهم على المنافسة. ويجدر بهم فى هذه الحالة أن يراجعوا مبادئهم ويتعلموا كيف يثقون فيها وفى أنفسهم. ومن يشعر أن الإخوان قوة لا تقهر، يظل أمامه خيار شريف هو الإقرار بعجزه والتقاعد عن العمل السياسى. أما من يعلن عن مبادئ ثم لا يتمسك بها فهذه انتهازية سياسية.
من كان أمله أن ترضى عنه جماعة الإخوان، فعليه أن يكف عن الطنطنة بكلمات الثورة والنضال والتغيير. وأظن أننا لدينا قوى لم يصبها العمى السياسى. ولهذا لا أظن أنه ستكون هناك قائمة واحدة لجميع القوى. وعموما، هذا اختبار عملى لمصداقية الأحزاب ومدى إيمانها بمبادئها.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :