الأقباط متحدون | " ماعت " وبدون العدل والأعتدال لن يكون الوطن وطنا
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٧:٠٨ | الثلاثاء ١٢ يوليو ٢٠١١ | ٥ أبيب ١٧٢٧ ش | العدد ٢٤٥٢ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

" ماعت " وبدون العدل والأعتدال لن يكون الوطن وطنا

بقلم / لطيف شاكر | الثلاثاء ١٢ يوليو ٢٠١١ - ٣٩: ١٠ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم / لطيف شاكر

ومن بين نصوص الحكمه التى تركها لنا حكماء هذ البلد العظيم فى عصوره القديمه نصا يقول : "اذا ماتت ماعت .. ماتت مصر؟ فمن هى "ماعت" تلك التى يتكلم عنها هذا الحكيم وهل تستحق بالفعل أن يقال عنها كل هذا؟

"ماعت" هى تلك المرأه التى نراها على جدران المعابد وصور البردى وهى تحمل فوق رأسها تاجا مكون فقط من "ريشه نعام"- نفس الريشه التى أتخذها المصرى رمزا ومقياسا للعدل وأستخدمها فى صوره شعريه نادره تنقل بدقه وأبداع فلسفه "الحساب" بعد الموت عند المصرى القديم .

فلقد كان القلب -فى عمليه حساب الموتى الرمزيه - يوزن مقابل الريشة فاذا كان وزنه وزن الريشة وقت الحساب كان "صادقا" مع نفسه خلال رحلة حياته وأستحق بذلك أن يظل اسمه حيا فى الوجود أما اذا كان أثقل من الريشة دل هذا على خداع النفس للنفس وعدم و صدق القول والفعل فى الحياه.

وتصف لنا كتب التاريخ بأسلوب الحكى بأن "ماعت" وجدت عندما وجدت "مصر" حتى يستطيع البشر أن يأتوا بكل ماهو جميل ودفين فى نفوسهم لأن "ماعت" هى الثقه التى تركتها السماء
" نوت" فى الأرض قبل أنفصالها عن حبيبها الأرض " جب" والتى بها ومن خلالها تستطيع الأرض أن تتواصل مره أخرى مع السماء فيصبح من بين البشر من هو قادر أن يكون بالفعل أنسان.

وتحت مظله " ماعت" نجد الكثير من الصفات الأخلاقيه والمثل العليا كالعدل والأعتدال،الأنسجام والتناغم، التناسب والقياس ،.الأستقامة والوضوح وفوق كل شىء الصدق مع النفس.
وهذا يعنى أن المصرى القديم أعطى ل"ماعت" صفه "الضمير الأنسانى" ولهذا أشارت كتب التاريخ بأن مصر هى المكان الذى بزغ فيه " فجر الضمير" .

ومع ذلك لم يترك المصرى القديم لنا تعريفا محددا وواضحا ل "ماعت" من الممكن أن يتناقل من جيل الى جيل عن طريق الكلام أو دراسه الكتب فلم تكن "ماعت" فى يوم من الأيام مجرد وعظ أو أرشاد أو مبادىء تلقن بل أنها أسلوب حياه يطالبنا بالمشاركة والتفاعل ، فماعت ليست هبة أو عطاء و لكنها اكتساب ناتج عن تدريب الأنسان لنفسه ولا يمكن أن تفهم الا من خلال العمل بها وممارستها وأدراكها من الداخل.

فهناك "ماعت" فى كل شىء... فى تحيه الصديق لصديقه ، فى أسلوب الحديث ، فى أداب المائده ، فى طريقه السير على الطريق والحفاظ على النظافه وفى أتقان العمل وأيضا فى الأهتمام بالمعرفه وحب البحث والأكتشاف .

فلا يمكن لأنسان أن يراعى " ماعت" فى حياته ولا يرسم رسما هندسيا دقيقا أو يبنى بيتا بدون أساس سليم أو لا يلتزم بأوقات عمله أو لا يدفع حق الدوله عليه والأمثله كثيره وتتناول كل جوانب الحياه.

ولهذا أرسى المصرى القديم نظامه الأجتماعى على هذا الأساس الذى أعطى قيمة كبيره للمسئولية العامة ورفع من قدر المشاركة الأجتماعية ، ولم تكن "ماعت" غائبه عن أى جانب من جوانب الحياه العاديه لدرجه أن وصفها المصرى بأنها المقياس الثابت لطوبه البناء المعمارى وهى أيضا "نغمه الناى" الرئيسيه و بالتالى تعنى التناغم و الهارمونيه فى كل ألوان الموسيقى ، و هى تناسق اللون وعذوبة الشعر ودقه اللفظ ورشاقه التعبير فى الفن والأدب.

و يقال أن فعل " ماع" المشتق من " ماعت" لايعنى سوى أعطاء ما نفعله هدفا أو أتجاها أيجابيا بغرض بناء الحياه بشكل تدريجى وأيجابى ، وعلى فكره لفظ " معلهش" الذى أعتدنا قوله وتداوله ربما يقصد به أن الفعل لم يكن له هدفا واضحا أى "غير مقصود" وهو بلا شك المعنى وراء هذا اللفظ الشائع وهذا يعنى أن فى كل لحظه ننطق فيها بلفظ " معلهش " لا نحافظ على ماعت أو نرعاها!.

ومع ذلك لم يكن المصرى غافلا أن ضعف البشر يعرض " ماعت" دائما أن تكون ضحيه للظلم والتطرف وعدم التوازن والأعتدال ولهذا فهى فلسفة مرنه تعترف بأن الحياه مملوءه بكل ماهو سلبى وسىء و أن فيها أيضا الكثير من المتضادات التى لابد أن نعرف كيف نتعامل معها بدون تشدد أو مغالاه ولكن ببذل الجهد دائما فى الحد والتقليل منها .

فامرأه العداله "ماعت " هى العدل والرحمه معا ولهذا كانت أساس القضاء و سمى القضاه فى مصر القديمة "كهنة ماعت" ، وأهم وأكثر ما طالب المصرى به حكامه هو "الحفاظ على ماعت"، وكان من عادته فى هذا الزمن البعيد أن يهدى "ماعت" للحاكم فى صوره تمثال صغير عند تتويج الحاكم أو عند تجديد ولايته وكأنه على يقين بأن لا بد من التذكير ب "ماعت" دائما.

وبالتأكيد لايوجد نصا يشير الى تذكرة الشعب للحاكم بمسئولية الحفاظ على "ماعت" أكثر بلاغة وقوه من النص الأدبى الرائع المعروف "بشكاوى الفلاح الفصيح" والذى يخاطب فيه فلاح بسيط ببلاغه شديده حاكمه مذكرا اياه بالدور المتوقع منه ومسؤليات كرسى الحكم الذى يجلس عليه.

هذه الشكاوى التى تعتبر من أجمل الأدبيات فى مصر القديمه والتى وصل أعجاب حاكم البلاد بروعه كلماتها وقدره هذا الفلاح البسيط على التعبير والتأثير أن يطلب منه أن يعيد شكواه أمام كل المسئولين كما لوكان معلما حكيما يعطيهم دروسا قيمه فى الأخلاق ويذكر كل المغرورين بقيمه العدل والرحمه فى الحياه.

أذا سافرت مركبتك فى نهر العدل ..فلن يكسر الهواء شراعها ..فأن الحكم فى يدك ..لأن فى يدك العدل ..وأنت تعرف أن "ماعت" أهم من الهواء الذى نستنشقه .. فأن وقفت بجانب الخير ..فأنت حبيب لماعت ..ان كنت أبا لليتيم ..فماعت هى الشبع للجوعان والكساء للعريان والماء للعطشان وهى السماء التى تصبح صافيه بعد العواصف والمطر...
من كتاب "مصرية..انا "لصديقتي الرائعة والكاتبة البديعة د.ميرفت عبد الناصر التي تشاركني برنامج مصر التي لانعرفها




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :