اختياران لا ثالث لهما لتحديد مصير "مصر"
بقلم: صبحب فؤاد
"مصر" على مفترق طرق، وعليها أن تختار سريعًا أي طريق سوف تمشي فيه لتصل إلى هدفها الذي من أجله تخلَّصت من الرئيس السابق "مبارك" ونظامه الديكتاتوري، وضحَّى بسببه ما يقرب من ألف مصري بحياتهم، بالإضافة إلى عشرات المئات الذين فقدوا بصرهم أثناء الثورة لكي ترى "مصر" بعيونهم المستقبل الذي يحلمون به.
"مصر" أمامها اختياران لا ثالث لهما؛ أولهما هو الاستسلام إلى إرادة قوى الظلام الشيطانية والتيارات الدينية المتأسلمة، وتسليم البلد لهم ليعبثوا بها ويمزقوا وحدة شعبها ويدمروا اقتصادها وحاضرها ومستقبلها، مثلما فعل "طالبان" بـ"أفغانستان"، و"البشير" بـ"السودان"، وحماس بأهل "غزة" والطلبة المسلمين بـ"الصومال".. إذا اختارت "مصر" هذا الطريق، وسلَّمت إرادتها لهؤلاء المتطرفين والمتشددين المتاجرين بالإسلام، فلن يكون مصيرها هي وشعبها أفضل من مصير "الصومال" أو "أفغانستان" أو غيرهما من الدول الممزقة الفاشلة.
أما الاختيار الثاني، فهو انتهاز هذه الفرصة التاريخية المتاحة الآن لتأسيس دولة ديمقراطية، عادلة، عصرية، مدنية، حديثة، تقوم ركائزها على تشجيع العلم والمعرفة، والابتكار والبحث، والعمل بجدية، وزيادة الانتاج، واحترام حقوق الإنسان المصري، وحرية العقيدة؛ لكي نلحق بركب الحضارة والدول المتقدمة، ونكون قادرين في مدى سنوات قليلة على الاعتماد على النفس في كافة المجالات.
إن "مصر" في هذه اللحظة تبدو كما لو أن هناك من يحاول إرغامها على السير في الطريق الذي يقودها لكي تصبح دولة دينية فاشلة، يديرها متطرفون ومتدروشون لا يهمهم توفير لقمة العيش للغلابة، أو فرص العمل للعاطلين، أو الإسكان بأسعار معقولة لملايين المصريين الذين ينامون في المدافن مع الأموات، أو في مساكن لا تصلح لمعيشة الحيوانات، وإنما كل ما يهمهم هو تحقيق أجندتهم الهدامة، وفرض إرادتهم ونفوذهم وأفكارهم العنصرية على أبناء الوطن، وتحقيق المكاسب والمصالح المادية باسم الدين..
على سبيل المثال؛ الإخوان المسلمون يتصورون- ويؤيدهم في هذا التصور بعض الذين يديرون الأمور حاليًا في "مصر"- أنهم أفضل جماعة أو مجموعة تصلح لتولي الحكم خلفًا لـ"مبارك"، وإذا سألتهم عن برامجهم لتطوير "مصر" وحل مشاكلها أو كيف سيوفرون ملايين فرص عمل للعاطلين والخريجين الجدد من المعاهد والجامعات، فلا تجد عندهم إجابة واحدة مقنعة، وإنما مراوغة ومهاترات وسباب وتكفير لأصحاب الرأي المخالف!!
علي أي حال، إنني أرجو من الذين يطالبون بدولة دينية في "مصر" وتطبيق الشريعة والحدود، أن يتأملوا في تجارب الدول الأخرى التي اختارت السير في هذا الطريق، وكيف أنها كانت بلا استثناء تجارب دموية فاشلة محزنة أدت إلى خراب وتمزيق وإفلاس هذه الدول وتجويع شعوبها.. لا توجد دولة واحدة في العالم الإسلامي طبقت الشريعة الإسلامية ونجحت بما فيهم "باكستان" و"إيران".. فلماذا إذن لا نتعلم من تجارب الآخرين حتى نتجنب الوقوع في نفس الأخطاء رحمةً بالشعب المصري الذي عانى بما فيه الكفاية.
لا شك أن الاختيار الأول هو الأفضل والأنسب بكل تأكيد لمستقبل "مصر" والأجيال القادمة، ولكن لكي يتحقق ويصبح واقعًا ملموسًا في "مصر" لابد وأن يتحلَّى المجلس العسكري الحاكم بالشفافية عند اتخاذ القرار، ويكف عن محاباة الإخوان المسلمين والسلفيين وإخوتهم.. لابد أن يتَّخذ المجلس موقفًا أكثر إيجابية تجاه المطالبة الشعبية المتكرِّرة بكتابة دستور جديد أولًا؛ لأنه يستحيل قيام بناء قوي متماسك يقدر على الصمود ضد الرياح والزلازل بدون بناء قاعدة خرسانية قوية له.. ولابد أيضًا أن يصر الشعب على رفض الدولة الدينية مهما كلفهم من تضحيات؛ لأن البديل معناه خراب "مصر" وضياع مستقبلها وجوع وإذلال شعبها العظيم على أيدي هذه القلة المتطرفة المستبدة المتعجرفة التي تكفِّر كل من يقف في طريقهم أو يعترض على فكرهم الأسود المتخلف.
إن مصير "مصر" ومستقبلها لن يحدده الأمريكان أو أموال "السعودية" أو ضغوط الدول الأوروبية، أو أي قُوى كبيرة أو صغيرة خارج الوطن.. وإنما الذي سيحدِّد مصيرها هم أبناؤها الذين يعيشون على أرضها ولا أحد غيرهم. ولذلك نأمل أن يتحلوا بالحكمة وبعد النظر لكي يختاروا الطريق الصحيح الذي يقودهم هم وبلدهم وأجيالهم القادمة إلى الخير والحرية والرفاهية والعدل والمساواة لكل فرد، سواء كان مسلمًا أو مسيحيًا أو يهوديًا أو حتى غير مؤمن، بأي دين من الأديان.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :