الأقباط متحدون | الـدين والـدولة -إعادة
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٥:٢٨ | الثلاثاء ٢١ يونيو ٢٠١١ | ١٤ بؤونة ١٧٢٧ ش | العدد ٢٤٣١ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

الـدين والـدولة -إعادة

الثلاثاء ٢١ يونيو ٢٠١١ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقـلم: أنطـوني ولســـن
منذ طرد آدم وحواء من الجنة والإنسان هائم على وجهه، محاولًا إرضاء الله ليغفر له ما ارتكبه من معصية عدم طاعته.

"قايين" هرب من وجه الله بعد أن قتل أخاه "هابيل" الذي قبل الله تقدمته لأنها إتفقت مع مطالبه "الله".. أن تكون التقدمة ذبيحة يراق دمها وتقدَّم على مذبح ليتقبلها الله.. فعل ذلك "هابيل" ولم يفعل مثله "قايين" الذي قدَّم تقدمته من ثمر الأرض ولا دم فداء فيها.

غضب "قايين" وقتل أخاه "هابيل" بدافع من الحقد والغيرة، وارتكب حماقة أخرى عندما سأله الله عن أخيه، فكان رده: «هل أنا حارس لأخي؟».. وصُعق عندما سمع صوت الله يقول له: «دم أخيك صارخ إليَّ». فتأكد أن هناك إله متطلع ويعرف خفايا النفس.

هام "قايين" على وجهه تاركًا خلفه الأرض والحرث والناس، متنقلًا من مكان إلى آخر وهو لا يعرف كيف يرضي الله أو يرضي نفسه ومن معه (طبيعي اصطحبه بعض من إخوته وأخواته لتعمير الأرض)..
مرت أزمنة وعصور وعهود، وانتشر الإنسان على وجه البسيطة يصارع الحياة وتصرعه، دائم العمل للوصول إلى الأفضل، خائفًا ومرعوبًا من المجهول الذي يتمثل في من يتحكم في مصيره وحياته وموته.. وتساءل عن ما بعد الموت.. هل حياة؟.. وما هو شكل هذه الحياة؟ هل فيها مأكل وملبس وتزاوج وإنجاب؟ وأين ستكون هذه الحياة؟ أهي على نفس الأرض التي ولد عليها وعاش ومات ودفن في أرضها؟ أم ستكون في مكان آخر لا يعرفه؟!.. أسئلة وأسئلة كثيرة كانت تطوف في عقول وأفئدة البشر. وبدأ الله يتفاعل معهم بإرسال رسل وأنبياء.. استمع البعض لهم، ورفض البعض الآخر ما كانوا يخبرونهم به عن العقاب والثواب، الجنة والنار.. إلى أن جاء الطوفان وغرقت الأرض بكل ما عليها ما عدا ذلك الفلك الكبير الذي بناه نوح طبقًا لتعليمات الله له.

عَمَّر أولاد "نوح" الأرض بعد الطوفان، وسُميِّت "مصر" على اسم "مصرايم" التي كانت من نصيبه. تميَّزت أرض "مصر" بميزات مناخية وتضاريسية قل أن تتميز بها أرض مثلها. سماؤها صافية، شمسها ساطعة، مناخها معتدل (حار جاف صيفًا، دفيء ممطر شتاءً). تحيط بها الصحراء كحزام واق من الأعداء، جبالها ليست بالجبال العالية، لكنها أيضا سياج واق، كما إنها تحتوي في باطنها على مناجم وكنوز عديدة ومتنوعة. يجري في وسطها نيل تجري مياهه من الجنوب إلى الشمال حيث تصب في البحر المتوسط لتطل منه على دول البحر المتوسط، وشرقًا تجري فيه مياه البحر الأحمر. أرضها غير وعرة، فسهل الترحال شمالًا أو جنوبًا، شرقًا أو غربًا. وهذا أعطاها ميزات أخرى عديدة إذ جعلها ممرًا آمنًا لكل الشعوب، وإن كانت هذه الميزات جعلت منها (مصر) مطمعًا للآخرين على مر السنين.

مع كل هذه الميزات التي حباها الله بها، لابد وأن يحدث تفاعل بين ساكن الأرض (المصري) وما يتمتع به، مما أتاح له فسحة من الوقت للتفكير في الكون والمجرات السمائية وشروق الشمس وغروبها وما يتبع ذلك في الفصول المناخية المختلفة. فبدأ يقسم السنة إلى فصول وإلى شهور وإلى عدد الأيام في كل شهر بعد أن حَّدد عددها في السنة. استقرت الأمور معه وزرع وحصد وأكل وشبع وشرب وارتوى، فحنَّ إلى معرفة الحياة والموت. وهنا بدأ طريق المعرفة والتي سبق بها كل الأرض دون مبالغة مني.

وصل إلى الله.. وأعطاه اسمًا.. "آمون" (القمر).. ورأى البعض من المصريين أن الله "رع" (الشمس).. حمي وطيس الخلاف بين المصريين حول عبادة "آمون" و"رع".. "أمون" إله الشمال و"رع" إله الجنوب، وكانت أول حرب دينية عرفها العالم وسجَّلها التاريخ.. تاريخ سكان "مصر" أحفاد "مصرايم".

استمرت الحرب التي استنزفت الكثير من طاقة "مصر" الحضارية والإنتاجية، وكان لابد من وجود من يوقف نزيف الدم الذي ينزف من أخين مزقهما الدين. جاء المخلص في شكل حاكم الجنوب "مينا" الذي استطاع أن يوقف نزيف الدم ويوحِّد القطرين، ولأول مرة عرف تاريخ البشرية لقب ملك الذي لقِّب به الحاكم "مينا"، الذي أصبح يلقَّب بـ"الملك مينا"، ووضع على رأسه تاجًا موحَّدًا للتاجين.. تاج الجنوب وتاج الشمال.

كان هذا أول عمل إيجابي بين الدين والدولة الممثلة في شخص حاكمها، الملك الذي وحَّد القطرين ودمج الدينين في دين واحد، أصبح اسم الإله "آمون رع". وإلى ملوك "مصر" الذين عرفوا بـ"الفراعنة" أي العظماء (ولا تجد في أي لغة في العالم معنى لهذه التسمية "فرعون، فراعنة" غير معني "عظيم أو عظماء"، إلا اللغة العربية التي عرّفت "فرعون" ب،"المتفرعن" أي "المفتري، المتسلط، الظالم").. حتى أن هناك مثل عربي يطلق على المفتري أو المتسلط لماذا هو هكذا بالقول "سألوا لماذا فرعون متفرعن، قالوا هو لقي حد يوقفه عند حده وما تفرعنش؟!!".

إتَّسعت المعرفة.. ومع المعرفة الاختراع.. ومع الاختراع الحاجة إلى التوسُّع.. فظهرت قوة جيش "مصر" الذي خذ الغرب منه تشكيلات الجيوش الحديثة، حتى أنك تلحظ ذلك في وقفة "رمسيس الثاني" العسكرية، والتي ظهرت فيه قدمه اليمنى متقدِّمة إلى الأمام. مع الأسف قد تم إزاحة التمثال العظيم من مكانه عند محطة "مصر" في "القاهرة" إلى مثواه الأخير حتى لا يراه أحد.. لأنه تمثال لملك وثني كافر!!..

الإمبراطورية المصرية إتَّسعت وأصبحت إمبراطورية يدين لها بالولاء كثير من الشعوب والدول المجاورة.. جيش الإمبراطورية مُهاب.. وكلمة "مصر" مسموعة بين الأمم، والشعب المصري ينعم بحياة يملأها الأمل في الحياة الدنيا والحياة الآخرة.. ولم يغير المصري عبادته.. وعرف الكهنة عملهم الديني الطقسي دون التدخل في شئون الدولة. وهذا أكبر دليل على أن فصل الدين عن الدولة هو مفتاح النجاح لأي شعب يريد الحياة.. فقد تعلموا الدرس من تلك الحروب الطاحنة بين الشمال والجنوب بسبب الدين.

حكم "مصر" ملك وضع جُل همه معرفة الله الحقيقي.. الله خالق الإنسان والحيوان والسماء والأرض. إله أقوى من الشمس ومن القمر.. إله معرفة ومقدرة وسمع وفهم للإنسان.. إله يدعوه فيستجيب له.. يصلِّي إليه فتصل الصلاة مباشرة، لذا بنى معبده الشهير في مدينة "الأقصر" بدون سقف.. ملك ناجى هذا الإله بمزامير لا تجد فارق بينها وبين مزامير داود المعروفة.. إذن ذلك الملك عرف الله وإنشغل بتلك المعرفة عن باقي الحياة..

بدأ الطامعون من أعداء "مصر" ومن البلاد التابعة لـ"مصر" بالتمرد ومحاولات الانفصال.. كوارث بدأت تحل بـ"مصر" من كل الجهات.. وقائد الجيش لا يستطيع التحرك إلا بأوامر من الملك.
إتفق قائد الجيش مع الطبيب الخاص بالملك على أن يطلب الطبيب من الملك ترك الحكم من أجل "مصر".. وكانت أول ثورة ضد ملك "مصر"، وإن كانت ثورة صامتة لم يشعر بها أحد من الشعب، وإن كتبها التاريخ.

رضخ الملك لمطالب قائد الجيش الذي بعث بها مع الطبيب الخاص به (الملك). لم يكتب وثيقة تعهد بترك الحكم لا لابنه أو لزوجته أو لقائده ويظل حيًا يعيش بالبلاد أو يغادرها، إنما الطلب كان قاسيًا على الملك حتى تستتب البلاد.. فقد طلب الطبيب من الملك أن يقبل بتجرع كأس الموت المسموم!! قبل الملك ذلك بعد أن سأل الطبيب: هل سأشعر بالآلام بعد تجرعي السم؟. فكان رد الطبيب: لا يا مولاي.. بل ستمضي في سلام من أجل مصر. بالفعل شرب الملك "أخيناتون" كأس السم من أجل أن تعود لـ"مصر" سيطرتها وقوتها كما كانت قبل أن تنهار وتصير (ملطشة) بين الشعوب، بسبب تفضيل الملك للدين عن الدولة.

وما أشبه اليوم بالبارحة.. "مصر" تمر بأسوأ فترات حياتها المليئة بالأوجاع والآلام بعد أن صارت مطمعًا للآخرين، في ظل آخر ملوك الفراعنة العظام، الطفل الصغير الذي ترك أمور الحكم والحياة لكهنة تسلطوا على الشعب ولم يوجد بينهم من يهتم بشئون "مصر" التي أصبحت سهلة المنال من "الإسكندر الأكبر"، وإحتلالها بكلمة واحدة أعلن فيها للكهنة إنه ابن الإله "رع" فسلمت "مصر" له! وتوالت الغزوات.. فهل ستصير "مصر" لقمة سائغة لآخرين لا ولاء لهم لا لـ"مصر" ولا للشعب المصري، بل يريدون الحكم، فعاثوا في الأرض فسادًا باسم الدين؟.. كفَّروا من كفروا من المصريين (مسلمين ومسيحيين) باسم الدين، باعوا شرف "مصر" لمن يدفع باسم الدين، ضربوا "مصر" بآفة الفتنة التي بدأت ثمارها الضارة تظهر واضحة في جميع مناحي الحياة باسم الدين؛ حتى يسهل عليهم إنهاء فترة الهدنة المقامة بينهم وبين الدولة.. الدولة الممثلة في رئيسها وحكامها الذين تركوا الحبل على الغارب لرجال جُل همهم حكم "مصر" باسم الدين، والدين منهم براء.

قد يسأل ساءل: هل الدولة اللا دينية أفضل من الدولة الدينية؟ الإجابة بسيطة جدًا.. عانت "روسيا" من الدولة اللادينية لمدة قاربت من السبعين عامًا وأكثر لتحكم الحزب الشيوعي الحاكم في البلاد بما فيهم رئيس البلاد، وما أبشع قصة "ستالين" الرجل الحديدي الذي ضحى بزوجته محبوبته خضوعًا لمطالب الحزب بقتلها.. وأفاق الشعب الروسي بمساعدة "أمريكا" على العودة إلى الدين.. وليس الدولة الدينية.

"تركيا" قاست وقاست معها كل الدول التي كانت تخضع لها ولمدة (500) سنة من حكم الخلافة باسم الدين، وجاء "أتاتورك" وفصل الدين عن الدولة وأصبح لها كيان.

قاسى الغرب في عصور الظلام من حكم البابوات القائم على الدين، إلى أن وقف "مارتن لوثر" الأسقف الكاثوليكي في وجه البابا وأحرق قرار الحرمان أمام الشعب واختفى عن الأنظار، ليقوم بترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة الألمانية ليقرأ الشعب ويفهم مسيحيته وإيمانه المسيحي، وسُمِّي أتباعه بالبروتستانت أي (المحتجون).

فهل "مصر" استفادت من تجربة الدولة الدينية.. ولو بالاسم فقط؟. نعرف أن "عبد الناصر" و"السادات" و"حسين الشافعي" و"كمال الدين حسين" كانوا ضمن تنظيم الإخوان المسلمين، ونعرف أيضًا أن "عبد الناصر" أطاح بهم لأنهم كانوا شوكة في ظهره للصراع على الاشتراك في الحكم، ثم تولَّى مقاليد الحكم وتحويل "مصر" إلى دولة دينية. ونعرف بقية القصة وما فعله "عبد الناصر" بالإخوان، ونعرف ما فعله الرئيس "السادات" معهم.. ونعرف ما فعلوه به.. ونعرف أيضًا سيادة الرئيس "مبارك" أن الصراع بين الحزب الوطني الذي يترأسه فخامتكم والإخوان المسلمين المهيمنين على الأغلبية من الشعب المصري باسم الدين والتمسك بالحكم. سيادتكم متمسكين بالحكم وبقاء الحزب الوطني على ما هو عليه من فساد، وهم مصممين على تولي الحكم ويستخدمون كل وسيلة مباحة أو غير مباحة باسم الدين؛ للإطاحة بالحكومة والحكم. وقد نتج عن هذا التمسك بالحكم خراب "مصر"، وتجويع الشعب المصري، والتفرقة بين أبناء "مصر" باسم الدين، وانهارت القيم الأخلاقية وضاع حب "مصر" من قلوب أبنائها، كما فقدت "مصر" مكانتها بين الأمم ولم يعد لها وزن ولا ثقل لا بين الدول العربية والإسلامية ولا الدول الغربية.

فما العمل فخامتكم؟!!
التوتر بين أبناء "مصر" قائم.. وبركان الغضب يغلي ويكاد أن ينفجر.. وقد يستغل الإخوان هذا الوضع لإلهاب نار الفتنة بين أبناء "مصر" من مسلمين ومسيحيين باسم الدين، معلنين الفتنة الطائفية والتي هي في الحقيقة فتنة شعب تمزَّق بين حزب حاكم فاسد وبين جماعة الإخوان المسلمين المحظورة.. ودافع الثمن هو الشعب المصري. ونعود إلى انقسام "مصر" إلى شمال وجنوب باسم الدين بمسمى جديد "أقباط ومسلمين".. وعلى الشعب أن يقاسي حتى يأتينا قائد بطل مثل الملك "مينا" ويقضي على الفتنة ويوحِّد القطرين في تاج واحد يضعه فوق رأسه، ولا أظن أنه سيوجد من يضحي بنفسه (بالموت) كما فعل الملك العظيم "أخيناتون"، لكن بالسيطرة على المتسبب في الفتنة باسم الدين وإعادة "مصر" إلى سابق عهدها وأفضل، وفصل الدين عن الدولة.

هل هذا ممكن.. أم مستحيل؟!! أنا فقط أسأل.. لأني لا أملك سوى السؤال والدعاء لـ"مصر" ولكل المصريين حتى يهدي الله الحكومة والحاكم، والمتطرف والمتشدد باسم الدين، حتى لا يكفر الدين الدولة، ولا تقضي الدولة على الدين.
صلوا معايا.. وقولوا.. آمين.

كتبت هذا المقال في شهر مايو من العام الماضي، ونُشر في الصحف الورقية "المستقبل والمصري"، وفي المواقع الإلكترونية. وقد رأيت إعادة نشره مرة أخرى في هذه الفترة الزمنية الحاسمة في مستقبل "مصر" بعد ثورة شعب أراد الحياة فوقفت في وجهه صعاب من الصعب عليه أن يختار.. صعاب الاختيار بين الدين والدولة، فأردت بالإعادة أن أضع أمام القاريء البسيط والواعي أهمية الدين وأهمية الدولة، لأستخلص القول "لا للدولة الدينية" و"نعم للدولة المدنية". ومما لا شك فيه أن التدين للناس أفضل بكثير من الإلحاد، ولا يوجد دين أتباعه كفرة ولا دين أتباعه مؤمنين، وياليتنا نهتم بالإنسان المصري الذي عانى ويعاني الكثير على مر العصور وإلى الآن، ولا نعرف إلى متى في الزمان القادم والمجهول..

لم يهتم أحد من العهد البائد بهذا الكلام، لا الحاكم ولا الحكومة، فهل سنجد من يهتم الآن؟؟!! ليس من المهم بالمقال، لكن المهم الاستماع إلى صوت الضمير إن كان قد بقي هناك ضمير.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :