المصريون والعيش في جلباب رجال الدين
بقلم: ماجد سوس
قامت الثورة المصرية على يد شباب وطني لا يحسب على أي فئة أو حزب أو تكتل بإخلاص و صدق نوايا تجاه الأمة. شباب رفع شعاره علم مصر الأبية دون الإلتفات لجنس أو عقيده أو مله . شباب أبى أن يُتهم بالسلبية تجاه أوضاع فاشية و حكومة مستبدة أذاقت شعبها مرارة الحياة البائسة وجعلته يتجرع الفقر و الظلم كل يوم ، بخلاف جهاز أمني أذاقهم أنواع مريعة من التعذيب والضرب و السب والإهانة والإرهاب النفسي ، مهدرا كرامة و إنسانية المصري حتى فاض الكيل وخرج شبابنا عن صمته ، رافضا أن يقال عليه أنه أقل من أن يتبع نهج الثوار العظام القدامى و ينجح نجاحهم و يحقق ما حققوه ،فكانت المفاجأة في الخامس والعشرون من يناير 2011 حيث حفر الشباب أسماؤهم بحروف من ذهب و بدماء إخوتهم الشهداء فصنعوا تاريخا في سجل من نور أصبح نبراسا لكثير من شعوب العالم فغيروا فلسفة التاريخ التي قامت على إستعباد الحاكم لشعبه منذ العصر الفرعوني حتى يومنا العظيم الذي لا يقل عن يوم العبور المجيد في أكتوبر 1973 فقد عبرت الثورة بالشعب من ضفة العبودية والمهانة الى ضفة الحرية والكرامة.
أثناء نشوة الإنتصار و فرحة انفكاك القيود و بدأ جني الثمار وحصد سنابل القمح ، ظهرت مجموعة من الزوان (الذي يدمر المحصول) لخنق محصول و ثمار الثورة والقفز عليها وسرقتها. فظهر على الساحة غرباء ، مطاريد ، لهم صورة التقوى وهم منكرون قوتها، فغالبيتهم يتستر وراء الدين لعلمهم أن التدين (الظاهري) يحرك عواطف الشعب المصري والذي يحركه الدين و الكورة .. و راحوا ينسبون – بتبجح - نجاح الثورة لإنفسهم ، رغبة منهم في حصد ما لم يزرعوه بل أن بعضهم تمادى في زعمه أنهم وان لم يقموا بالثورة الا أن الله سخر هؤلاء الشباب لكي يسلموهم إياها لقيادتها نحو هدف أسمى وهو تطبيق شرع الله .
الأمر بات محزناً للغاية فالشعب الذي كان يحلم بهذا اليوم العظيم و الذي تنفس الصعداء عندما تصور أن أول شيء سيراه بعد الثورة مباشرة هو دستور قوي عادل يضعه كل فئات الشعب و طوائفه منزه من كل عيوب الدساتير السابقة التي أهدرت كرامة المواطنين وأمسكت السوط بيد الحاكم لهلاك الشعب.على انه يبدو أن الرياح لا تسير بما تشتهيه السفن فقد وجد الشعب نفسه يسير في إتجاه آخر. فخفت صوت الثورة وعلى صوت الرجعيين و ضاع حقوق البسطاء وتهافت الجميع على ضرب وحدة الوطن بداية بحرق الكنائس وخطف القاصرات ، مرورا بنشأة الأحزاب الدينية . كل هذا وصوت العقلاء والمثقفين والليبراليين كاد أن يُبح من الصراخ وباتت البلاد على هوة حفرة عميقة قد تسقط فيها مصرنا وتسلم في يد مجموعة لا تنظر لمصلحة الوطن و أنما لمصلحة الوهابية و التطرف الديني و صارت أجندتها المعلنة تختلف عن حقيقتها ، تسوقها أيديلوجية رجعية بائدة تستند على مرجعيات دينية لا وطنية الأمر الذي سيعرض البلاد لخطر داخلي في وحدتها الوطنية و العيش المشترك وخطر خارجي بهروب الإستثمار والسياحة والذي في النهاية سيؤدي حتما لتدمير مصر.
أحد أهم الأسباب التي أدت الى هذا المنعطف الخطير هو هيمنة بعض رجال الدين على حياة الناس و تحركاتهم وأفكارهم بل ساعدت على نشر فكرة رفض الآخر و تكفيره وأصبح لرجل الدين التأثير على الحاكم والمحكوم وأصبح المصري يستشير رجل الدين في كل أمور حياته حتى تلك التي تخرج عن المجال الروحي أو الشرعي .
ولنأخذ مثال عما حدث في الإستفتاء الأخير الذي أقيم من أجل أخذ رأي الشعب في تعديل بعض مواد الدستور. فما حدث من رجال الدين كان أمرا مريبا فقد قفزوا على منابرهم يلهبون مشاعر البسطاء من الشعب و دون أدنى معرفة بالقانون الدستوري راحوا يقودون الشعب كالقادة العميان الذين يقودون عميان – أقصد عدم رؤية الأمور السياسية بوضوح – مثلهم .. فأدخلوا الدين في الإستفتاء الدستوري ،فزعم رجال الدين الإسلامي أن من يقول "لا" لهذه التعديلات هو من أعداء الله..و في الجانب الآخر طلب أحد الآباء الأساقفة من شعبه عدم الموافقة على التعديلات لأن هذا معناه أن تغيير الدستور سيترك الى ما بعد الإنتخابات التشريعية والتي من المرجح أن يحصل الإسلاميون على الأغلبية . وبالرغم من صحة ما قاله الأب الأسقف الا ان حديثه داخل الكنيسه أدى الى إشعال الموقف وتذرعت الأغلبية بأن رجال الدين الأقباط إستخدموا المنابرأيضا لتحريك الاقباط في اتجاه معين فلماذا ترفضون علينا ما تحلونه لهم. لذا بات من المتعين ان توضع قوانين صارمة كتلك الموجوده في الولايات المتحده التي تمنع على رجل الدين او المُعلم او اي قائد ان يتدخل في الانتخابات او الاستفتاءات بأي طريقة ما للتأثير على الناخبين .وأحب أن أننوه أنني قد علمت أثناء كتابة هذا المقال أن قداسة البابا الحكيم قد أصدره توجيهه وتنبيهه على كل رجال الدين بالإمتناع عن التدخل في الإنتخابات أو توجيه الشعب لأي إتجاه و ترك هذا للأحزاب السياسية و للمجتمع.
والمشكلة – في رأيي- ليست في رجال الدين ولكنها تكمن في ان بعض أفراد الشعب المصري يتصورون أن رجل الدين يعرف في كل شئون الدنيا و الدين دون علم أو تخصص أو دراسة فصاروا يسألون رجل الدين في الإقتصاد والسياسة والطب والهندسه والقانون وعلم النفس ..وأصبح تأثير رجال الدين على المجتمع يأتي قبل تأثير الإعلام والصحافة بل والأهل أنفسهم وأصبح من النادر أن تجد رجل دين يقول لك أنصحك أن تدرس الموضوع جيدا وتختار ماهو الصالح لك بعد أن تستشير متخصصين ، وفي ذات الوقت عليك بالصوم والصلاة وإنما يعطيك رأيه في أدق تفاصيل حياتك.. فتجد من يأخذ رأي رجل الدين : أختار هذا المرشح أو غيره.. هل أهاجر الى الخارج أم أبقى في بلدي بالرغم من عدم خروج رجل الدين - الذي تسأله - خارج مصر أو معرفته بشئون المهجر أو ظروفه لكنه يبدي رأيه في هذه الإمور ويحدد له ماذايفعل . وهناك من يسأل رجل الدين : أعمل في هذه الوظيفة أو تلك أو ألتحق بهذه الجامعة او غيرها أو أشتري منزلي في هذا المكان أو غيره و هي أمور كلها تحتاج الى بحث و دراسة . و هذا لا يمنع في طلب صلاة رجل الدين ودعائه و مشورته الروحية. وقد حاول اليهود من قبل أن يدخلوا المسيح له المجد في أمور سياسية فقد سألوه : هل ندفع الجزية لقيصر أم لا فأجاب : إعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله . فلسان حاله يقول هذا ليس من شأن رجال الدين ولكنه قانون يجب إتباعه ،حتى الرجل الذي طلب منه أن يقول لأخيه أن يقاسمه الميراث قال له من أقامني قاضيا عليكما .و قد أكد نفسي الفكرة القديس بطرس الرسول حينما طلب ان يخضع كل انسان الى كل ترتيب بشري سواء للملك أو الرؤساء دون أن يطلب الخضوع له في هذه الأمور
.. أعلم جيدا يا أحبائي أن رجل الدين لا يحب أن يرفض الإجابة على أي سؤال حتى لو ليس في مجال الدين لكن الخطورة تكمن في حالة إبداء الرأي في اجتماعات عامة فيترتب عليها توجه عام . يعجبني قداسة البابا عندما يسأله شخص : من هو شفيعك فيقول كل القديسين وعندما سأله شخص لماذا تقول هذا: قال لأني أخشى أن أقول أسم قديس بعينه فيختار الناس هذا القديس فقط . وهو في هذا حكيم جدا لأنه يعرف تأثر الناس وتعلقه به .والمثال الآخر ، عن قداسة البابا أيضا :عندما يتلو الصلاة الربانية مع الشعب يسكت عند قول: "خبزنا كفافنا "أو "خبزنا الذي للغد" ويقولها سرا لأنه يخشى أن يقول جملة منهما، فيتصور الناس أنها فقط هي الصحيحة ، يبنما الحملتان سليمتان ومن هذا القياس تكمن الخطورة عندما يبدي رجل الدين رأيه في الأمور السياسية مثلا على الملء فيتبعه الناس دون تروي أو تفكير و هو السبب في الدعوة التي أنادي بها وهي أن يخرج الشعب من جلباب رجل الدين في الأمور التي لا شأن للدين فيها و الا سنكون نحن الذين ننادي بدوله علمانية لا ترتبط فيها السياسة بالدين منجرفين لنفس التيار دون أن نشعر..فليكن شعارنا جميعا مصلحةمصر أولا وعلى رجال الدين من الطرفين أن يصلوا من أجل سلامة الوطن ووحدت شعبه
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :